بريطانيا تختار الخروج من الاتحاد الاوروبي محدثة زلزالاً في اوروبا والعالم وكاميرون يستقيل

اختار البريطانيون الخروج من الاتحاد الاوروبي في قفزة الى المجهول توجه ضربة قوية للمشروع الاوروبي ولرئيس وزرائهم ديفيد كاميرون ما احدث اضطراباً قوياً فوريا في اسواق المال العالمية.
صوت الناخبون البريطانيون بنسبة 52% لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي انضموا إليه عام 1973 مقابل 48 في المئة أيدوا البقاء.
وشهد الاستفتاء التاريخي الذي نظمته بريطانيا الخميس، نسبة مشاركة كبرى بلغت 72،2%، وأظهرت نتائجه دولة منقسمة حيث صوتت لندن وإسكتلندا وإيرلندا الشمالية لصالح البقاء، فيما صوتت شمال إنكلترا إو ويلز للخروج.
والضحية الاولى للاستفتاء هو ديفيد كاميرون الذي اعلن عزمه الاستقالة مشيراً الى ان عملية الخروج من الاتحاد سيقودها رئيس وزراء اخر.
وقال كاميرون وهو يغالب انفعاله إنه سيستقيل من منصبه بحلول تشرين الأول (اكتوبر).
وأضاف في كلمة بثها التلفزيون من أمام مقره في عشرة داونينج ستريت «الشعب البريطاني اتخذ القرار الواضح جداً بالتحرك في مسار مختلف ومن ثم أعتقد أن البلاد تحتاج قيادة جديدة تأخذها في هذا الاتجاه».
وتابع «لا أعتقد أنه سيكون من المناسب لي أن أكون القبطان الذي يقود بلادنا إلى وجهتها المقبلة».
وفيما أكد الاتحاد الأوروبي تصميمه على الحفاظ على وحدة أعضائه الـ 27، اعتبرت ألمانيا أن هذا القرار يشكل «يوماً حزيناً» لأوروبا.
«جمعة اسود»
ومنذ بدء ظهور تقديرات تؤشر الى النتيجة، تراجعت الأسواق المالية كما تراجعت قيمة الجنيه الاسترليني أكثر من عشرة في المئة أمام الدولار ليصل إلى مستويات لم يشهدها منذ 1985 وهو أكبر تراجع للعملة البريطانية خلال يوم واحد في التاريخ وذلك وسط مخاوف من أن يضر القرار بالاستثمار في خامس أكبر اقتصاد في العالم وأن يهدد دور لندن كعاصمة مالية عالمية ويغلف المشهد السياسي بالضباب لشهور.
وتراجعت بورصة طوكيو بنسبة 8%، فيما سجلت ابرز بورصات اوروبا تراجعاً كبيراً عند الافتتاح، ما ينذر بـ «جمعة اسود» في اسواق المال العالمية ازاء خطوة غير مسبوقة خلال ستين سنة من تاريخ انشاء التكتل الاوروبي.
ورغم التهديدات بكارثة اقتصادية كان تحدث عنها المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد والمؤسسات الدولية، فضل البريطانيون تصديق الوعود باستعادة استقلاليتهم ازاء بروكسل ووقف الهجرة من دول الاتحاد الاوروبي والتي كانت المواضيع الرئيسية في الحملة المضادة.
وقرروا الانسحاب من مشروع انضموا اليه في العام 1973 بعد ان رأوا فيه بشكل اساسي سوقاً موحدة كبرى، لكن بدون الخوض في المشروع السياسي.
وقال زعيم حزب «يوكيب» المناهض لاوروبا نايجل فاراج انه بدأ «يحلم ببريطانيا مستقلة»، مؤكداً ان النتيجة تشكل «انتصاراً للاشخاص الحقيقيين والناس العاديين».
«انتصار الشق العاطفي»
واعتبر الاستاذ في معهد لندن للاقتصاد ايان بيغ في حديث لوكالة فرانس برس ان «الشق العاطفي قد انتصر».
واعلن كاميرون الذي كان وراء قرار تنظيم الاستفتاء، عزمه الاستقالة. وكان يأمل من الاستفتاء ان ينهي الخلافات حول الاتحاد الاوروبي التي كانت تسود حزب المحافظين منذ الثمانينيات ووقف صعود حزب «يوكيب» الذي فاز في الانتخابات الاوروبية في 2014.
ويجري التداول باسم بوريس جونسون زعيم التيار المحافظ في معسكر مؤيدي الخروج من الاتحاد لخلافة كاميرون، الا في حال فضلت قيادات الحزب شخصية اكثر اعتدالا من رئيس بلدية لندن السابق الذي يتهمه البعض بالانتهازية.
وحدة المملكة مهددة
وسيهدد قرار الخروج من الاتحاد الاوروبي من جانب آخر وحدة المملكة المتحدة، إذ اعلنت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا سترجون الجمعة ان اسكتلندا «ترى مستقبلها ضمن الاتحاد الاوروبي»، ممهدة بذلك الطريق امام استفتاء جديد حول الاستقلال.
وفي ايرلندا الشمالية، دعا «الشين فين» المؤيد للبقاء في الاتحاد الاوروبي الى تنظيم استفتاء حول ايرلندا موحدة.
وتدخل كل القادة الأوروبيين لمحاولة إبقاء البريطانيين داخل الاتحاد، نتيجة الإدراك أن خروج بريطانيا سيشكل تهديدا لنادي الدول الأعضاء.
وحذرت كل المؤسسات الدولية، من صندوق النقد الدولي إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من أن خروج بريطانيا سيؤدي إلى عواقب سلبية على الأمد البعيد ناهيك عن التبعات الاقتصادية الفورية.
وقد يحرم الخروج بريطانيا من تجارة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وسيتطلب منها أن تبرم اتفاقات تجارية جديدة مع بلدان العالم.
ومن جانبه سيتضرر الاتحاد الأوروبي اقتصادياً وسياسياً مع رحيل دولة لم تكن فقط أقوى مناصر لاقتصاد السوق الحر لكنها أيضاً تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي وبجيش قوي. وسيخسر الاتحاد نحو سدس ناتجه الاقتصادي دفعة واحدة.
وطالب زعماء شعبويون في فرنسا وهولندا أيضاً بإجراء استفتاءات خاصة بهم للانسحاب من التكتل.
وتفتح نتيجة التصويت الباب أمام إجراءات انفصال عن الاتحاد الأوروبي تستغرق عامين على الأقل في خطوة لم يسبق لعضو آخر أن اتخذها. وقال كاميرون الذي تولى رئاسة الحكومة قبل ستة أعوام إن بدء عملية الخروج بشكل رسمي أمر يرجع لمن سيخلفه في المنصب.
أ ف ب/رويترز