أبرز الأخبار

الثورة تأكل بعضها: اسلاميو ليبيا يسقطون زيدان ويقتربون من السلطة

يبدو ان الثورة الليبية «بدأت تأكل بعضها» فعلاً. وقد اتضح ذلك ليس من خلال التطورات الاخيرة التي تمثلت باقصاء رئيس الحكومة علي زيدان فقط، وانما من خلال الشهادات الدولية التي تحدثت عن توالي الانهيارات في تلك البلاد.

 قبل ايام كانت هناك توقعات دولية تصب في هذا الاطار، حيث اعرب ممثلو الدول المشاركة في مؤتمر اصدقاء ليبيا الذي استضافته روما، عن قلقهم العميق من تدهور الاوضاع في شتى المجالات خصوصاً الامنية والانسانية والسياسية. وعلى هامش ذلك اللقاء، وصف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الوضع في ليبيا بأنه «مقلق جداً»، وتحدث عن مشاكل امنية ووضع سياسي «غير مستقر». ورد ذلك الى ضعف ضمان الامن والاعمال والمخاطر الارهابية لا سيما في الجنوب، والى عدم استقرار  الوضع السياسي.  واورد العديد من النماذج التي تعزز ما ذهب اليه.
شهادات التقويم الصادرة عن دول عدة مصنفة على اعتبار انها من «اصدقاء ليبيا» ترجمتها جملة من التطورات على الساحة الليبية، في مقدمتها اسقاط البرلمان رئيس الحكومة علي زيدان، وانتخاب وزير الدفاع عبدالله الثني رئيساً مؤقتاً لتسيير الامور لمدة اسبوعين والى حين تشكيل حكومة جديدة.

مطاردة زيدان
التطورات تحت ذلك العنوان كانت عديدة ومثيرة، حيث تحول علي زيدان خلال ساعات من رئيس حكومة يستند الى اغلبية برلمانية تدعمه وتدافع عنه، وتحميه من محاولات حجب الثقة الى شخصية مطاردة خارج البلاد، وملاحقة بشبهات عدة جرمية، الامر الذي تمت قراءته من زاوية ان الذي ح
دث كان انقلاباً وليس مجرد عملية ديمقراطية محورها حجب الثقة. وان قوى سياسية تقف وراء ما حدث، وترغب بمحاكمة حقبة كان التيار الليبرالي هو المسيطر فيها على الحكم، مع ان نفوذه في الشارع يكاد يكون منعدماً.
وفي التفاصيل المجردة، نجح البرلمان الليبي في اسقاط رئيس الحكومة علي زيدان واختيار وزير الدفاع عبدالله الثني رئيساً مؤقتاً خلفاً له.
وصوت المؤتمر الوطني العام في ليبيا (البرلمان) يوم الثلاثاء على حجب الثقة عن رئيس الوزراء علي زيدان وتعيين وزير الدفاع رئيساً مؤقتاً للوزراء. وفاز قرار حجب الثقة بـ 124 صوتاً من أصل 200 وهو النصاب الدستوري الذي تتطلبه العملية. «كما فاز اقتراح تكليف وزير الدفاع عب
دالله الثني بتصريف أعمال الحكومة لمدة أسبوعين حتى يتم اختيار رئيس جديد للحكومة خلال هذه المدة».
الرواية الرسمية تشير الى ان البرلمان اجرى الاقتراع على الثقة بعد أن افلتت ناقلة محملة بالنفط من ميناء خاضع لسيطرة متمردين في شرق ليبيا من قبضة البحرية ودخلت إلى المياه الدولية.

 اسباب الاقالة
وبحسب
عضو المؤتمر الوطني الليبي علاء المقريف، كانت هناك اعتبارات كثيرة لإقالة زيدان على رأسها الملف الأمني، مستشهداً بعدم إعطاء بنغازي ودرنة (شرق) أي اهتمام بتوفير الأمن، وبعدم قدرة الحكومة على التعامل الجيد مع ناقلة النفط الكورية.
وتتعرض حكومة علي زيدان للانتقاد بصورة منتظمة لانها عجزت عن بسط الامن في البلاد بعد اكثر من سنتين ع
لى سقوط نظام معمر القذافي. ويؤخذ عليها بالتالي انها لم تتوصل الى حل لأزمة نفطية مستمرة منذ بضعة اشهر، على اثر اغلاق ابرز المرافىء النفطية من قبل محتجين نجحوا في تصدير شحنتهم الاولى من النفط بمعزل عن اشراف الدولة.
وحاول منتقدو الح
كومة في المؤتمر الوطني مراراً اسقاطها لكنهم لم يفلحوا في تأمين النصاب الضروري «اي 120 من 194 نائباً اعضاء المؤتمر الوطني العام». ويتهم زيدان، المستقل المدعوم من الليبراليين، الاسلاميين بأنهم يريدون اطاحته للاستيلاء على الحكم في ليبيا وهو يرفض الاستقالة. وعلى الرغم من ضغوطات الاسلاميين، فقد رفض زيدان الاستقالة وقال عشية التصويت على الثقة به «لا نصر على البقاء لكننا نحرص على عدم تسليم البلاد لجهة قد تأخذها في اتجاه لا يخدم المصلحة الوطنية».
القراءة التي يجري الترويج لها قد تكون قريبة من الواقع، لكنها ليست القراءة الوحيدة. فهناك قراءات عديدة ابرزها ما يؤشر الى ان اسلاميي ليبيا نجحوا في اطاحة الحكومة بدءاً برئيسها، وذلك بعد محاولات عديدة اخفقت جميعها، لكنها وصلت الى مبتغاها – شكلياً – من خلال التصويت الاخير، حيث نجح الاسلاميون في توسيع نفوذهم وجذب نواب خصوصاً من حزب العدالة والبناء الاسلامي المنبثق عن الاخوان المسلمين، وكتلة الوفاء للشه
داء الاكثر تشدداً.

مواجهات سياسية
وفي السياق عينه، ومع الاتفاق الشكلي على تلك الحالة، هناك قراءات فرعية تميل الى القناعة بأن التطورات الاخيرة فتحت الباب على مواجهات سياسية وغيرها بين الاسلاميين الذين لن يكتفوا بما تحقق، بل انهم يرغبون بتسجيل حضور اكثر عمقاً على الارض، وبين تيارات ترى انه من الخطورة بمكان تسليم السلطة الى تيار اسلامي.
ويعتقد ا
صحاب هذه القراءة بأن الاسابيع القليلة المقبلة ستشهد مشاورات لتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة زيدان الذي اطيح، ولحكومة تسيير الاعمال التي كلف بها عبدالله الثني، كما ستشهد ايضاً «مناورات اخوانية» املاً بالسيطرة على تلك الحكومة او الحصول على مقاعد مؤثرة فيها.
وفي الق
راءات ذاتها يحاول الاسلاميون الذين اخفقوا في حصد اغلبية برلمانية في الانتخابات التي جرت قبل اكثر من عام، ابرام تحالفات مع بعض القوى، واستمالة بعض العسكريين من اجل تشكيل تحالف قوي، ويمتلك من وسائل القوة العسكرية ما يؤهله لاقناع الشارع بقدرته على ضبط الامن، والتعاطي بقوة واقتدار مع الملف الامني الشائك.
يساعد على ذلك ما كشف عنه محمد عماري زايد عضو الكتلة الاسلامية التي اطلقت على نفسها اسم «كتلة الوفاء للشهداء»، والذي اكد أنه تمت الموافقة على قرارات لأجراء تعديل دستوري يقضي باجراء انتخابات مبكرة لفترة انتقالية ثالثة خلال ثلاثة أشهر، فيما عدا انتخابات رئيس للدولة» لافتاً إلى أن هذا الأمر ترك للبرلمان المقبل ليقرر ما إذا كان يتم انتخاب الرئيس بشكل مباشر أو يتم اختياره من قبل النواب.
كما كشف عن جملة من قرارات الاستقطاب والترضية لبعض التجمعات، ومن بينها ما يتعلق بمعالجة أوضاع أقليات التبو والطوارق الأمازيغ دستورياً ليتمكنوا من المشاركة في لجنة الستين المعنية بكتابة دستور دائم للبلاد، إضافة إلى إقرار قانون الإدارة المحلية وميزانية العام 2014».
وبحسب المعلومات المتسربة، تجاوز النواب «الشبهة الدستورية» المتمثلة بان بعض القرارات يتطلب – دستورياً الثلثين زائد واحد – أي  134 صوتاً، وبعضها الاخر 120 صوتاً فقط. وتوافقوا على
تمرير هذه القرارات حزمة واحدة في حال اعتمدت خريطة الطريق التي رسمتها لجنة فبراير 2014 دون تعديل بحيث يتاح انتخاب رئيس للبلاد مؤقت، بشكل مباشر من الشعب».
في تلك الاثناء، يجمع المتابعون على ان الاسلاميين في ليبيا يحرزون تقدماً بعد اطاحة رئيس الوزراء علي زيدان، في وقت تلوح في الافق مخاطر اندلاع حرب اهلية اساسها تحركات القوات الموالية للبرلمان في مواجهة المتمردين المطالبين بحكم ذاتي في شرق البلاد.
وبالتوازي، هناك اتخاذ قرارات تحرف الاجراء عن دستوريته، و
تصنفه ضمن اطار انقلابي. ومنها صدور قرار من النائب العام في ليبيا منع بموجبه زيدان من السفر. الا ان القرار لم يصل الى مرحلة التنفيذ، بعد ان نجح زيدان في مغادرة البلاد على متن طائرة خاصة. وقد كشف رئيس وزراء مالطا جوزف موسكات عن توقفه في احد مطارات بلاده لساعتين  مروراً الى بلد اوروبي آخر على متن طائرة خاصة.

 تقدم الاسلاميين
على الارض، يبدو ان الاسلاميين مصممون على احراز تقدم ايضاً على الصعيد العسكري وعلى استبعاد خصومهم الرئيسيين. وبحسب قراءات غربية فإنهم يعدون العدة لمواجهات مع  الميليشيات النافذة في مدينة الزنتان (غرب) الموالية للتيار الليبرالي ولرئيس الوزراء السابق، والمنشقون الذين يسيطرون على مرافىء نفطية مهمة منذ اشهر ويطالبون بحكم ذاتي في شرق البلاد. وفي هذا السياق، وبعد اقالة زيدان نشر المجلس العسكري المحلي في طرابلس بياناً طالب فيه برحيل كل الميليشيات المنتشرة في المواقع الاستراتيجية، خصوصاً داخل مطار طرابلس الدولي وعلى طريق المطار في اشارة الى ميليشيات الزنتان.
كما امر المؤتمر الوطني العام بتشكيل قوة مسلحة لرفع الحصار عن الموانىء النفطية. ويفترض ان تضم هذه القوة وحدات من الجيش وثواراً سابقين حاربوا نظام معمر القذافي عام 2011 حتى وان كان يشكل التنافس داخل الميليشيات والثوار السابقين وانتشار الاسلحة التي تم الحصول عليها من مخازن الدكتاتور السابق، عاملين خطيرين  من الممكن ان يفجرا أي تحالف.
وكانت ميليشيات «درع ليبيا»، الميليشيا الاسلامية التي تضم اساساً ثواراً سابقين من مصراتة، اول قوة تقدمت نحو سرت شرقاً وارغمت «مساء الثلاثاء الفائت» ثواراً من برقة على الانسحاب من مواقعهم. وقال مصدر في صفوف الثوار طالباً عدم كشف اسمه ان قواتنا انسحبت الى الوادي الاحمر على بعد 90 كلم شرق سرت الحدود التاريخية لبرقة بحسب دستور 1951.
ودان المصدر تدخل ميليشيا قبلية بدلاً من الجيش النظامي محذراً من خطر اندلاع «حرب اهلية». وحذر زعماء قبائل في المنطقة الشرقية مساء الثلاثاء من ان هجوماً على برقة سيؤدي الى تقسيم البلاد. وكان هؤلاء المنشقون اعلنوا في اب (اغسطس) تشكيل حكومة محلية وانشاء مصرف وشركة نفطية.

منع متأخر
اما في ما يتعلق بملاحقة زيدان، فقد اصدر النائب العام في ليبيا قراراً منع بموجبه رئيس الحكومة السابق علي زيدان من السفر وذلك بعد ساعات من إقالته. الا ان القرار جاء متأخراً، وصدر في اعقاب مغادرته البلاد فعلاً.
وجاء في بيان نشره مكتب النائب العام ان زيدان منع من السفر لضلوعه المفترض في قضية اختلاس اموال عامة. واوضح البيان انه يشتبه بان زيدان ضالع في قضية تحرير شيكات لمحتجين كانوا يحتلون مواقع نفطية في شرق البلاد مقابل رفع الحصار عنها.
وبينما أدى وزير الدفاع الليبي عبدالله الثني اليمين الدستورية رئيساً مؤقتاً للحكومة لحين انتخاب رئيس وزراء دائم. يثير مراقبون احتمال أن يثير عزل علي زيدان مزيداً من القلق على استقرار ليبيا التي تصارع سلطاتها من أجل الحفاظ على السيطرة على مساحات شاسعة من أراضيها. وتعزز حالة القلق التقارير التي تتحدث عن تقدم الاسلاميين من السلطة.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق