تحقق كوريا الشمالية المسلحة نووياً تقدماً في الخطوط الأمامية للحروب الالكترونية، بحسب محللين، وسط اتهامات لها بسرقة مليارات الدولارات ما يجعلها تمثل خطراً داهماً وأكثر وضوحاً مما تمثله برامجها التسلحية المحظورة.
ترزح بيونغ يانغ تحت عقوبات دولية عدة على خلفية برامج لحيازة قنبلة نووية وصواريخ بالستية حققت فيها تقدماً متسارعاً تحت قيادة الزعيم كيم جونغ أون.
لكن فيما تركزت الجهود الدبلوماسية لدول العالم على طموحات بيونغ يانغ النووية، فإن الشمال كان يعزز بشكل هادئ ومطرد، قدراته الالكترونية، ويقول المحللون إن جيشه الالكتروني الذي يضم آلاف القراصنة المدربين، يمثل خطورة بالحجم عينه.
وقال الباحث في معهد استراتيجية الأمن القومي في سيول أوه إيل-سيوك إن «البرامج النووية والعسكرية لكوريا الشمالية تمثل تهديدات على المدى البعيد، لكن تهديداتها السيبرانية هي تهديدات فورية وحقيقية».
وبرزت قدرات الحرب الالكترونية لبيونغ يانغ على الصعيد الدولي في 2014 عندما اتُهمت بقرصنة شركة سوني بيكتشرز للترفيه، انتقاما لبثها «ذا انترفيو» (المقابلة) وهو فيلم ساخر يهزأ بالزعيم كيم.
ونتج عن الهجوم اختراق العديد من الأفلام التي لم تكن قد نشرت بعد على الانترنت، ومجموعة كبيرة من الوثائق السرية.
منذ تلك الوقائع تُتهم كوريا الشمالية بالوقوف وراء عدد من الهجمات الالكترونية الكبيرة، ومن بينها سرقة 81 مليون دولار من البنك المركزي البنغلادشي وفي هجوم برنامج الفدية واناكراي الذي طاول دول العالم عام 2017 واخترق نحو 300 ألف جهاز كمبيوتر في 150 دولة.
نفت بيونغ يانغ اي ضلوع لها في تلك الهجمات، وتصف الاتهامات الأميركية المتعلقة ببرنامج واناكراي بأنها «منافية للمنطق» وأعلن متحدث باسم وزارة الخارجية: «لا علاقة لنا بهجمات الكترونية».
لكن وزارة العدل الأميركية وجهت الاتهام في شباط (فبراير) لثلاثة كوريين شماليين بـ «المشاركة في مؤامرة إجرامية واسعة لشن عدد من الهجمات الالكترونية المدمرة».
في تقريرها السنوي لعام 2021 المتعلق بتقويم المخاطر، أقرت واشنطن بأن بيونغ يانغ «لديها ربما الخبرة للتسبب بتعطيل مؤقت ومحدود لبعض شبكات البنية التحتية الحساسة» في أنحاء الولايات المتحدة.
وجاء في التقرير أن البرنامج السيبراني لكوريا الشمالية «يطرح تهديداً متزايداً من تجسس وسرقة وهجمات»، بحسب الوثيقة الصادرة عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية.
واتُهمت بيونغ يانغ بسرقة مئات ملايين الدولارات من مؤسسات مالية ومبادلات بالعملة الرقمية «ربما لتمويل أولويات للحكومة مثل برامجها النووية والصاروخية».
الدفاع الأفضل
يعود البرنامج السيبراني لكوريا الشمالية إلى منتصف التسعينيات على الأقل، عندما قال زعيمها آنذاك كيم جونغ إيل، وفق تقارير، إن «جميع الحروب في السنوات المستقبلية ستكون حروب كمبيوتر».
ووحدة الحرب الالكترونية القوية لبيونغ يانغ والتي تضم 6000 عنصر والمعروفة باسم «بورو 121» (المكتب 121) تنشط من دول عدة من بينها بيلاروس والصين والهند وماليزيا وروسيا، بحسب تقرير عسكري أميركي نشر في تموز (يوليو) 2020.
ويقول سكوت جاركوف من مؤسسة الأمن السيبراني كراود سترايك «إنهم بغاية التقدم ومتفانون وقادرون على تنفيذ هجمات متطورة».
يتلقى المجندون في «بورو 121» تدريبات على مختلف لغات التشفير وأنظمة التشغيل في مؤسسات خاصة مثل جامعة ميريم، بحسب الطالب السابق جانغ سي-يول الذي انشق في 2007.
والجامعة التي باتت تعرف الآن بجامعة الأتمتة، تستقبل 100 طالب فقط سنوياً من بين أكثر التلاميذ تفوقاً على مستوى البلاد.
وقال جانغ لوكالة فرانس برس «تعلمنا أن علينا أن نكون مستعدين في مواجهة القدرات الأميركية في الحرب الالكترونية».
وأضاف «تعلمنا أن علينا أن نطور برامجنا المقرصنة بما أن الهجوم على نظام التشغيل لدى العدو هو أفضل وسيلة للدفاع».
تجذب الحرب الالكترونية بشكل خاص دولاً صغيرة فقيرة مثل كوريا الشمالية التي «تتخلف عن غيرها في ما يتعلق بمعدات مثل الطائرات والدبابات وغيرها من منظومات الأسلحة المتطورة»، وفق الباحث في مركز ستيمسون للأبحاث مارتن وليامز.
وقال «القرصنة تحتاج فقط إلى كمبيوتر واتصال بالانترنت».
تفضيل لوحة المفاتيح على الأسلحة
غالبية مجموعات القرصنة المدعومة من دول تُستخدم بشكل رئيسي لأغراض التجسس، لكن خبراء يقولون إن كوريا الشمالية تختلف عن غيرها في ما يتعلق بنشر قدراتها الالكترونية لتحقيق مكاسب مالية.
وأغلقت بيونغ يانغ حدودها لمنع تفشي وباء كوفيد-19 ما فاقم الضغوط على اقتصادها، في وقت تسعى منذ سنوات للحصول على عملات أجنبية بسبل عدة.
وقال وليامز «السرقة أسرع وسيلة لتحقيق الربح من مزاولة نشاط تجاري، وخصوصاً بوجود قراصنة ماهرين».
في شباط (فبراير) وجهت الولايات المتحدة الاتهام لثلاثة كوريين شماليين بسرقة أكثر من مليار و3 ملايين دولار من الأموال والعملات الرقمية من مؤسسات وشركات مالية.
ولدى توجيه الاتهام وصف مساعد المدعي العام جون ديمرز عملاء كوريا الشمالية بأنهم «رواد سلب البنوك في العالم» مضيفاً أنهم «يستخدمون لوحات المفاتيح وليس الأسلحة في سرقة محافظ رقمية لعملات رقمية بدلاً من أكياس أموال نقدية».
وطرح التداول بالعملات الرقمية مثل بيتكوين أمام القراصنة مجموعة واسعة متزايدة من الأهداف المربحة.
إضافة إلى ذلك، فإن لامركزية شبكاتها وفّرت فائدة إضافية للشمال إذ قدمت وسيلة للالتفاف على عقوبات مالية، وفق جاركوف.
ورأى جاركوف أن «ذلك يسمح لكوريا الشمالية بإدخال الأموال المغسولة بسهولة إلى البلاد، خارج سيطرة النظام المصرفي العالمي».
واعتبر أن «العملات الرقمية تجذب لأنها غير خاضعة للسيطرة وليس لها حدود ومجهولة المصدر نسبياً».
ا ف ب