موسم التزلج 2014… «الكارثة» من فاريا الى الارز!

بيئياً لا يختلف عاقلان على ان تغيراً ما حصل في المناخ. قد يكون هناك اختلاف في الرأي بين خبراء الطقس، لكن بالنسبة إلى العقلاء والمسنين الذين اختبروا طقس لبنان على مدى اجيال الجواب واضح: هي سنة عجاف.
سياحياً لا مجال للتباكي على موسم السياحة الشتوية طالما أن الصيفية لم تقلع بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان. لكن ماذا عن اصحاب المنتجعات السياحية في الأرز وفاريا وعيون السيمان بعدما وعدهم خبراء الطقس والمنجمون بأن شتاء الـ 2014 سيكون الأقسى والأكثر برودة وامطاراً وثلجاً منذ 100عام؟ فكانت النتيجة أمطاراً خجولة وقشرة ثلج. إنتهى الموسم. فماذا عن شتوية 2015؟
وأمطرت ذات آذار. اللبنانيون هللوا. وهذا حقهم بعدما تحول شتاؤهم إلى ربيع دائم وأحيانا إلى صيف في عز كانون. لكن في علم الأرصاد لا يمكن أن نتأمل خيراً من أمطار آذار (مارس) لا على المستوى السياحي ولا حتى على مستوى الإنفراج في كميات المياه. فالثلوج التي تأتي متأخرة في شهر آذار (مارس) تواجه برياح خمسينية على ما يقول رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال افرام. لكن ما يعزي بحسب تحليله أنها مفيدة للقطاع الزراعي وكل ما يعنى بالثروة النباتية البرية، خصوصاً بعد الحرائق التي حصلت في موسم الشتاء، وهذه ايضاً شكلت ظاهرة، نتيجة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
نفهم من ذلك أننا لن نحرم من تناول الخيار والبندورة في مواسمها؟ وأن اسعارها ستتدنى عن سلم الـ 5000 و6000 ليرة للكيلو الواحد؟ لا تتفاءلوا كثيراً لأن الأسعار التي ترتفع في لبنان يصعب تخفيضها إلا إذا حصل ما ليس في الحسبان.
نعود إلى المشكلة الأساس. المياه. تدفق أو لا تدفق في الينابيع؟ ميشال افرام يقول أن أمطار آذار (مارس) ونيسان (ابريل) لا تعالج مشكلة النقص في المياه والتصحر الذي سبق وتكلم عنه بحيث سيبقى المجموع العام أقل بكثير من المعدل السنوي المطلوب. لكن لو لم تتساقط الأمطار في آذار (مارس) لكانت حصلت كارثة. أما بالنسبة إلى أمطار نيسان (ابريل) فهي ايضاً لا تفي بالمطلوب على مستوى تراكم الثلوج لأن الأرض تكون دافئة اضافة الى انها تؤدي الى امراض فطرية.
الفنادق… خسائر طائلة
لا امطار ولا ثلج مما يعني أن موسم التزلج انتهى قبل أن يبدأ هذه السنة. والخسائر التي لحقت بأصحاب الفنادق كبرت بتدحرج كرة الثلج.
نقيب أصحاب الفنادق بيار الاشقر لم يخف سوداويته في كلامه عن البساط الأبيض، وهذا امر طبيعي في ظل الأرقام التي يتكلم عنها: «فنسبة الإشغال الفندقي في المناطق الجبلية لم تتعد الـ 20 في المئة، في حين كانت تصل في شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) إلى 90 في المئة، وقد تتخطاها احياناً لتصل إلى 100 في المئة، لا سيما في شهر شباط (فبراير) الذي يصادف شهر العطلة السنوية في عدد من الدول العربية. أضف إلى ذلك أن السياحة كانت معدومة هذه السنة، بحيث لم نلمح طيف سائح خليجي او عربي. اما الأجانب فروزنامتهم السياحية تحولت منذ نحو 3 أعوام عن لبنان. ونادراً ما نصادف مجموعة سياح أجانب، إلا إذا كان هدف الزيارة لحضور مؤتمر علمي أو بهدف العمل.
مراكز التزلج: كارثة
حال أصحاب مراكز التزلج ليست أقل سوداوية. وأحدهم الذي يملك محطة تزلج في كفرذبيان يصف الوضع بـ «الكارثي»، مؤكداً أن الكارثة شملت كل المناطق الجبلية بدءاً من فاريا وصولاً إلى الأرز. وهي توسعت حكماً لتشمل كل المحال التجارية من بائع المناقيش إلى مؤجري السلاسل المعدنية، وصولاً إلى مؤجري ألبسة التزلج والمعدات المخصصة لهذه الرياضة.
في اختصار «الوضع مأساوي»، ووفق ما يؤكده أصحاب تلك المراكز، لم يمر عليهم مشهد مماثل منذ 40 عاماً. ويروي صاحب فندق “ALPINE” في منطقة الأرز إيلي رحمة: «قبيل بدء الموسم استوردنا بضائع بملايين الدولارات من مشروبات ومواد غذائية ومازوت، وكنا ننتظر شتاء قاسياً إستناداً إلى توقعات خبراء الطقس، فجاءت النتيجة عكس ذلك تماماً، وكانت النكبة في انحسار الأمطار والثلوج. ومما زاد الوضع سؤاً ارتدادات الوضع الأمني والسياسي ،بحيث لم نشاهد سائحاً عربياً طوال الموسم. حتى اللبنانيين المغتربين الذين كنا نعول عليهم في موسم التزلج ولبنانيي الداخل لم يأتوا هذه السنة بسبب عدم تساقط الثلوج. أما الكميات التي تساقطت خلال هذا الشهر فلم تسمح بفتح بيستات التزلج».
الاقفال او رحلات على الـ ATV
نسأل عن الحل او مايسمى بالخطة «ب» في حال استمر الطقس على ما هو عليه هذه السنة؟
«الخطة «ب» هي الإقفال». جواب حاسم ونهائي يعطيه إيلي رحمة ومثله كثر من اصحاب المنتجعات والفنادق والمطاعم واصحاب مؤسسات تعنى بأدوات التزلج. ويضيف: «إذا لم يتساقط الثلج في السنة المقبلة مباشرة بعد عيدي الميلاد ورأس السنة فأنا مضطر لإقفال الفندق لأن الخسائر التي تكبدتها هذه السنة لا تعوض. فإذا كان هناك غرفتان محجوزتان أنا مضطر لتشغيل جهاز التدفئة في كل الفندق مما يعني خسارة مضاعفة. وأكد رحمة أنه لم يشهد على واقع مماثل منذ أكثر من 40 عاماً. ولم يسمع أحداً من أجداده الذين لم يغادروا يوما منطقة الأرز يتكلم عن سنة عجاف مماثلة».
غضب؟ كارثة؟ لا فرق المهم أن الكارثة وقعت رغم موجات البرد والصقيع الحاصل.
ننتقل إلى مسؤولية الدولة ودورها في معالجة أزمات مماثلة. يضحك رحمة ويؤكد ان الدولة غائبة كلياً عن دورها في تنشيط وإنقاذ موسم السياحة في لبنان، فكيف الحال بالنسبة إلى سياحة الشتاء؟ وكشف عن خطة يعدها بالتعاون مع وزارة التربية قوامها تنظيم رحلات لطلاب المدارس في فصل الشتاء، على غرار «مدارس الثلج» التي تقام في الخارج. «يمكن أن نستعيض عن رياضة التزلج برحلات منظمة للطلاب على دراجات الـ ATV، كما نؤمن دليلاً سياحياً للقيام برحلات إلى غابة الأرز ومغارة قاديشا. هذه المجموعات تحرك من دون شك الموسم وتعوض أصحاب الفنادق والمؤسسات والمطاعم عن الخسائر التي لحقت يمؤسساتهم من جراء عدم تساقط الثلوج.. أما بالنسبة إلى الأسعار فهي حتما مخفضة ومخصصة للطلاب».
ألغاء كل المباريات
قد تنجح محاولات الإنقاذ على المستوى الفردي وقد تحتاج الى المزيد من الوقت. لكن من ينقذ رياضة التزلج في لبنان التي صار لها إسم على خريطة الرياضات العالمية؟
شربل سلامة يتحدث وبمرارة بصفته رئيساً لإتحاد التزلج في لبنان: «على المستوى الداخلي ألغينا كل المباريات وحتى التدريبات التي كانت تحفز الرياضيين وتساعدهم على تجميع علامات تساعدهم على المشاركة في المباراة الدولية. أما على مستوى الخارج فقد توجهت البعثات التي كان يفترض أن تسافر للمشاركة في المباراة الدولية التي تقام بين شهري كانون الثاني (يناير) ونيسان (ابريل). وهي تشمل كل الفئات.
يروي بعض المسنين أنه قبل 60 عاماً شهد لبنان موسم شتاءً جافاً مماثلاً «لكن الوضع كان مختلفاً على ما يقول سلامة ويضيف، اليوم لم نعد نتكل حتى على المراصد الجوية التي توقعت مطلع هذه السنة ان يكون الشتاء قاسياً مع امطار غزيرة وثلوج تصل إلى الساحل. فكانت النتيجة امطاراً نادرة وبساطاً من الوحول». وأكد أن هناك كارثة ستحل بلبنان في حال جاء الموسم التالي على غرار هذه السنة، خصوصاً أن اغلبية أهالي الجبال تتكل على موسم الشتاء لتأجير منازلها، وكذلك الحال بالنسبة إلى أصحاب الأفران والمؤسسات السياحية. وتمنى على اصحاب البيستات الذين استثمروا الأرض من دون مقابل وجمعوا ثروات على مدى الأعوام الماضية من سياحة الشتاء ورياضة التزلج أن يعمدوا إلى استيراد آلات لضخ الثلج الإصطناعي، خصوصاً أن طقس لبنان البارد الذي بدأ يسيطر على لبنان في فصل الشتاء يساعد على ذلك. وأكد أن الكلفة تعوض في خلال سنتين لأنها مثمرة على الصعيدين السياحي والرياضي.
من فوق غالباً ما تبدو الصورة أكثر نقاوة. إلا في الجبال التي كان يفترض ان تكون مكسوة هذه السنة بالبساط الأبيض. الصورة صارت اكثر سوداوية وإن تحولت بيستات التزلج إلى ساحات لرياضةالـ “ATV” بدلاً من ان تعج بمتزلجين يتزحلقون عليها حتى… تنجلي.
نتحسر على هذه الأيام ونقول رزق الله؟ الوقت ما زال باكراً على نعي موسم الثلج في لبنان والإتكال على شتاء 2015.
جومانا نصر