ذكرى 4 آب المؤلمة: حضر الناس وغابت السلطة مختبئة وراء حصانات مزيفة
صوت الراعي كان مدوياً داعياً مرة جديدة الى تشكيل حكومة انقاذ
يوم امس كان موعد لبنان مع احياء الذكرى الاليمة لجريمة انفجار مرفأ بيروت فشهدت شوارع العاصمة وخصوصاً تلك المحيطة بالمرفأ مسيرات وتظاهرات، نددت كلها بالجريمة وبالسلطة السياسية التي غابت تماماً عن الذكرى. وكما في كل مرة يتحرك فيها المواطنون للتنديد بهذه السلطة التي تعمل على قهر الشعب، وتدير ظهرها للمآسي التي سببتها له، تظهر الايدي الخفية للتشويش على الذكرى.
فعند الظهر اطلقت صواريخ من الاراضي اللبنانية باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تحدث اي اضرار ولكنها استدعت رداً من العدو باطلاق قذائف على مصدر اطلاق الصواريخ. ولم يكتف العدو بذلك بل شن فجر اليوم الخميس غارتين جويتين على مناطق جنوبية قال ان الصواريخ انطلقت منها. وهذه اول مرة منذ حرب تموز 2006 يتدخل الطيران الاسرائيلي لقصف مناطق لبنانية. ونحن نسأل لمصلحة من اطلقت هذه الصواريخ، وفي الذكرى الاليمة على قلوب اللبنانيين هل هي صدفة ام عمل مدبر؟ هل يعلم مطلقو الصواريخ انهم لم يصيبوا اسرائيل باي اذى، كما في كل مرة تطلق فيها مثل هذه الصواريخ العشوائية التي لم تسبب ولا مرة اي ضرر للعدو، ولكنها اساءت الى لبنان تجاه المجتمع الدولي، واساءت الى ذكرى استشهاد ضحايا المرفأ.
من حاول ايضاً تشويه الذكرى بافتعال استفزازات في منطقة الجميزة، فوقعت اشتباكات استخدمت فيها قنابل مولوتوف واضطرت القوى الامنية الى اطلاق النار في الهواء لتفريق المتقاتلين. هل كان ذلك عملاً مدبراً؟ بالتأكيد نعم، والا لماذا حمل المشاركون في المسيرات القنابل وجاءوا بها الى حيث التجمعات؟ نأمل ان يكشف التحقيق، اذا كان هناك من تحقيق، المسؤولين عن هذه الاعمال ومن يقف وراءهم.
نعود الى المسيرات التي رافقت الذكرى طوال النهار وشاركت فيها قوى المجتمع المدني ونقابات المهن الحرة وغيرهما، وقد جاءوا من مختلف المناطق اللبنانية مما عكس الصورة الحقيقية للبنانيين الذين يتضامنون امام الشدائد لمواجهتها. وحدها الطبقة السياسية لم يكن لها وجود طوال يوم امس. وكان الصوت المدوي صوت البطريرك بشاره الراعي الذي طالب بالعدالة، ودعا القضاء الى الحزم لانه من المعيب ان يتستر السياسيون بالحصانة للهروب من التحقيق. دعا الجميع الى المثول امام القضاء للادلاء بالمعلومات التي يملكونها لان كل الحصانات تسقط امام دماء الضحايا البريئة التي سقطت. وانتقد الطبقة السياسية لعدم تشكيل حكومة وقال مهما تمادت الطبقة السياسية في قهر الشعب فان النهاية آتية لا محالة.
ترافقت الذكرى مع نداء وجهه البابا فرنسيس ودعا فيه العالم الى مساعدة لبنان والعمل على انقاذه وقال انه متشوق لزيارة بلد الارز. وتدليلاً على اهتمام العالم ببلدنا على عكس السياسيين المسؤولين عندنا وهم غير مسؤولين، عقد مؤتمر في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي، شارك فيه عدد من الرؤساء، وفي طليعتهم الرئيس الاميركي جو بايدن والامين العام للامم المتحدة غوتيريش ووزير خارجية المملكة العربية السعودية الذي انتقد هيمنة حزب الله على السلطة. والقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كلمة دعا فيها رئيس الجمهورية اللبنانية الذي كان مشاركاً في المؤتمر، الى تشكيل حكومة سريعاً تتولى الانقاذ وانتقد سوء الادارة والفساد في لبنان. هذا وقدمت فرنسا مئة مليون يورو لمساعدة الشعب اللبناني وقدم الرئيس الاميركي مبلغاً مماثلاً. اما بقية الدول والصندوق الدولي وغيره من المنظمات فقدمت مساعدات بحيث بلغ المجموع 357 مليون يورو سيتم توزيعها على اللبنانيين في الاشهر المقبلة.
العالم كله مهتم بلبنان. وكان طوال يوم امس يراقب تحركات المجتمع المدني في ذكرى الجريمة النكراء لانفجار المرفأ من خلال شبكة من المراسلين الاجانب الذين تابعوا وصوروا كل شيء. وخصوصاً الاشتباكات التي وقعت في محيط المجلس النيابي والغضب الشعبي الذي انفجر هناك، وادى الى اشتباكات مع القوى الامنية سقط خلالها عشرات الجرحى بحيث تجاوز العدد السبعين جريحاً، نقل بعضهم الى المستشفيات للمعالجة. وحدها السلطة السياسية المتحكمة كانت غائبة واوفدت القوى الامنية لتقف سداً منيعاً بينها وبين المواطنين. فهؤلاء يهتمون بالقهر والجوع والعوز التي سببتها لهم هذه الطبقة، فيما هي تهتم بمصالحها وحصصها وحقائبها غير عابئة بما يدور حولها. حضر الناس وغابت السلطة واختبأت وراء حصانات مزيفة كلها ساقطة امام هول الجريمة وامام دماء الضحايا الابرياء.
على الصعيد السياسي يعود الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى زيارة قصر بعبدا فهل تسقط العراقيل ويدرك الجميع ان مصلحة البلد والشعب اهم من كل الحقائب والمصالح الخاصة فيستجيب المعنيون لدعوات المجتمع الدولي ويشكلون حكومة تتولى الانقاذ؟