رئيسيسياسة عربية

«شغب» سياسي مدمر يشغل لبنان

ماذا سيجري بين العيديْن، الأضحى والاستقلال؟ سؤال ضجّت به بيروت التي تتوالى فيها مهل تشكيل الحكومة الواحدة بعد الاخرى، بما يعكس حال الأفق المسدود في الداخل والتي تشكّل امتداداً لمناخ الانتظار «الغامض» في المنطقة؟

 فيما يشهد الملفان السوري «المشتعل» والايراني الذي «يغلي على البارد» مرحلة اختبار للتفاهم بين واشنطن وموسكو حول الكيميائي السوري ولـ «جس النبض» الاميركي – الايراني حيال «النووي»، بدت بيروت امام تمديد تلقائي لحال المراوحة ضمن المأزق وسط «حروب صغيرة» تدور بين مكوّنات حكومة تصريف الاعمال على أكثر من «جبهة»، وأخرى بين «حلفاء الأمس» في «ثورة الأرز».
وأبرز تعبير عن «وضعية الانتظار» في لبنان ما شهدته بيروت من ترويج لموعد جديد لولادة الحكومة، التي مضى على المساعي لتشكيلها اكثر من ستة اشهر، مع التوقعات التي تحدثت عن امكان تصاعد الدخان الابيض قبل عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وابدت اوساط سياسية في العاصمة اللبنانية ميلاً الى القول بأن الكلام عن «عيدية حكومية» قبل ذكرى الاستقلال لا يعدو كونه «مهلة حث» لأنه من المستبعد حصول متغيرات من شأنها الاسهام في الافراج عن الحكومة العتيدة.
ولفتت تلك الاوساط الى انه سبق ان حُددت مهل كثيرة كان آخرها توقع ولادة الحكومة قبل عيد الاضحى، الامر الذي لم يحصل نتيجة تمسك طرفي الصراع (8 و14 آذار) بشروطهما، ما حال دون تمكن الرئيس المكلف تمام سلام من اعلان حكومته.

استبعاد كسر المأزق
واستبعدت الدوائر المراقبة في بيروت كسر المأزق الحكومي في البلاد ما دامت المنطقة اسيرة السيناريوهات الغامضة، واضعة المعادلات الرقمية المطروحة للتوازنات داخل الحكومة التي لم يحن موعد ولادتها بعد، في سياق «اللعب داخل المأزق»، محذّرة من نيّة لدى اطراف سياسية في جعل هذا الواقع  يستمرّ حتى موعد الاستحقاق الرئاسي (مهلته الدستورية بين آذار – مارس وايار – مايو المقبلين)، من دون القدرة على انتخاب رئيس جديد ما يضع البلاد أمام مأزق خطر اسمه «الفراغ الكامل»، ما يسمح بجعل لبنان «ورقة تفاوض» اقليمياً بعدما يكون تم إحداث «ربط نزاع» بين واقعه و«الصفقات» المحتملة في المنطقة.
ولم تُسقط هذه الدوائر في الوقت نفسه من الحساب امكان لجوء رئيس الجمهورية في «ربع الساعة الأخير» لولايته وبحال عدم انتخاب رئيس جديد وعدم الاتفاق على التمديد له الى خيار «آخر الدواء الكيّ» اي توقيع مراسيم حكومة جديدة تنتقل اليها الصلاحيات الرئاسية، وتكون معبرة في تركيبتها عن مختلف الحساسيات السياسية والطائفية في البلاد.
ومع كلام الرئيس المكلف تمام سلام عن الانتقال الى مرحلة جديدة بعد الأضحى، بد
ت بيروت أمام سؤال: «ما الخطوة التالية» وما الخيارات المتاحة امام سلام الذي اشارت تقارير الى انه امام احتمالات ضيقة، فإما ان تولد حكومته بتوافق مع مختلف الافرقاء السياسيين وهو ما لا تشي الأجواء الحالية بامكان بلوغه، وإما ان يعمد مع رئيس الجمهورية الى إصدار حكومة من جانب واحد وفق معادلة ثلاث ثمانيات، فاذا لم تنل الثقة يتحمّل مسؤولية ذلك مَن حجبوا الثقة عنها، او يكون آخر الدواء الانسحاب من التكليف، علماً بأن اوساطاً مراقبة اعتبرت ان مثل هذه الخطوة ذات محاذير اقليمية ولا يمكن ان تحصل بمعزل عن رأي المحور الذي دعم تكليف سلام في الاساس ولا سيما المملكة العربية السعودية، باعتبار ان اي «تسليم للامانة» في هذه المرحلة قد لا يوفّر لقوى 14 آذار امكان تسمية رئيس حكومة من صفوفها مجدداً، وخصوصاً في ظل الموقف المتذبذب للنائب وليد جنبلاط، وهو الامر نفسه الذي جعل هذه الاوساط  ترى ان صيغة  9-9-6 التي تعطي 8 و14 آذار الثلث المعطّل قد تشكّل الارضية المناسبة لتسييل اي تفاهم ايراني – سعودي يشكّل ضمانة «ما فوق الارقام» وإلا تبقى الازمة مفتوحة على المزيد من المفاجآت غير السارة في الطريق الى انتخابات رئاسة الجمهورية التي يبدو الفراغ المرشح الأوفر حظاً فيها.

 فوضى سياسية
وما عزّز تفاقُم التأزم على المستوى الداخلي «الفوضى السياسية» التي عصفت بالاصطفافات القائمة وموقع الاطراف الرئيسية، والأبرز على هذا المستوى تجلى في الآتي:
– المأزق المتمادي داخل «التركيبة الحاكمة» المتمثلة بحكومة تصريف الاعمال، فبعدما جرت محاولات لـ «تعويم» هذه الحكومة من بوابة ملف النفط والغاز، أظهر اطلاق النار السياسي من زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون على الرئيس نجيب ميقاتي بوصفه «بطل الهروب» «رصاصة الرحمة» على تلك الحكومة التي كانت دخلت مع إستقالتها في «موت سريري» وسياسي.
– «الصراع النفطي» الذي أشعل حرباً كلامية عنيفة بين رئيس البرلمان نبيه بري والعماد عون عبر صهره وزير الطاقة جبران باسيل حول عدد البلوكات البحرية المطلوب تلزيمها واستُخدمت فيها اتهامات بـ «عدم الوطنية» و«الخيانة».

رد الخليل
فقد ردّ وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل على مواقف باسيل من ملف النفط، فقال بأن الأخير «يعتقد انه بتكرار كلام مغلوط ومشوش، يستطيع أن يقلب الحقائق أمام الرأي العام»، معتبراً «ان من يدعي المصلحة الوطنية، لا يؤجل فتح البلوكات الحدودية مع اسرائيل لاهداف وغايات واشارات من بعض الخارج، ومن يدّعي المصلحة الوطنية لا يشطب من البلوكات المختارة في البحر على الحدود البرية أقصى الشمال وأقصى الجنوب، لغايات سيدفعنا الوزير باسيل للكلام عنها لاحقاً» واذ أكد «اننا نريد النفط في كل لبنان، ولكل لبنان، وفي البترون المنطقة العزيزة، ولكن ليس بشروط البدء من حدائق المنازل»، قال إن باسيل «يعرف ان فتح البلوكات ليس تلزيماً، ولهذا عليه أن يستمع جيداً الى آراء الخبراء، وليس أصحاب المصالح من الشركات».
وجاء كلام خليل بعيد سؤال باسيل، الذي عاد وردّ بمؤتمر صحافي موثّق، «هل يُلزّم أحد التنقيب عن نفطه مرة واحدة؟ وماذا تكون النية إذا استخرجنا كل ثروتنا دفعة واحدة؟، ان التفكير الذي ينطلق من مصالح غير وطنية نردّ عليه بتفكير وطني عام».
واستدعى هذا التراشق تسجيل «حزب الله» انزعاجه من «المعركة» بين حليفيه، اذ اعلن رئيس كتلة نوابه محمد رعد «أن مناقشة موضوع النفط عبر وسائل الإعلام، ونشر الغسيل على السطوح، أمر يضر بسمعة لبنان ويضر بهذه الثروة التي نأمل أن تكون واعدة ونستفيد منها في لبنان».
– الغبار الكثيف الذي احدثته المعركة الجانبية بين زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط و«تيار المستقبل»، الذي اخذ على الزعيم الدرزي هجومه اللاذع على 14 آذار و«تسليفه» حزب الله ورقة الـ 9-9-6 التي تُضعف موقف 14 آذار التفاوضي واعتباره حكومة تصريف الاعمال الحالية «ميثاقية» ومهيأة لتولي صلاحيات الرئاسة الاولى بحال
لم تحصل الانتخابات الرئاسية.

 جنبلاط يودع الوسطية
وكان جنبلاط أطلق سلسلة مواقف اعتُبرت تخلياً عن وسطيته واقتراباً من فريق 8 آذار، اذ دعا 14 آذار الى السير في تشكيلة  9-9-6 ، مطلقاً ما يشبه «مضبطة الاتهام» بحق هذه القوى وأدائها السياسي، متمنياً «لو ان البعض لم يعتقد منذ بداية التحرك في سوريا، انه بالمال يصنع ثورة، وصولاً الى المبالغة في الرهان على سقوط بشار الاسد بعد ثلاثة اشهر، ثم توالت المواعيد وبقي الأسد، ولم يسقط»، مضيفاً: «في البداية رفع هذا الفريق الصوت عالياً، وقرر أن يقاطع «حزب الله» ربطاً بموضوع المحكمة الدولية، ثم عاد وقرر مقاطعة الحزب ربطاً بالقرار الاتهامي، ثم رفع الصوت بمقاطعته والهجوم عليه ربطاً بسلاحه وعدم الدخول في الحوار، ثم اكملوا على هذا المنوال ربطاً بتدخله في سوريا، علماً بأنهم هم من تدخّلوا قبله، بدءاً من (النائب في تكتل الرئيس سعد الحريري) عقاب صقر وصولاً الى الشمال».
وجاء كلام الزعيم الدرزي هذا ليرسم علامات استفهام كبرى حول صداه في المملكة العربية السعودية، التي كان
ما زال يعمل على «رأب الصدع» معها على خلفية مساهمته في إخراج الحريري من السلطة العام 2011، وحول رد فعل الحريري عليه.

رد صقر
الا ان الاشارة جاءت واضحة مع ردّ النائب صقر، الوثيق الصلة بالرئيس الحريري، في بيان عنيف قال فيه: «ان ما قدمناه من دعم سياسي وإعلامي وإنساني هو من ابسط واجبات الكائن البشري تجاه شعب يذبح يومياً ويتحفنا البيك قبل الإفطار وبعد موائد العشاء، السري منه والمعلن، بتدبيج العرائض ونظم المطولات حول ضرورة دعمه ومؤازرته في وجه من يسميه بالمجرم المريض (الرئيس الاسد)».
وأضاف صقر: «ندرك جيداً انه يحق للبيك ما لا يحق لغيره من ألوان القفز على حبال السياسات الكبرى انطلاقاً من رؤية استراتيجية عميقة، الثابت الوحيد فيها تبدلها على مدار الساعة». واذ شدد على أنه «ينبغي لسيد المختارة ان يدرك جيداً حدود سيادته وجغرافيا إقطاعه»، قال: «لا نؤمن بأن التحرر الوطني يمكن ان يأتي بالخطب الرنانة ولا برسائل ليلية تستجدي السفيرة الأميركية تدبير عملية اغتيال للاسد».

 اتهام المحكمة الدولية
ومن خلف ظهر «خطوط الاشتباك» السياسي، وجّهت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اتهاماً الى شخص خامس منتم الى «حزب الله» بجرم «المؤامرة بهدف ارتكاب عمل إرهابي» وذلك بعد نحو سنتين واربعة أشهر على المصادقة على القرار الذي اتّهم اربعة من الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
واعلنت المحكمة ان قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين صدّق قرار الاتّهام بحقّ حسن حبيب مرعي (مولود في 19 كانون الاول – ديسمبر 1965 واقام في منطقة برج البراجنة) الذي تولى قبل تفجير 14 شباط (فبراير) 2005 القيام بتنسيق أنشطة مع المتهميْن حسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا من أجل إيجاد شخص مناسب، عرف في ما بعد باسم أحمد أبو عدس، استخدم في تسجيل شريط فيديو يعلن فيه زوراً المسؤولية عن اعتداء  14 شباط (فبراير). «وبعد وقوع الاعتداء مباشرة، نسّق مرعي أنشطة عنيسي وصبرا اللذين شاركا في نشر تصريحات تعزو زوراً إلى آخرين المسؤولية عن الاعتداء، والتأكد من تسليم قناة «الجزيرة» الشريط الذي اعلنت فيه المسؤولية زوراً، مرفقاً برسالة، والتأكد من بث شريط الفيديو».
وتناول قرار الاتهام الذي تم نشرت أجزاء منه، تفاصيل الاتصالات الهاتفية بين المتهمين ومرعي. وذكر انه «تبين أن لعنيسي وصبرا ومرعي تاريخاً من الاتصال في ما بينهم، كما اشار الى ان المتهَم مصطفى بدر الدين «استعمل الشبكة (الاتصالات الخليوية) الخضراء (وفق تقسيمات قرار الاتهام بحق الاربعة من حزب الله) لرصد الإعداد لعملية الإعلان عن المسؤولية زوراً وتنسيقها مع مرعي، وكذلك في اطار الاعداد للاعتداء».

فؤاد اليوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق