سياسة لبنانية

إذا تخلى الحريري عن فرنجية هل يتخلى جعجع عن عون ويسيران معاً باتجاه الرئيس التوافقي؟!

حدث اختلال سياسي قوي في معركة رئاسة الجمهورية عندما قرر كل من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع السير بترشيح فرنجية وعون، بغض النظر عن الأسباب التي أدت بالحريري، ومن وجهة نظر قوى في 14 آذار، الى ارتكاب هذا الخطأ السياسي الجسيم، وأدت بجعجع الى الرد على الخطأ بخطأ مماثل ولكن مع مسؤولية سياسية أقل وأسباب تخفيفية لأن الحريري كان البادىء وجعجع كان في موقع رد الفعل.

المستفيد من هذا التحوّل في مسار معركة الرئاسة كان حزب الله. فمن جهة لم يعد لفريق 14 آذار مرشح رئاسي. ومن جهة ثانية سيكون الرئيس حكماً من فريق 8 آذار وحليفاً له لتسقط مقولة الرئيس الوسطي وإمكانية تكرار تجربة ميشال سليمان آخر… وتصحيح هذا الخلل يستوجب التخلي عن فرنجية وعون للعودة الى المربع الأول والى الوضع الذي كان قائماً قبل هذين الترشيحين، أو التقدم الى المربع الثالث والى الرئيس التوافقي الذي لا يشكل تحدياً واستفزازاً لأحد.
إذا كان خروج الحريري من خيار فرنجية ممكناً في مرحلة ما، وفي لحظة سياسية ما، وعندما يتوافر ثمن ومقابل سياسي ولا يعود حرق هذه الورقة مجانياً، فإن خروج جعجع من خيار عون لا يبدو ممكناً في مطلق الأحوال والمراحل إلا في حالة واحدة هي تخلي عون عن مشروع الرئاسة وسحب ترشيحه… لا يمكن لجعجع أن يتخلى عن عون لمجرد أن الحريري يتخلى عن فرنجية، فإذا فعل يكون قد أثبت فعلاً أن ترشيحه لعون لم يكن إلا بهدف قطع الطريق على فرنجية، وأن اتفاق معراب هو اتفاق مرحلي موقت تنتهي مفاعيله بانتهاء تأييد القوات لرئاسة عون، ويزول بزوال الظروف التي أوجدته…
ولكن كل الوقائع والدلائل تشير الى أن اتفاق معراب يتجاوز موضوع رئاسة الجمهورية ويذهب الى أبعد وأشمل وأعمق من الملف الرئاسي الذي ساهم في تسريع الحوار العوني – القواتي وفي نقله من مرحلة النوايا الحسنة والمبادىء العامة الى مرحلة الاتفاق السياسي الذي بدأ يترجم على أرض الواقع تحالفات انتخابية على كل المستويات البلدية والنقابية والنيابية في مستقبل قريب.
صحيح أن رئاسة الجمهورية ليست الهدف الرئيسي والنهائي لاتفاق معراب، ولكنها في أساس تكوين هذا الاتفاق وعلة وجوده، فإذا حصل تراجع من جانب القوات اللبنانية في ترشيحها للعماد عون، فإن الاتفاق سيكون عرضة للانهيار ويفرط عقده، ومعه تنهار عملية المصالحة المسيحية ويعود الوضع المسيحي الى ما كان عليه والى حالة الخيبة والإحباط ويخسر عون وجعجع معاً ما كانا استعاداه من ثقة شعبية ومصداقية سياسية عندما يخسران ويبددان فرصة أخيرة أعطيت لهما لتصفية ذيول الماضي والانطلاق معاً الى مستقبل أفضل.
لقد أشاع اتفاق معراب أجواء ارتياح على الساحة المسيحية، ليس على مستوى الاستحقاق الرئاسي الذي ظل عالقا مع أو من دون الاتفاق المسيحي، قبله وبعده… وإنما على مستوى الحاجة الى تحصين الساحة المسيحية في هذه المرحلة التي تحاصرها بشتى أنواع وأشكال المخاطر والتهديدات وأكثرها ذات طبيعة وجودية، والحاجة الى تحسين القدرات السياسية المسيحية والموقع التفاوضي الحواري في أي تسوية سياسية مقبلة حتى لا تكون على حساب المسيحيين.
ولأن اتفاق معراب صار في مرتبة اتفاق استراتيجي وليس تكتيكاً سياسياً، وصار اتفاقاً للمستقبل وليس لمرحلة… ولأن التفاهم الرئاسي يشكل حجر الأساس فيه، فإن تراجع جعجع عن ترشيح عون ليس وارداً ولا مطروحاً على بساط البحث… وإنما المطروح هو السعي الى توفير ظروف وصول عون الى قصر بعبدا والإسهام في عملية انتخابه والدفع بها الى الأمام. وهذا ما يفعله جعجع بشكل خاص مع سعد الحريري محرضاً ومشجعاً على تأييد عون، وما فعله مع وليد جنبلاط مستكشفاً وداعياً الى موقف أكثر تقدماً ووضوحاً في دعم انتخاب عون…
على المستوى الاستراتيجي، يريد جعجع صيانة اتفاق معراب وحمايته وتطويره وفتحه على آفاق مستقبلية. وعلى المستوى التكتيكي السياسي، يريد جعجع أن يكون شريكا في صنع رئاسة عون ليكون فيما بعد شريكاً مسيحياً أساسياً في الحكم وفي العهد الجديد، وبما يؤدي الى تكريس ثنائية مسيحية (جعجع – عون) على شاكلة الثنائية الشيعية المترسخة عبر سنوات (بري – نصرالله)، والثنائية السنية التي بدأت بالتكوّن حديثاً (ميقاتي – الحريري) وفي المساحة السياسية والزمنية الممتدة بين الانتخابات البلدية والنيابية… أما إذا أخفق عون مرة جديدة في الوصول الى قصر بعبدا، فيكون لجعجع شرف المحاولة وعلى طريقة «اللهم أنني بلغت» ويتحمل سواه مسؤولية وتبعات هذا الفشل الرئاسي في إيصال المسيحي الأكثر تمثيلاً وصاحب الكتلة الأكبر نيابياً… وتكون رئاسة الجمهورية انتكاسة في مشروع عون الرئاسي، وليس في مشروع الاتفاق المسيحي ولا يفسد عدم انتخاب عون في الاتفاق قضية…
قبل أيام وفي حلقة إعلامية ضيقة تحدث جعجع بوضوح وإسهاب عن الملف الرئاسي وخفاياه، كاشفاً أنه رفض عرضاً من الحريري بسحب ترشيح فرنجية مقابل سحب ترشيح عون. وقال جعجع: «إذا استمرينا على ما نحن فيه سنة إضافية فأنا لا أعرف ماذا سيصير عليه الوضع». ودعا الى «إحداث خرق في موضوع رئاسة الجمهورية ولو كانت المحاولة غير مضمونة… علينا جميعاً أن نضحي وهذا ما طرحته على الحريري الذي كان مستمعاً كل الوقت لكن كانت لديه علامات استفهام كبيرة جداً. وفي أسوأ الحالات وكان عون مثل إميل لحود فإن الاخير لم يستطع ان يفعل الكثير على رغم انه كان لديه 4 وزراء. «ووصف خيار انتخاب غير عون بأنه “اقتراح غير جدي». وأضاف: «نحن لسنا مع أي مرشح ثالث وهذه من نقاط الخلاف مع «المستقبل». وبدلاً من الذهاب الى الوكيل فلنذهب الى الأصيل. لقد طرح عليّ الرئيس الحريري أن يسحب ترشيح النائب سليمان فرنجية، وأن أسحب أنا ترشيح العماد عون فرفضت لأن ذلك سيأخذنا الى الفراغ أكثر فأكثر». ووصف العماد عون بأنه «براغماتي وهو مرشح نفسه وليس مرشح غيره. وقد مضى على ترشيحي له 6 أشهر ولن أفكر في غيره. لقد كانت لدينا مشكلة تاريخية مع العماد عون وعالجناها في ورقة التفاهم بمعزل عن الانتخابات الرئاسية. وعندما رشح الحريري فرنجية وقام الرئيس هولاند بالاتصال بالأخير تحركنا، ولو تأخرنا في التحرك لكان عون مشى بفرنجية وكنا جهزنا حقائبنا للسفر».
وأضاف جعجع: «إن الحريري في لقائه الاخير معه سأله هل تضمن عون؟». وأعاد الى الاذهان مواقف عون من حزب الله قبل عام 2005. واوضح ان القرارات المطلوبة ستتخذ في حال وصل عون الى قصر بعبدا. وأعطى مثل قانون العقوبات المصرفية الاميركية الذي طبقه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ودعا الى استعادة عون من حزب الله. وقال إن السعودية الآن في مكان آخر وخارج موضوع الرئاسة لانشغالها بحرب اليمن. وركز على أهمية الاستعجال في إنتخاب عون. ولمح الى إمكان لبننة الاستحقاق الرئاسي و«الوضع معقد يتطلب حلاً معقداً».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق