الاستشارات مؤجلة والخلافات مسيطرة وهي اهم من الشعب والبلد
يوم الخميس 15 تموز الجاري كان محطة مهمة اعتقد اللبنانيون انه سيحمل الخير ويفتح طريق الحل لازمة حكومية عمرها تسعة اشهر، وكان يفترض ان تنتهي فور تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة تتولى الاصلاح وتنتشل البلد والشعب من الهاوية. وزاد من تفاؤل المواطنين ان بعض الاوساط المعنية بتشكيل الحكومة اشاعت اجواء من الايجابية جعلت الناس يتوهمون بقرب انتهاء فترة العذاب والقهر.
في ذلك اليوم توجه الرئيس المكلف الى قصر بعبدا وسلم رئيس الجمهورية تشكيلة من 24 وزيراً فاستمهله حتى يتم التشاور بشأنها. وعاد الحريري في اليوم التالي الى بعبدا ليفاجأ اللبنانيون بالدخان الاسود يتصاعد بدل الدخان الابيض. فرئيس الجمهورية رفض التشكيلة وبقيت الخلافات التي وصل صداها الى خارج البلاد قائمة. وعلى الفور قفز الدولار قفزات جنونية بعدما كان قد تراجع اكثر من 1500 ليرة في اليوم السابق. وجرف معه اسعار السلع المعيشية والحياتية وكل شيء، فسجلت ارقاماً قياسية لم يعرفها لبنان من قبل.
هل ان القضايا التي اختلف الرئيسان حولها هي اهم من بلد وشعب؟ اما كان من الاجدى لو انهما تركا خلافاتهما جانباً، ولو الى حين، حتى تسير الامور بشكل طبيعي، وبعدها يتم البحث بامور الخلافات؟
هل يفكر الرئيسان بامر الشعب الذي وصل فعلاً الى جهنم التي كثر الحديث عنها؟ كيف يمكن ان يستمر المواطن وكل شيء اصبح فوق قدرته المادية؟ من اين يأتي بالمال ليسدد كل هذه الفواتير التي فرضت عليه قسراً بسبب خلافات المسؤولين؟ من اين يأتي بالدواء وقد بدأ بعض المرضى يقضون بسبب عدم عثورهم على ما يحتاجون اليه في الصيدليات التي اقفلت ابوابها بعدما فرغت رفوفها من الادوية. هل يعلم المسؤولون ان عدداً كبيراً من الناس قطعوا اشتراكاتهم في المولدات بسبب الفواتير الخيالية التي تفرض عليهم في اكبر عملية ابتزاز في ظل غياب تام للمسؤولين الذين يفترض فيهم ضبط الاسعار؟ هل يعلم المسؤولون ان هناك اطفالاً ينامون وبطونهم خاوية لان ليس لهم ما يأكلون؟ هل نحن حقاً في لبنان. اهكذا كان اللبناني يعيش قبل هذه الفترة السوداء التي حلت بالبلد على يد طبقة سياسية اثبتت فشلها على جميع الاصعدة، فتخلت عن الناس وعن المصلحة الوطنية وسارت وراء مصالحها الخاصة.
كان من المفترض ان يتم في اليوم التالي للاعتذار اجراء الاستشارات الملزمة، وهذا ما طالب به الجميع الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الاوروبي وروسيا والدول العربية، ولكن الاستشارات مؤجلة الى ما بعد عيد الاضحى المبارك. فهل يحق لنا ان نعيّد ونحن في هذه الحالة البائسة وهل ما زلنا قادرين على اضاعة المزيد من الوقت وكأننا نعيش في افضل حال؟ ان اللبناني ضائع فعلاً لم يعد يدري ما يجري وكيف سيكون المستقبل؟ ثم هل ان تكليف شخصية بتشكيل الحكومة بعد اعتذار الحريري سيضمن ان الحكومة ستشكل، واذا اعتمد الرئيس الذي سيكلف المطالب والشروط عينها التي نادى بها الحريري، هل سيتمكن من تشكيل الحكومة وينجح حيث فشل سلفه؟ لماذا لا تبادر الكتل النيابية الى التشاور منذ اللحظة وتسمي مرشحها لرئاسة الحكومة فتختصر الوقت وتخفف من معاناة اللبنانيين؟
الاسئلة كثيرة وملحة والاجوبة غائبة والمواطن في ضياع كامل حتى اصبح من كثرة الضربات التي يتلقاها يومياً عاجزاً عن التفكير واتخاذ القرار، هل يبقى في هذا البلد ام يرحل الى بلاد يحترم فيها الانسان؟