رئيسيسياسة عربية

تموضع عون في عيون اميركية

ثمة في واشنطن من يرصد التموضعات اللبنانية الجديدة على ابواب الاستحقاقات السياسية والامنية المرتقبة، في طليعتها الانتخابات الرئاسية، ومآل الكرسي والمنصب. ذلك ان الانفصال بالتراضي الذي اعلنه على حد سواء «التيار الوطني الحر» وحركة «امل»، من شأنه – من وجهة نظر اميركية – ان يغيّر في المياه اللبنانية الراكدة، وان يضيف جديداً مشوقاً في بلد معقد يقارب معظم الغرب شؤونه بأفكار بسيطة، غالباً ما تؤدي الى مآسٍ وتضفي تعقيداً على تعقيد.

تتعدد الاهتمامات اللبنانية لمراكز ابحاث اميركية، نظراً الى الاستحقاقات التي تنتظر لبنان في سنة مصيرية، يتوجها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتزيدها تعقيداً الارهاصات الناتجة عن الحرب السورية ومسألتها الآخذة في التعقيد. لكن قاسمها المشترك، الحذر من انزلاق لبنان نحو توترات طائفية وتصدعات سياسية، بفعل شلل يصيب المؤسسات، وقصور المسؤولين اللبنانيين عن ابتكار حلول لأزماتهم المتناسلة.
يقول تقرير بحثي صدر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى بعنوان «تصاعد العنف والتصدعات السياسية في لبنان»: في 9 تموز (يوليو) الحالي، انفجرت سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، الخاضعة لسيطرة «حزب الله». وبعد يوم واحد، أعلن رئيس البرلمان (نبيه بري) أن «التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه العماد ميشال عون سيخرج من قوى 8 آذار في البرلمان التي يتزعمها «حزب الله». ومنذ عام 2006، سهَّل تحالف «التيار الوطني الحر» مع «حزب الله» الهيمنة السياسية للميليشيا الشيعية على لبنان. وإذا استمر هذا التصدع الجديد،
سيمثل تحولاً كبيراً في الحركة السياسية في البلاد – والمزيد من العزلة لـ «حزب الله» – في لحظة أصبحت فيها مجموعات في لبنان تأخذ الطابع المتشدد والمسلح بشكل متزايد».

القتال في صيدا
ويشير التقرير الى ان «الحرب الدائرة في سوريا لمدة تزيد على العامين أصبحت مهددة لاستقرار لبنان، حيث ان وجود ما يقرب من نصف مليون لاجىء (…) أتوا من الجوار حرّف إحصائياً التركيبة السكانية الطائفية الحساسة في لبنان، كما أن وفاة الآلاف من أهل السنة على أيدي نظام الأسد (…) قد أثار التوترات إلى نقطة الغليان. ومما يزيد القلق هو أن فصائل لبنانية لها مقاتلون متنافسون في سوريا، باتت تتصارع في بلادها أيضاً. ففي طرابلس، على سبيل المثال، ظل السلفيون يقاتلون مؤيدي نظام الأسد من العلويين لمدة عام تقريباً؛ كما يقوم السنة والشيعة بقتل الواحد الآخر في منطقة الحدود الشمالية قرب الهرمل. ومع ذلك، وقعت آخر الصدامات الطائفية الأكثر حدة في مدينة صيدا في جنوب لبنان، وبلغت ذروتها في معركة جرت في 24 حزيران (يونيو)، (…) ووفقاً لمصادر لبنانية، أطلق جنود «القوات المسلحة اللبنانية» ما يزيد عن 400 الف طلقة أثناء هذه المعركة. ومع نهاية اليوم، لحقت الهزيمة بقوات (احمد) الأسير، ولكن قُتل ثمانية عشر جندياً لبنانياً بالإضافة إلى ثمانية وعشرين مسلحاً آخر. وعلى رغم عدم وجود إشارة إلى أن «القوات المسلحة اللبنانية» قد نسّقت عملياتها مسبقاً مع «حزب الله»، إلا أن تقارير وسياسيين معارضين للحزب تحدثوا عن أن الميليشيا حاربت إلى جانب الجيش (…)».

سامراء التالية؟
يضيف التقرير: «في 9 تموز (يوليو)، بعد أسبوعين من انتهاء المعركة في صيدا، انفجرت سيارة مفخخة كبيرة بالقرب من المجمع السكني والمكتبي لـ «حزب الله» في بيروت. وأفادت التقارير أنه كانت هناك أربع محاولات أخرى لمهاجمة الحي قبل وقوع هذا الحادث، لكن تم اعتراضها جميعاً. وعلى رغم أن هوية من قام بهذا التفجير تبقى غير معروفة، إلا أن هناك شكوكاً عن ضلوع سلفيين لبنانيين وثوار سوريين في وقوعه، وإن لم يكن ذلك مفاجئاً نظراً الى الغضب المتصاعد من الدور البارز الذي يلعبه «حزب الله» في قتل السنة في سوريا. وكان تحالف الثوار الرئيسي، «الجيش السوري الحر»، قد سبق وتعهد بمهاجمة «حزب الله» في لبنان، في الوقت الذي أعلن العالم الإسلامي السني الكبير يوسف القرضاوي أن ما يُسمى  بـ «حزب الله» كان في الحقيقة «حزب الشيطان». وعلى رغم هذا العداء السني – الشيعي الآخذ في الازدياد، سعى كل من «حزب الله» وتحالف 14 آذار إلى تخفيف حدة هذا الموقف في الأعوام الأخيرة، ولا شك في أنهما كانا يضعان نصب أعينهما الهجوم الذي وقع على الضريح الشيعي الرئيسي في سامراء – العراق عام 2006، الذي أثار اعواماً من العنف الطائفي. وفي بيانين منفصلين، اتهم «حزب الله» وزعيم تحالف 14 آذار سعد الحريري إسرائيل بارتكاب التفجير الذي وقع في 9 تموز (يوليو)».

انقسامات
يتابع التقرير: «وفقاً لزعيم حركة «أمل» ورئيس البرلمان الدائم نبيه بري، استند خروج «التيار الوطني الحر» في 10 تموز (يوليو) من قوى 8 آذار على «أسباب محلية»، وليس على «مقاومة» «حزب الله» ضد إسرائيل – تلك المقاومة التي لا تزال تدعمها الحركة. وعلى رغم أن «التيار الوطني الحر» منحاز سياسياً الى قوى 8 آذار منذ عام 2006، عندما وقّع عون مذكرة تفاهم مع «حزب الله»، إلا أن التيار شهد سلسلة من الخلافات العلنية جداً مع الميليشيا خلال الأشهر الأخيرة. وعلى وجه التحديد، عارض عون دعوة «حزب الله» الى تمديد فترة ولاية البرلمان ثمانية عشر شهراً، وكذلك تمديد فترة ولاية قائد القوات المسلحة اللبنانية العماد جان قهوجي، الذي من المقرر أن يتقاعد قريباً. وبدلاً من ذلك، سعى عون بصورة حثيثة نحو الوصول إلى اتفاق لا يمكن تحقيقه بشأن قانون انتخابي جديد وإجراء انتخابات جديدة، إضافة إلى طلبه أن تتم تسمية صهره رئيس قيادة القوات الخاصة في «القوات المسلحة اللبنانية» شامل روكز، قائداً للجيش. وعارض عون تمديد فترة ولاية البرلمان لأنه مكلّف بمهمة انتخاب رئيس لبنان القادم سنة 2014، ووفقاً للتشكيل الراهن للسلطة التشريعية، ستكون له فرصة ضئيلة بالفوز بذلك المنصب. وفي الوقت نفسه، إذا بقي قهوجي قائداً للجيش اللبناني، تشير السوابق إلى أنه سيظهر بسرعة المرشح الأوفر حظاً للفوز بمنصب الرئاسة.
ويبدو أن عون و«حزب الله» مختلفان بشأن الحكومة التي يشكلها راهناً رئيس الوزراء (المكلف) تمام سلام. وحتى وقت قريب، كان سيتم توزيع المناصب في مجلس الوزراء المكون من أربعة وعشرين عضواً بالتساوي بين تحالف 14 وقوى 8 آذار ووزراء يختارهم رئيس الوزراء والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. وبموجب صيغة معقدة مقترحة، ستحصل قوى 8 آذار الشيعية على 5 حقائب وزارية بينما يحصل «التيار الوطني الحر» والمسيحيون الأرمن في الكتلة على ثلاثة مقاعد وزارية فقط. وكان عون، على ما يبدو، يدفع الى حصول «التيار الوطني الحر» على خمسة مقاعد من الإثني عشر مقعداً المخصصة كلياً للمسيحيين في مجلس الوزراء. وبما أن «التيار الوطني الحر» قد انفسخ الآن (عن قوى 8 آذار)، فإن معالم الحكومة الجديدة أصبح يكتنفها المزيد من الغموض. وكان تحالف 14 آذار بالفعل غير متأكد من الموافقة على الجلوس مع «حزب الله» في مجلس الوزراء خوفاً من تنفير مؤيديه من السنة. وأياً كانت النتيجة، يكاد يكون من المؤكد أن الحكومة الجديدة ستكون أقل فاعلية وحسماً من سالفتها الموقتة المحتضرة».

التداعيات
يضيف التقرير: «في حين ان الخلافات بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» واضحة، إلا أن خطة عون بالخروج من قوى 8 آذار – على افتراض أن ذلك كان خياره – يصعب فهمها. في بيروت، يقول البعض إن ثمة من كان يضغط على عون كجزء من الجهود العربية الرامية إلى تقويض نظام الأسد (…). في كل الأحوال، يبقى استمرار عون بمفرده أمراً محيراً، إذ من غير المحتمل بعد الآن أن يساند تحالف 14 آذار ترشيحه للرئاسة أكثر من ذي قبل، أو حتى السماح له بالاحتفاظ بسيطرته على المناصب الرئيسية مثل وزارة الطاقة. وهناك احتمال، على رغم انه من غير المرجح وقوعه، يقول انه ربما يؤمِّن رهاناته محاولاً وضع مسيحيي لبنان في موقع أفضل، حال تحقيق نصر نهائي للسنة في سوريا. أو ربما يأمل السياسي البالغ من العمر ثمانين عاماً في حصول انفراج مع تحالف 14 آذار، لكي يقوم بمحاولة أخيرة للوصول إلى رئاسة الجمهورية».
ويرى التقرير ان «خسارة عون، بالنسبة الى «حزب الله»، مشكلة يصعب حلها (…)، وحزب عون كان لا يزال الوجه المسيحي لقوى 8 آذار. ومن دونه يعود «حزب الله» وحركة «أمل» إلى كتلة شيعية ضيقة في وقت يتصاعد النزاع الطائفي المتعلق بسوريا داخل الأراضي اللبنانية. لكن بالنظر إلى تدهور المكانة الإقليمية لـ «حزب الله»، والتزامه العنيد بتأييد الأسد، وموقفه العسكري المهيمن في لبنان، ربما ترى هذه الميليشيا أنها لم تعد في حاجة إلى التغطية المسيحية من عون، لا سيما إذا أصبح قهوجي المرشح الأوفر حظاً للوصول إلى الرئاسة من خلال اتباعه فلسفة أكثر ودية. كذلك من المرجح أن تشير حسابات «حزب الله» إلى أنه إذا فاز الأسد ستزداد تطلعات الحزب، ولكن إذا انتصر الثوار سيميل عون وغيره من المسيحيين اللبنانيين إلى المضي في حلف الأقليات مع الشيعة ضد السنة».
ويشير الى ان «تبعات انشقاق عون على المدى الطويل ما زالت غير واضحة حتى الآن. وإذا كانت السياسة اللبنانية فاعلة، سيمثل رحيله من قوى 8 آذار هزة حقيقية لآليات الحركة البرلمانية الراكدة. مع ذلك، نظراً الى الفترة المحدودة لولاية الحكومة الجديدة، فقد لا يكون للتغيير أثر يذكر أو أي أثر على الإطلاق، إلا إذا حدث تحول غير محتمل من «التيار الوطني الحر» في اتجاه تحالف 14 آذار».
ويخلص التقرير الى ان «هجوم الضاحية (انفجار السيارة المفخخة)، يمثل بداية النهاية لإفلات «حزب الله» من العقاب (…). وخلال اعوام عدة، ظلت الميليشيا تخيف الأعداء السياسيين وتهاجمهم بشكل دوري بمن فيهم السنة. مع ذلك، رفعت الانتفاضة السورية سقف طموح المعارضة الداخلية لـ «حزب الله» في الوقت الذي يبدو أن الحزب يفقد حلفاء سياسيين، ومن المرجح أن يشهد لبنان عنفاً طائفياً متزايداً نتيجة لذلك (…)».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق