سياسة عربية

ليبيا ما بعد القذافي… ماذا فعلتم بها؟!

اطاح الليبيون على مدى عام من الاقتتال في صراعهم على السلطة اركان الدولة وقسموها الى سلطتين عاجزتين

اطاح الليبيون على مدى عام من الاقتتال في صراعهم على السلطة، اركان الدولة التي عملوا على تأسيسها منذ اسقاطهم نظام معمر القذافي في 2011، فدمروا معظم مؤسساتها، واوقفوا عجلة اقتصادها، وقسموها الى سلطتين عاجزتين عن الانتصار كل على الاخرى.

والى جانب الاف القتلى من الليبيين الذين حاربوا معاً قبل اربع سنوات نظاماً ديكتاتورياً، والفوضى على مختلف المستويات، والانعزال عن العالم الخارجي، حولت الحرب احد اغنى دول العالم بالنفط الى محطة استقطاب للمتشددين في شمال افريقيا، على ابواب اوروبا.
ويقول مايكل نايبي-اوسكوي الخبير في شؤون الشرق الاوسط في مؤسسة ستراتفور الاستشارية الامنية الاميركية لوكالة فرانس برس ان «اكبر مآسي (الاقتتال)، الى جانب الخسائر في الارواح، السقوط شبه الكامل لمؤسسات الدولة، والذي خلف تحديات كثيرة، احدها التطرف».
ويضيف «ليس تنظيم الدولة الاسلامية من قوض سلطة المجلس الانتقالي، او المؤتمر الوطني العام، او مجلس النواب، بل انها الوجوه والاطراف المعارضة داخل هذه المؤسسات (…) التي قامت باستنزاف وتحدي سلطة الحكومات الانتقالية (…) اكثر من اي تنظيم جهادي».

انقسام مدمر
وفي اب (اغسطس) 2014، اطاحت عشرات الجماعات المسلحة التي احتفظت باسلحتها عقب اسقاطها نظام معمر القذافي، السلطة المركزية في هذا البلد القائم تاريخياً على توازنات قبلية وجغرافية هشة، بعدما انقسمت بين تحالفين مسلحين يتنازعان على السلطة والشرعية.
وادخلت هذه الجماعات ليبيا في اتون حرب يخوضها طرفان رئيسيان: حكومة وبرلمان يعترف بهما المجتمع الدولي وتسيطر قواتهما على معظم مناطق الشرق، وحكومة وبرلمان موازيان يحكمان العاصمة وغالبية مناطق الغرب بمساندة تحالف مسلح تحت مسمى «فجر ليبيا».
ويرى باتريك سكينر المحلل في مجموعة سوفان الاستشارية الامنية ومقرها نيويورك انه «بعد عام من سيطرة تحالف (فجر ليبيا) على طرابلس، تبقى البلاد منقسمة، ليس فقط بين حكومتين، بل بين قبائلها ايضاً، وحتى المجموعات الارهابية فيها».
ويضيف «ليبيا تعيش اخطر مراحلها منذ سقوط نظام (معمر) القذافي».
وعلى مدى سنة من المعارك، والغارات الجوية المتبادلة، والتفجيرات، قتل بحسب موقع «ليبيا بادي كاونت» المستقل اكثر من 3700 شخص، سقط معظمهم في مدينة بنغازي (حوالى الف كلم شرق طرابلس) مهد ثورة العام 2011 وثاني اكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان.

الاقتصاد الليبي نحو «الانهيار التام»

في موازاة ذلك، يدفع استمرار الحرب الاقتصاد الليبي نحو «الانهيار التام»، بحسب ما يحذر مسؤولون في المصرف المركزي، المؤسسة الحكومية الوحيدة التي بقيت بعيدة عن التجاذبات، الى حد ما، والتي تقوم مهمتها حاليا على جمع اموال النفط ودفع مرتبات موظفي الحكومتين.
وانخفضت صادرات النفط الى اكثر من النصف بفعل الاقتتال، وتوقفت المشاريع الاستثمارية، واغلقت عشرات الفنادق والمطاعم ابوابها، وتراجع مستوى الخدمات وبينها الكهرباء، وتوقفت معظم المؤسسات الحكومية عن تأدية عملها في ظل غياب سلطة مركزية واضحة.
وارتفعت معدلات الفساد بفعل انعدام الرقابة الفعلية والشفافية، حتى باتت تحتل ليبيا حالياً المرتبة العاشرة على سلم اكثر دول العالم فساداً، وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية.
وقال مسؤول في المصرف المركزي الليبي لفرانس برس «ليبيا لديها مشاكل اقتصادية كبيرة جداً (…) اذ تتوجب عليها التزامات خارجية نتيجة العقود التي ارتبطت بها، وبينها عقود في البنية التحتية تتجاوز قيمتها المئة مليار دينار ليبي» (حوالي 72 مليار دولار).
وحذر «اذا استمرت النزاعات والتجاذبات والاقتتال وعدم عودة الانتاج النفطي حتى الى عتبة 50 في المئة كما كان عليه (نحو مليون و600 الف برميل يومياً)، فنحن بام اعيننا نشاهد الاقتصاد الليبي يسير الى الهاوية».

ارض خصبة للتطرف

ووفرت الفوضى التي تعم ليبيا امنياً، واقتصادياً، وحتى اجتماعياً بفعل عمليات النزوح من مناطق القتال وهجرة مئات الالاف الى الخارج، ارضاً خصبة للتطرف، حيث باتت محطة استقطاب لجماعات متطرفة، ومركز تدريب لمتشددين يتحضرون لشن هجمات في دول اخرى.
ويسيطر تنظيم الدولة الاسلامية حاليا على كامل مدينة سرت الساحلية (حوالي 450 كلم شرق طرابلس)، «عاصمته» في شمال افريقيا، التي تملك مطاراً وميناء يطل على البحر الابيض المتوسط، في موقع لا يبعد سوى 350 كلم عن السواحل الاوروبية.
ومع دخول التطرف الى ليبيا، غادرها عشرات الناشطين والصحافيين الذي تعرضوا للملاحقة والسجن، خصوصاً بعد مقتل زملاء لهم.
وتقول موظفة تعمل في مصرف ليبي منذ ثلاثين سنة «بهذه الطريقة حكم القذافي لعقود: انعدام العدالة، والقمع، والفوضى».
وبينما تبدو كل من السلطتين بعيدة عن الانتصار في معركة السيطرة على مقاليد الحكم، فانهما تخوضان منذ اشهر حواراً ترعاه الامم المتحدة ويهدف الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، يشكك خبراء في امكانية ان تضع البلاد فوراً على سكة الحل حيث ان ليس كل الجماعات المسلحة على الارض ترتبط بالضرورة بهاتين السلطتين.

العودة الى ليبيا موحدة
ويرى مايكل نايبي-اوسكوي انه «من دون وجود حكومة واحدة تلقى دعم جيش مسلح وقوي، فان العودة الى ليبيا موحدة كما كانت عليه في ظل حكم القذافي من المستبعد ان تتحقق من خلال المفاوضات والاطر السياسية وحدها».
ويوضح «طالما ان الميليشيات والقبائل اكثر تسليحاً من اية حكومة مركزية» مستقبلية، فان الحكومتين الحاليتين ستبقيان في مكانهما «تقدمان الاقتراحات، ولا تمارسان اية سياسة فعلية».
ومنذ بدء الاقتتال على السلطة قبل عام، تزخر شوارع المدن الليبية باللافتات التى تحمل صور اشخاص قتلوا في الثورة، او في احد الاحداث الامنية التي تلتها في السنوات الاربع الاخيرة.
وكتب على لافتة في وسط طرابلس فوق صور شاب قتل في سنة 2011 «تركنا لكم ليبيا حرة، فماذا فعلتم بها».

أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق