جاء إعلان رؤية وتوجيهات السلطان قابوس في نوفمبر عام 2009 في لقاء بشيوخ ورشداء وأعيان ووجهاء ولايات منطقة الظاهرة آنذاك ومحافظة البريمي، وذلك بالمخيم السلطاني بسيح المسرات بولاية عبري، إيذانا بانطلاق مشروع زراعة المليون نخلة، الذي أراد له السلطان الراحل أن يكون صرحاً من صروح النهضة يحقق من خلاله الأمن الغذائي، خصوصاً وأن النخلة كانت ولا تزال هي العمود الفقري للأمن الغذائي في السلطنة. وخلال حديثه مع المواطنين قال السلطان قابوس «لا شك أنكم سمعتم وعلمتم بأننا وجهنا بزراعة مليون نخلة وربما الكثير يتساءل: كيف ستتم زراعة هذه المليون نخلة؟ وما هو الهدف من ورائها؟» مؤكدًا أنه بعد التمعن في شؤون الغذاء في البلاد وجد أن النخلة منذ القدم هي العمود الفقري للأمن الغذائي في عمان إلى جانب الماشية والزراعات الأخرى التي كانت تزرع مثل الحبوب وغيرها وأيضًا الأسماك التي هي ثروة البلد، وهي ثروة عظيمة للبلد، وعاش عليها الكثير من أهل عُمان.
السلطان قابوس:
■ «لا شك أنكم سمعتم وعلمتم بأننا وجهنا بزراعة مليون نخلة وربما الكثير يتساءل: كيف ستتم زراعة هذه المليون نخلة؟ وما هو الهدف من ورائها؟».
■ «إن كل الزراعات أو المزروعات من النخيل هي عبارة عن مزارع خاصة وهذا شيء طيب وجميل».
■ «قررنا زراعة كمية من النخيل وتوصلنا إلى أن رقم المليون هو رقم جيد؛ لأننا نعلم أنه لا بد لنا من أن نفكر في مسألة المياه والمساحات والأراضي وإلى آخره، فالمسألة ليست مسألة سهلة كما يتوقعها البعض».
■ بعد التمعن في شؤون الغذاء في البلاد وجدنا أن النخلة منذ القدم هي العمود الفقري للأمن الغذائي في عمان.
وأضاف السلطان الراحل: «إن كل الزراعات أو المزروعات من النخيل هي عبارة عن مزارع خاصة، وهذا شيء طيب وجميل، مشيرًا إلى أن هذه المزارع تضم ثمانية ملايين نخلة متوزعة في أماكن مختلفة من عُمان، ولذلك قررنا زراعة كمية من النخيل، وتوصلنا إلى أن رقم المليون هو رقم جيد؛ لأننا نعلم أنه لا بد لنا من أن نفكر في مسألة المياه والمساحات والأراضي وإلى آخره، فالمسألة ليست مسألة سهلة كما يتوقعها البعض».
وأوضح في هذا الشأن أن النخلة تحتاج إلى 14 ألف غالون من الماء سنويًّا، وهذه المسألة العلمية مبالغ فيها إلى حد ما، فربما تحتاج بالدقة إلى 10 آلاف غالون، وهذه كمية هائلة من المياه، لا شك أن النخلة تحتاج إليها، ولذلك جاء قرار زراعة المليون نخلة على أن تكون وقفًا لبيت المال لن توزع، وستكون ملك وقف من الحكومة لبيت المال، وستوزع على ثلاث مناطق وهي منطقة الظاهرة والمنطقة الداخلية والمنطقة الشرقية.
وأشار السلطان قابوس إلى أن منطقة الظاهرة والمنطقة الشرقية سيكون لهما النصيب الأوفر والداخلية سيكون نصيبها أقل بحكم الجغرافيا وإلى آخره، وسنركز على نخلة الفرض، حيث ستتم زراعة 800 ألف نخلة منها و200 ألف ستكون متنوعة من خلاص وغيرها، وهذه هي تصوراتنا ضمن خطة خمسية، وأوضح خلال حديثه أن هذه الصرم (الفسائل) ستكون من نوعين؛ نوع من الزراعة النسيجية وأيضًا من الصرم الموجود لدى المزارعين، معربًا عن أمله في أن تكون مناصفة بنسبة خمسين بالمائة لكل من النوعين أو ربما تكون الزراعة النسيجية أكثر والصرم أقل.
ولم تكتف إرادة السلطان الراحل منذ بداية التخطيط أن يكون المشروع مجرد زراعة مليون نخلة، برغم أن ذلك في حد ذاته يعد إنجازاً يصنع فارقاً، لكنها حرصت على أن يكون المشروع رافداً يمد زراعة النخيل والزراعة عموماً بأحدث التقنيات الزراعية الحديثة القائمة على آخر المستجدات البحثية في مجال زراعة النخيل، بالإضافة إلى قيادة تطوير الجدوى الاقتصادية لزراعة النخيل برسالة محددة تطمح لـ «زراعة مليون نخلة وفق أسس علمية واقتصادية»، ووضع صناعة النخيل العمانية على طريق الريادة وبرؤية واضحة.
ويعد مشروع زراعة المليون نخلة من المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية العالية التي سترفد قطاع زراعة النخيل والزراعة عموماً بمقومات اقتصادية واعدة وفتح آفاق جديدة للاستثمار الزراعي، ويسعى المشروع من خلال توجيهات السلطان الراحل أن يكون ضمن المشاريع الرائدة في السلطنة من خلال تحقيق مردود غذائي واقتصادي واجتماعي وبيئي، وتحقيق نقلة نوعية في قطاع النخيل بتطبيق أحدث المستجدات العلمية في العمليات الزراعية، وتصنيع التمور والمنتجات الثانوية ما يحقق قيمة مضافة عالية ترفع قدرة التمور العمانية على المنافسة في الأسواق الخارجية، وتعزّز القدرات الاقتصادية للزراعة العمانية.
أهداف ورؤى
ووفق رؤية السلطان قابوس يهدف مشروع زراعة المليون نخلة إلى إيجاد قطاع حديث للنخيل في السلطنة كرافد للقطاع التقليدي يتكاملان في الأهداف، ويعظمان معاً العوائد من الموارد المتاحة للقطاع، ويرفعان من كفاءة استخدامها والحفاظ عليها واستدامتها، وتحقيق الأمن الغذائي باستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة إلى إيجاد قطاع متطور لتصنيع التمور ومواكب لأحدث التطبيقات التقنية في الإنتاج، وبالتوازي مع تنمية وتطوير قطاع الحرف التقليدية للمنتجات الثانوية، مع الحفاظ على التراث العماني في هذا المجال، وتعزيز القدرات الاقتصادية للزراعة العمانية بوجه عام، وتشجيع التصنيع الغذائي، وإبراز دور القطاع الخاص في هذا الجانب، وفتح آفاق جديدة وفرص للاستثمار الخاص في المجالات الإنتاجية والتصنيعية، بما في ذلك إدراج منتجات جديدة إلى قائمة التصنيع العمانية، والمنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، وبأعلى مستويات المواصفات ومقاييس الجودة، واعتبار إحلال الواردات هدفًا استراتيجيا، لبلوغ درجة الاكتفاء الذاتي الكامل، والسعي لتحقيق فوائض تلبي الاحتياجات التصنيعية والتصديرية، وتعظيم الاستفادة من المزايا النسبية للتمور العمانية، والارتقاء بالقدرات العمانية البحثية والإرشادية في مختلف المجالات المتعلقة بالنخيل والتمور ومنتجاتها الصناعية.
وتمثل التوجيهات بإنشاء مشروع زراعة المليون نخلة نقلة نوعية للقطاع الزراعي، والنخيل على وجه الخصوص، لما يمثله هذا المشروع الحيوي من دلالات كبيرة ومهمة، لعل من أشرفها وأنبلها استنهاض همم المجتمع العماني للالتفات إلى الاعتناء بالنخلة، فضلًا عن أنه يعد رافدًا كبيرًا لإعمار وتوسع رقعة زراعة النخيل في البلاد، لما تحمله من أهمية اجتماعية واقتصادية في نسيج الاقتصاد الوطني، فالنخلة هي سياج القطاعات الاقتصادية التقليدية التي ارتبط بها الإنسان منذ الأزل، وستظل العلاقة الحميمة بين النخلة والأجيال الناشئة متوهجة في نفوس أبنائنا في ظل هذا الاهتمام السامي الذي أضحى نبراسا نهتدي به، وسراجا ينير لنا دروب العمل الوطني في كل الميادين.
تقنيات حديثة
والتزاماً بالاستراتيجية العامة وخطط إنشاء مشروع زراعة المليون نخلة تمّ إدخال التقنيات الحديثة في جميع مراحله، إيمانًا بأهمية الاستفادة من هذه التقنيات في الري وتحسين النوعيات المنتجة من أشجار النخيل، وتسريع وتيرة العمل بواسطة التقنيات المتطورة، وتطوير الأبحاث القائمة على مشتقات النخيل، فضلًا عن بناء مدخلات صناعية قائمة على اقتصاد المعرفة الذي يوظف المواد الخام بشكل صحيح.
وبلغ عدد مزارع المشروع 11 مزرعة، وبلغت مساحة أراضيها حوالي 17 فداناً، في ست محافظات بواقع ثلاث مزارع (عبري ـ الصفا ـ مسروق) بمحافظة الظاهرة، ومزرعتين (الوجن ـ القابل) بمحافظة البريمي، و(رحب ـ النجد) بمحافظة ظفار، و(سمائل ـ نزوى) بمحافظة الداخلية، ومزرعة في كل من محافظة شمال الشرقية (إبراء)، ومحافظة جنوب الشرقية (الكامل والوافي)، وجاري استكمال باقي المساحات في المستقبل القريب، لإتمام زراعة باقي المليون نخلة.
إن رؤية ونظرة السلطان قابوس في إنشاء مشروع زراعة المليون نخلة لها أهداف نبيلة، في إضفاء قيمة مضافة عالية للزراعة في البلاد، تجعل الجميع أمام واجبات عظام أن ينهضوا بها لتحقيق ما يصبو إليه السلطان الراحل من إنجاز كهذا، ولقد تبلور هذا المشروع في مزارع وارفة الظلال بمساحاتها الشاسعة وهندستها الرائعة، وتتسارع خطى العمل في كل المزارع؛ لتعيد بناء طموحات المستقبل في الإسهام في إحياء موروث تقليدي سيبقى حاضرًا في اقتصاد المستقبل.
ويسعى القائمون على المشروع إلى تحويل التحديات إلى فرص تفتح آفاقا واسعةً لتجسيد العمل الوطني، من أجل تحقيق كل الأماني التي يتطلع إليها السلطان قابوس في أن يكتمل المشروع بجميع جوانبه، ليبقى علامة ناصعة تضاف إلى المنجز في هذه الأرض الطيبة، وأن يكون علامة بارزة في جنبات عصر النهضة، ونبراسًا تهتدي به الأجيال في توارث مهنة الآباء والأجداد.
تنمية نخيل عمان
من جانب آخر تمّ تأسيس شركة تنمية نخيل عُمان التي جاءت ترجمة للرؤية الحكيمة للسلطان قابوس حول مستقبل الأمن الغذائي بالسلطنة، والاهتمام بقطاع النخيل وأهمية الحفاظ عليه كموروث حضاري وثقافي واستثماره اقتصاديا ليعود بالنفع على هذا الوطن الغالي وشعبه، وتكون بمثابة الكيان الاستثماري لمشروع زراعة المليون نخلة الذي أمر به السلطان الراحل.
وتعد شركة «تنمية نخيل عمان» شركة مساهمة عمانية مقفلة، وأحد نتاج مخرجات البرنامج الوطني تنفيذ، وتساهم في رفد وتعزيز الموارد الاقتصادية الوطنية، بأيدي وسواعد أبناء عمان، وتعنى الشركة بموضوع ما بعد حصاد النخيل بمشروع زراعة المليون نخلة ، والاستفادة من جميع المنتجات الثانوية لها، وإيجاد صناعات ابتكارية جديدة في مجال التمور لتكون منافسة في الأسواق العالمية وستعمل الشركة على فتح آفاق جديدة للتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص، كما أنها ستوفر آلاف من فرص العمل للمواطنين وقد تم اختيار مدينة نزوى لإنشاء المجمع الرئيسي للشركة وفق مواصفات ومعايير علمية محددة.
وجاءت هذه الشركة ثمرة للتعاون الوثيق والبنّاء ما بين ديوان البلاط السلطاني ممثلاً بالمديرية العامة لمشروع المليون نخلة والشركة العمانية لتنمية الاستثمارات الوطنية «تنمية» بتشجيع مباشر من وحدة دعم التنفيذ والمتابعة حيث إن اجتماع الجهات الوطنية لتأسيس هذه الشركة الرائدة لم يأت وليداً للصدفة إنما هو تجسيدٌ حيٌ لرؤية عميقة ونهج استراتيجي متميز وفكر مستنير تشكل بمجموعها المبادئ والمنطلقات التي سخرها جلالة السلطان الراحل أساساً لصناعة عُمان المستقبل كذلك.