سياسة لبنانية

«هجوم داعش» يسرّع معركة «جرود القاع»

كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أعلن في آخر خطاب له أن المرحلة الثالثة من «معارك القلمون» ستكون ضد «داعش» بعد الانتهاء من معركة جرود عرسال… وهذا الإعلان صدر عن السيد نصرالله مع وصول معركة جرود عرسال الى مراحلها المتقدمة والنهائية وسيطرة حزب الله على أكثر من ثلاثة أرباع الأراضي التي تحتلها «جبهة النصرة» في هذه الجرود وحصر مقاتليها في رقعة جغرافية ضيقة… وكان حزب الله ينتظر الانتهاء من معركة جرود عرسال وتفكيك ما تبقى من ألغامها لأن احتمال تسلل أو انسحاب مقاتلي «النصرة» الى عرسال ما زال قائما، ليتفرغ للمعركة في مقلب آخر من القلمون مع تنظيم «داعش» الذي ينتشر في منطقة تمتد من نقطة جوسيه الحدودية ومشاريع القاع مروراً بجرود القاع ورأس بعلبك، وصولاً الى جرود عرسال وخطوط التماس مع «النصرة» في خربة يونين ومعبر الزمراني. وتكتسب منطقة انتشار «داعش» أهمية مزدوجة: إنها نقطة مفتوحة على «القصير السورية»، وأنها قريبة من منطقة الهرمل التي تعد أحد معاقل حزب الله في البقاع الشمالي.
ما حصل أن تنظيم «داعش» لم ينتظر هجوم حزب الله ولم يترك له اختيار توقيت المعركة وامتلاك زمام المبادرة كما حصل مع «النصرة»، وإنما بادر الى تنفيذ هجوم استباقي ووقائي هدف من خلاله الى «إشغال حزب الله» وتشتيت قواه وتركيزه، بحيث يخف الضغط عن «النصرة» في جرود عرسال ويضطر حزب الله الى تأخير حملته على جرود القاع وإعادة النظر في خطته العسكرية فيما لو تمكن هجوم «داعش» من تحقيق أهدافه.
وما حصل أيضاً أن هجوم «داعش» المباغت أخفق في تحقيق أهدافه التي حددت في السيطرة على مواقع حزب الله المنتشرة في أقصى الشمال الشرقي لجرود بلدتي رأس بعلبك والقاع والمشرفة على معبر جوسيه جنوب مدينة القصير السورية… فقد دارت معارك عنيفة خسر في خلالها حزب الله ثمانية من مقاتليه فيما تكبدت «داعش» خسائر كبيرة بلغت أكثر من خمسين قتيلاً، وتمكن حزب الله من سحب 14 جثة منهم. وكان بين القتلى قادة ميدانيون وأحد أهم أمراء «داعش» في القلمون المعروف بـ «أبو الوليد السعودي» (إسمه وليد عبد المحسن العمري). مقاتلو «داعش» جاءوا في مجموعات من المشاة وعلى دراجات نارية وسيارات رباعية الدفع مزودين بأسلحة متوسطة وقاذفات صاروخية وقنابل يدوية… والمواجهات وصلت الى مسافة قريبة لا تتجاوز أحياناً الثلاثين متراً.
ولكن النتيجة الأبرز والمباشرة لهجوم «داعش» هي أنه أدى الى التعجيل في فتح معركة جرود القاع والى إطلاقها قبل موعدها. وهذه المعركة هي جزء من «معارك القلمون» وتندرج في إطار قرار استراتيجي اتخذه حزب الله لـ «تحرير وتطهير» كل المنطقة الحدودية اللبنانية – السورية الممتدة من نقطة جوسيه حتى نقطة المصنع. وهذه المعركة مفتوحة في المكان والزمان والحزب غير ملزم فيها بجدول زمني وغير مقيّد فيها بقرارات حكومية أو مواقف سياسية… هذه المعركة انطلقت ولن تتوقف حتى تحقيق أهدافها، والمرحلة الثالثة ضد «داعش» لن تكون أصعب من المرحلة السابقة ضد «النصرة» التي يتميّز مقاتلوها بأنهم أكثر عدداً وتنظيماً وتدريباً، ويتوافر لهم بيئة حاضنة في مخيمات عرسال، فيما لا تتوافر مثل هذه البيئة لـ «داعش» التي يتوافر لها في المقابل «خط انسحاب آمن» باتجاه الداخل السوري.
هذه معركة استراتيجية لـ «حزب الله» لا تندرج في إطار الدفاع عن النظام السوري وعن العاصمة دمشق، بقدر ما تندرج في إطار إقامة منطقة حدودية عازلة أو شريط حدودي آمن دفاعاً عن الأراضي والبلدات اللبنانية في البقاع الشمالي… من دون إغفال البعد الآخر المرتبط بتطورات الساحة السورية التي حوّلت الأنظار الى خط دمشق – حمص – اللاذقية وسلطت الضوء مجدداً على مثلث حمص – القصير -القلمون الذي يربط العاصمة بالساحل ويربط أيضاً المناطق العلوية في سوريا بالمناطق الشيعية في لبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق