رئيسيملف

مليون سوري يعملون في لبنان… ماذا بقي للبناني؟

كان المطلوب أن يدق أحد ما ناقوس الخطر، فالنازحون السوريون ما عادوا مجرد أزمة انسانية واجتماعية انما أيضاً والأهم اصبحوا مشكلة اقتصادية تهدد أهل البلد الأصليين بالبطالة والنزوح قسراً من وطنهم. فرقم المليون و200 ألف نازح ليس مزحة، لا على الصعيد الاجتماعي ولا الانساني ولا الصحي، فكيف بالحري اذا قرر هذا العدد أن يعيش ويأكل لقمة عيشه من عرق جبينه – وهذا حقه الطبيعي – لكن على حساب العامل والحرفي وحتى الموظف اللبناني؟! الصرخة وصلت الى ابواب السرايا وحركت الوزراء المعنيين في حكومة تصريف الأعمال. والقرار المبدئي الذي اتخذ ليس الا مجرد بيان رسمي من باب رفع العتب والمسؤولية. ولا شيء ينقص هذا الواقع الا تسجيل واحد لمؤسسة تجارية سورية وفق الشروط المطلوبة وضمن المهلة المحددة حتى 15 آب (اغسطس) الجاري. فالى الموعد – الحلم.

من هم في موقع المسؤولية، يشكون ويئنون من الأعباء التي فرضت عليهم نتيجة النزوح السوري من دون سابق انذار. يقولون أن ليس في اليد حيلة والعنوان الإنساني يطغى على باقي العناوين. لكن الأمور تجاوزت الخط الأحمر. صدقوا! وإلا كيف نفسّر اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، للبحث في مخاطر قضية النازحين السوريين الذين بلغ عددهم في لبنان مليوناً و200 ألف نازح، مع توقّع ارتفاع هذا العدد الى المليونين ليوازي بذلك نصف عدد سكان لبنان؟! واللافت في خلفية الإنذار، التركيز على المخاطر الأخرى التي بدأت تظهر الى العلن وهي المضاربة السورية للمؤسسات التجارية في البقاع والشمال حيث بلغ عدد المؤسسات السورية القائمة من دون ترخيص 377 مؤسسة.
الخطوة الأولى التي طرحت على طاولة الحلول تمثلت في إعطاء أصحاب المؤسسات مهلة أقصاها 15 آب (اغسطس) لتسوية اوضاعها وتأمين شروط التراخيص المطلوبة، والا يصار الى اقفالها عند انتهاء المدة المحددة. هنا كان لا بد من التوقف والتشكيك بالإجراءات التي ستطبق، فهل يكون قرار إقفالها جدياً، أم أنه أقرّ من باب رفع العتب والتهويل؟ وإذا سلمنا بجدية الخطوة، فهل ستطبق على كل المحال أم يكون الإستثناء هو الحكم،إنطلاقاً من التمييز بين موال للنظام السوري ومعارض له؟


حصراً بالبقاع
وزير الشؤون الإجتماعية وائل ابو فاعور اعلن عن بدء فرق وزارة الاقتصاد ووزارة الداخلية والمحافظين ورؤساء البلديات بازالة التعديات للحد من «المنافسة الاقتصادية غير المشروعة»، وامهال أصحاب المؤسسات حتى منتصف آب (اغسطس) الجاري لتسوية اوضاعهم، على ان يصار إلى إقفال «اي مؤسسة تفتح مستقبلاً من دون أن تحصل على التراخيص اللازمة، ويستعان بقوى الامن الداخلي عند الضرورة.

 حصر القرار بمنطقة البقاع ليس صدفة. فأعداد النازحين الذين يدخلون مناطق السهل تعد بالمئات يومياً مما بات يشكل أعباء إجتماعية وإقتصادية وصحية لا طاقة للسلطات المحلية على تحملها. وما ساهم في تفاقم المشكلة تشريع الحدود، مما أعطى حافزاً شرعياً لتدفق النازحين وغالبيتهم من الطبقة الإقتصادية الفقيرة وممن يحتاجون إلى العمل بأي أجر كان. هذا المشهد دفع بأحد المحللين إلى وصف هذا الواقع بالأخطر الذي يواجه لبنان في اقتصاده وأمنه منذ نكبة العام 1948، من دون انكار الجانب الانساني المأساوي الذي يعيشه هؤلاء النازحون، والاعتراف بحجم الضغط الاجتماعي والاقتصادي الهائل في مختلف نواحي الحياة.
وط
بعاً الإعتراف بوجود مشكلة على خلفية النزوح السوري لا يعني أننا عنصريون أو أننا ما عدنا بلد الضيافة والكرم. وإذا كانت الحدود بين لبنان وسوريا مشرعة امام تدفق النازحين وتهريب السلاح والمجموعات الإرهابية، إنما لصبر اللبنانيين على تحمل المستجدات حدود. فالكلام عن  وصول أعداد النازحين المسجلين إلى مليون ونصف بين مسجلين وغير مسجلين يؤكد أن لا القوى الأمنية ولا قدرات اللبنانيين قابلة لاستيعاب هذا الإنفلاش وتأثيراته. في وقت كان المطلوب حصر النزوح بعدد محدد بالتنسيق مع حكومات الدول العربية، بحيث يراعى وضع لبنان الاجتماعي والاقتصادي والديمغرافي والامني.

قرار جريصاتي فاقم السوء سوءاً
ومما زاد الوضع سوءاً صدور قرار عن وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، بتاريخ 3 شباط (فبراير) 2013، قضى بالسماح للعمال السوريين في مزاولة مهن كانت محصورة فقط باللبنانيين لدواع إنسانية، مما ضاعف من مشكلات اللبنانيين في سوق العمل. وتبين لاحقاً أن المهن التي أفسح عنها جريصاتي كان يزاولها السوريون ومن دون قرار وزير و«من دون جميلتو». لكن المشكلة تفاقمت اليوم بسبب تزايد اعداد السوريين، وبات يمكن لمطلق صاحب أي شركة أو مؤسسة استخدام العمال السوريين بأجر أقل من اجر العامل اللبناني وعلى حساب كفاءة وأحقية اللبناني في الوظيفة.
المهن التي اجتاحها النازحون السوريون تشمل كل القطاعات: أمين صندوق، محاسب، سكرتيرة، أمين محفوظات، مندوب تجاري، مندوب تسويق، سائق أجرة سائق خاص… أما المهن التي كانت محصورة تقريباً بالعمالة السورية ولا تزال، فهي: أعمال الدهان، الميكانيك والصيانة، تركيب زجاج، طاه أو شيف مطعم، حلاقة، حاجب (الناطور أو الحارس)، أعمال التبليط والتوريق، والخياطة، وأعمال الحدادة والتنجيد، الأعمال الإلكترونية، ومراقب أشغال، وبائع في محل، وأمين مستودع، وعامل في التمديدات الكهربائية… ماذا بقي من حصة للبنانيين؟ تقريباً لا شيء.
 في اختصار هم في كل مكان، في المحال، والمطاعم، والمخازن، والمتاجر، والحقول، وحتى الشركات الكبرى والمستشفيات والصيدليات. حتى على الأرصفة والطرقات هم موجودون في انتظار فرصة عمل، آتية لا محال. كيف لا وأجرة اليد العاملة السورية أقل بمعدل النصف من اجرة اليد العاملة اللبنانية. ولا ضمان يلزم صاحب العمل بالتعويض على العامل السوري الذي يتحكم بساعات عمله من دون قيد او شرط قانوني.

هذا الواقع الإجتماعي الذي هبط على اللبنانيين عمالاً وموظفين، وضعهم أمام خيارين: إما القبول بشروط العمل المذلة التي بات يتحكم فيها أصحاب العمل، أو الإستقالة بعد توجيه إنذار قد يكون شفهياً، لا فرق. فالنتيجة واحدة. اللبناني خارج المؤسسة، والسوري مرحب به. وهذا طبيعي كونه يبحث عن فرصة تمكنه من تأمين لقمة عيشه، وإن بالحد الأدنى، وبأي أجر يُعرض عليه. هذا عدا عن  المنافسة الحادة التي استجدت من قبل السوريين في ما يتعلق بالأجور والمهن الحرفية.
إذا أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها يتبين أن السوريين يعملون في مهن يمتنع اللبنانيون عنها، أو كانوا كذلك بعدما باتت فرص العمل بالقطارة، لا سيما في أعمال  البناء والتنظيفات والزراعة والميكانيك وغيرها من المهن التي كان يفتش عنها اللبناني ولا يجدها إلا في يد العامل السوري. لكن بعد النزوح تطور الوضع ليصل إلى درجة قبول السوريين في مهن ووظائف كانت حكراً على اللبنانيين، منها موظف الصندوق في السوبر ماركت  أو نادل في مطاعم ومقاه راقية، أو موظف (ة) في محال ألبسة واكسسوارات ومصانع ومستشفيات وصيدليات. حتى الجامعيون منهم باتوا يقبلون العمل وبأجر أقل وبشروط قاسية ليتقوا شر العوز والفقر.

انتشار المؤسسات السورية على حساب اللبنانية
واكثر من ذلك، اتجه بعض السوريين ممن جلبوا معهم مدخراتهم إلى افتتاح محال خاصة بهم. وبات  مشهد المطاعم الصغيرة والشعبية لبيع الفول أو الشاورما أو حتى الكرواسان السورية شبه طبيعي في المناطق، إضافة إلى محال الألبسة والعطورات الصغيرة، مما فتح باب المنافسة مع المحال اللبنانية المماثلة نظراً إلى ركود الأوضاع وانعدام الحركة، فكيف مع وجود منافسة وبأسعار أقل أحياناً؟!
مصادر نقابية استغربت حصر مشكلة مزاحمة عمالة النزوح السوري في منطقة البقاع والشمال «هم ينتشرون في كل مكان وهذه المنافسة الخانقة للبنانيين في مناطق بقاعية تكاد تكون واحدة في مناطق عدة، علماً بأن العائلات السورية تتقاضى من الهيئة العليا للاغاثة مبلغ مائتي الف ليرة لبنانية عن كل فرد كمساعدة، وتتولى جمعيات اهلية وحزبية تقديم مساعدات غذائية دورية تخفف من معاناتهم. وبالتالي فان المخصصات التي ينالها المواطن السوري من الهيئات المانحة يعتبر راتباً ثابتاً يضاف الى قوة عمله في السوق اللبنانية وبالتالي تحقيق حالة معيشية مقبولة ومتميزة حتى عن فئات لبنانية عديدة». ويضيف المصدر: «حذرنا أكثر من مرة من تفاقم مشكلة عمالة النزوح السوري وطالبنا السياسيين بفصل الأزمة المستجدة على خلفية النزوح عن السياسة وإبعادها عن المفاصل والزواريب بحيث يتم التعامل مع كل السوريين بشكل متساو، لا سيما في مناطق الجنوب والشمال والبقاع».
وفسر أسباب الصرخة التي ارتفعت بتفشي ظاهرة احتلال النازحين السوريين مناصب مهنية ووظائف خاصة باللبنانيين معتبراً ان القرار الصادر عن المجلس الأعلى للدفاع لجهة إعطاء مهلة حتى 15 آب (اغسطس) لتسوية اوضاع المحال غير المرخصة ليس إلا من باب رفع العتب لأن الحسابات الضيقة ستدخل على الخط. ومن يجرؤ بعدها على كسر قرار هذا الزعيم أو ذاك؟ إنطلاقاً من ذلك اعتبر أن الحل يكمن أولاً في تطبيق الشروط القانونية على النازحين السوريين، منها عدم السماح لأي منهم في العمل إذا لم يكن يحمل إجازة عمل والعودة إلى القانون الذي حدد المهن الممنوعة على أي من العمال الأجانب وعددها 52 مهنة.

مسكن ومتجر
ونصل إلى دور البلديات والمحافظين حيث يؤكد رئيس نقابة عمال جبل لبنان مارون الخولي انه «لا يجوز السماح لأي نازح سوري بفتح محال إذا لم يكن يحمل إجازة عمل، بعدها نتكلم بالتراخيص». يذكر أن ظاهرة استئجار السوريين المحال التجارية تنتشر في البقاع وتحديداً في محلة المعلقة في زحلة وطرابلس وعكار والجنوب. ويعمد النازحون الى تخصيص جزء من المحل للسكن مع العائلة. وبذلك يستفيد من عقد الإيجار الذي لا يتجاوز احياناً مبلغ الـ 300 دولار للمضاربة على مهنة جاره اللبناني والسكن مع أفراد العائلة وربما مع عائلة نازحة أخرى!
على مستوى الدولة رأى الخولي ان الحل ممكن لكن ليس بالطريقة التي تدار بها الأمور، فالمطلوب أولاً كودرة العمال السوريين واحصاء عددهم بشكل رسمي ودقيق والسير بقوانين العمل الموجودة من دون الحاجة الى وضع او سن قوانين جديدة.
 


حبيقة: المشكلة العمالة غير المنظمة
أزمة جديدة تضاف إلى أزمات البلد المركزية واللا مركزية؟ لكن ثمة من يرى أن في الأمر مبالغة إن في ارقام النازحين أو في مسألة مزاحمتهم للمهن ولأصحابها اللبنانيين. الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة من هذه الفئة التي تقرأ الأمور على قاعدة الأرقام غير الدقيقة، «اللبناني بطبعه معتاد على التذمر، لكن علينا ان ننظر إلى المدى البعيد. ماذا لو انتهت الأزمة في سوريا وفتحت الجبهة في لبنان. ماذا سيحل بالنازحين اللبنانيين في سوريا؟ هل يقبلون بأن يعاملوا كما يتم التعامل مع النازحين السوريين؟» لكن اللبنانيين عاشوا التهجير والنزوح ولم يتطاولوا مرة على حقوق ومصالح ضيفهم السوري أو غيره. أكثر من ذلك من قال إن اللبناني لا يتلمس الوضع الإنساني أو أنه ألغى صفة الشعب المضياف لكن المشكلة أن يكون ذلك على حسابه وحساب لقمة عيش أولاده؟


بالنسبة إلى الدكتور حبيقة هناك مشكلة عمالة غير منظمة وليست عمالة النازحين: «أنا اصر على ذلك لأن السوري يحتل المهن الحرفية التي يرفضها العامل اللبناني مثل التبليط والميكانيك والعتالة والتنظيفات»… نسأل عن دخول النازح السوري على خط الوظائف التي كانت حكراً على اللبنانيين مثل التمريض، المستشفيات، او نادل في مطعم بدلاً من الشباب الجامعي الذي كان ينتظر موسم الصيف ليعمل في المطاعم ومقاهي الأرصفة لجمع مبلغ يساعده على دفع جزء من قسطه الجامعي، أو مساعد صيدلي؟ فيجيب: «ربما هناك شيء من كل هذا. لكن حتماً السوري موجود حيث هناك مكان شاغر في العمل، سواء كان ذلك في السوبر ماركت أو المستشفى أو الصيدلية أو المطعم. وقد يكون هناك تجنٍ على بعض العمال والموظفين اللبنانيين الذين يتم صرفهم واستبدالهم بعمال سوريين لأن اجرهم اقل لكن لا يمكن تعميم هذه الظاهرة».
وكحل ارتأى حبيقة أن يصار إلى تسجيل النازحين أسماءهم والمهن التي يعملون فيها ليصار إلى توزيعهم على المناطق. وختم حبيقة: «هناك موضوع عمالة وليس أزمة احتلال النازحين للمهن اللبنانية. ويجب وضع المشكلة في إطارها واستثمارها لصالحنا بدلاً من التذمر على المستوى الشعبي. أما على المستوى الرسمي فالظاهر أن الإسطوانة تدور على كل المواضيع إلا الحياتية والمعيشية».


قد تختلف الآراء في شأن مزاحمة عمالة النازحين السوريين للعمالة اللبنانية. لكن ما لا يقبل الجدل أن هناك أزمة، وقد تصل إلى مرحلة نزوح اللبناني بعد دخوله مرحلة البطالة. وتشير التقارير إلى أن نسبة البطالة في لبنان وصلت إلى 60 في المئة بعدما كانت لا تتجاوز نسبتها الـ 35 في المئة في العام 2011، مما يحتم طلب المساعدة إما من مفوضية الأمم المتحدة أو عبر إنشاء صندوق بطالة لمساعدة اللبنانيين أنفسهم لأن القدرة على منافسة العمالة السورية أثبتت عجزها، خصوصاً أن غالبية النازحين من الفئة العمرية الشبابية. فهل يكون «الوضع الإنساني» سبباً إضافياً للبطالة المستجدة في صفوف العمالة اللبنانية على خلفية عمالة النزوح السوري؟.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق