الحصانة بدعة اخترعها السياسيون لحماية انفسهم ومنع محاسبتهم
كما كان متوقعاً رفضت هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الادارة والعدل رفع توصية الى الهيئة العامة للمجلس برفع الحصانات عن النواب الثلاثة نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر، وارجىء القرار حتى الحصول من قاضي التحقيق العدلي طارق بيطار على المزيد من الوثائق والاثباتات على حد ما جاء في بيان الهيئة بعد انتهاء الاجتماع. وهذا طبعاً هروب الى الامام لتمييع القضية ومنع القرار.
والحصانة في الاساس بدعة اخترعها السياسيون لحماية انفسهم، فهم يفرضونها باسم القانون، ورفعها يتعلق بهم اي انهم يحاكمون انفسهم بانفسهم وبما ان محاكمة الذات غير واردة فستبقى الحصانة ذريعة وسلاحاً يحتمي وراءه السياسيون.
والحصانة عندنا هي اشبه بالفيتو الذي منحته الدول الكبرى في مجلس الامن للسيطرة والهيمنة ومنع تمرير اي قرار يضر احدى الدول المالكة لحق الفيتو، فادى ذلك الى تعطيل مجلس الامن وشل عمله وعجزه بالتالي عن حل قضايا دولية واجهته. ولو اخذنا مثلاً الفيتوات التي استخدمتها روسيا لمنع الحل في سوريا والتي وصلت الى حدود العشرين تقريباً كانت السبب في استمرار الحرب والحصار والقتل وتشريد الناس، لتبين لنا مدى سوء هذا الفيتو.
اذاً لا بد اذا اريد للامور ان تسلك طريق الحق والحقيقة ان يلغى الفيتو في مجلس الامن وتلغى الحصانة عندنا. ما هو فضل المتمتع بالحصانة وماذا يميزه عن غيره، حتى يصنف المواطنون الى محصنين وغير محصنين. فالدستور ساوى بين جميع افراد الشعب. فلتلغ فوراً هذه البدعة، والا لن يتوصل القضاء يوماً الى محاسبة الفاسدين الذين عقدوا الصفقات ونهبوا الاموال واثروا على حساب الشعب الذي هو دائماً الضحية. الناس تعرفهم والقضاء عاجر عن محاسبتهم بسبب الحصانة.
هل يعلم المجتمعون في هيئة المجلس انهم برفض اصدار توصية برفع الحصانة انما يدينون بصورة غير مباشرة المشتبه بهم المطلوبين للتحقيق، في نظر الشعب على الاقل. فالناس تعتبر ان الانسان النظيف البريء من ارتكاب اي عيوب، لا يخشى المثول امام القضاء وهو مرفوع الرأس، فيدلي بما عنده من معلومات تنير التحقيق ويعود الى منزله مرتاح الضمير. وطالما ان النواب المدعى عليهم صرحوا جميعاً انهم مستعدون للمثول امام القاضي، وانهم ابرياء فهذا يعني انهم لا يخشون شيئاً، فلماذا ينتظرون المجلس النيابي لرفع الحصانة عنهم، بل عليهم ان يتوجهوا الى التحقيق بكل شفافية سواء رفعت الحصانة ام لا. ان هيئة مجلس النواب بقرارها تأجيل رفع الحصانة اثارت الشكوك في نفوس المواطنين. وخصوصاً اهالي ضحايا انفجار المرفأ الذين خسروا اباءهم واشقاءهم وفلذات اكبادهم، وهم ينتظرون بفارغ الصبر جلاء الحقيقة كاملة، ليعلموا من ارتكب هذه الجريمة النكراء التي قضت على اكثر من 212 ضحية واصابت الالاف ودمرت نصف العاصمة.
وما يثير غضب اهالي ضحايا انفجار المرفأ. ان هيئة المجلس ارسلت من ينظّر لتبرئة فعلتها، فما كان من وسائل الاعلام الا ان جابهته رافضة كل ما تقدم به، فالحقيقة ساطعة كالشمس ولا يمكن طمسها تحت اي ذريعة كانت.. ومثول المشتبه بهم امام قاضي التحقيق يعجل في سير القضية فلماذا التأخير والكل يؤكدون انهم ابرياء؟
ثم ان الحصانة ونكرر القول انها من صنع الطبقة السياسية لحماية نفسها، ستكون سبباً في المستقبل لمنع المحاسبة وعدم كشف الفاسدين وملاحقتهم، وهي تعطل عمل القضاء وتمنع احقاق الحق وتسد الطريق امام استعادة الاموال المنهوبة، اي انها السبب الاول في انتشار الفساد.
وما اثار غضب الاهالي ايضاً التصريحات التي صدرت عن بعض المجتمعين في هيئة المجلس الذين قالوا انهم لن يغطوا نائباً اووزيراً مقصراً. فلو كانوا صادقين في كلامهم لماذا التأخير في رفع الحصانات؟ انكم لو اصدرتم توصية الى الهيئة العامة برفع الحصانة لكنتم في الدرجة الاولى حميتم المدعوين الى التحقيق، وما زرعتم الشكوك في نفوس المواطنين.
يبقى القول الغوا الحصانات فتستقيم الامور في الداخل، والغوا الفيتو في مجلس الامن فتجد قضايا دولية كثيرة الحل.
اخيراً يترقب المواطنون التحرك الذي سيقوم به اهالي الضحايا بعد نكسة عدم رفع الحصانة التي يعتبرونها جريمة وهل سيبقى تحركهم سلمياً كما كان حتى اليوم؟ لقد قيل ان الحقيقة بعيدة ولن تظهر وقد يكون ذلك صحيحاً لانه ممنوع عليها ان تظهر.
اعتصم الاهالي امام منزل وزير الداخلية محمد فهمي الذي رفض اعطاء الاذن بملاحقة مدير عام الامن العام. وبعد ان اصروا على مقابلته استقبل وفداً صغيراً منهم فماذا كانت النتيجة؟ لقد استطاع ان يتملص من المسؤولية فوعدهم بان يعمد اليوم الاثنين الى اعادة مراجعة قراره. ولكن احد المحامين الضالعين في القانون قال ان الامر قضي وان فهمي لم يعد بامكانه استرجاع الرفض الذي اصبح في عهدة القضاء وان ما وعد به اهالي الضحايا هو من باب التخدير ليس الا. هكذا تدار الامور في لبنان فهل بعد ذلك يمكن بناء دولة القانون التي يحلم بها الناس؟