افتتاحية

متى تتحركون والاستحقاق يدق على الابواب؟

بعد رئاسة الجمهورية والحكومة، انطلقت الحياة التشريعية بزخم، وكأن الرئيس بري يريد ان يعوض على اللبنانيين ما فاتهم طوال سنوات من التعطيل، كان المجلس خلالها مشلولاً وكأنه غير موجود. فعلى مدى يومين، الاسبوع الماضي، عقدت اربع جلسات اقر المجلس النيابي خلالها العديد من المشاريع، بعضها اصاب، وبعضها الاخر جاء على شاكلة السياسيين الذي نخر صفوفهم الفساد وضاق بهم الناس، وكانت الشكوى الكبرى من قانون الايجارات الذي لم يحسب النواب من خلاله حساباً للمستقبل. فكل همهم ان يمر القانون دون النظر الى العواقب التي ستنجم عنه، وكان اكثر المتحمسين الذين وضعوه ومرروه في مادة وحيدة، ولما جاءوا لاصلاحه وتعديله، رفضوا الامر. ونحن نسأل هل فكروا بمصير مليون شخص بعد انقضاء السنوات التسع، وهل ان مصالح الشركات العقارية، اهم من مصالح الشعب اللبناني؟
الاصرار الشعبي العارم على قانون انتخاب جديد ينصف الطوائف كلها، لم يأت من عبث، بل لرغبة في ابعاد الطبقة الفاسدة وتنقية الجسم السياسي، بحيث يكون قادراً على تلبية مطالب الناس والتطلع الى حاجاتهم الضرورية، والحفاظ على مصالح الوطن.
اذاً عادت الحركة الى الجسم السياسي المعطل، بدءاً من رئاسة الجمهورية وانتخاب العماد ميشال عون، الذي انهى سنتين ونصف السنة من الشغور القاتل، الى المجلس النيابي المعطل، الى مجلس الوزراء غير المنتج بسبب الخلافات التي عصفت به. عادت الحركة، في مشهد يدخل الامل في نفوس اللبنانيين، رغم ايمانهم بان هذه الطبقة السياسية الحالية غير قادرة على الاصلاح، فهي تعمل وفق مصالحها الخاصة، فتعطل الحركة وتمنع التقدم وتسد باب الحلول لازمات تطوق الناس، حتى تكاد ان تخنقهم. وهذا ما ظهر جلياً من خلال تغييب قانون انتخاب جديد، يعيد تنظيم الحياة السياسية على اسس علمية صحيحة، مع العلم ان مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب حدد كمادة اولى، وضع قانون جديد للانتخاب. ومرة جديدة تسد المصالح الشخصية والانية طريق الاصلاح. فهل من المعقول ان يتمكن زعيم او سياسي مهما علا شأنه مثلاً من ان يوقف عجلة الاصلاح ويمنعها من السير والتقدم الى الامام؟
الرئيس ميشال عون مع النسبية، ويؤيدها بشكل قوي، وكذلك الرئيس بري وهو من اوائل الذين طرحوها ولا يزال متمسكاً بها. كما ان الرئيس سعد الحريري غير بعيد عن هذا الطرح. فهو الذي قدم الكثير من اجل خلاص البلد، وما زال يقدم، ولن يقف حجرة عثرة بوجه قانون النسبية الذي ينصف الجميع. ويدعم هذا التوجه عدد كبير من الكتل النيابية والاحزاب السياسية وفي طليعتها حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر، والى حد ما القوات. فلماذا لا يتم جمع الاطراف المعنية كلها في غرفة مغلقة، فلا يسمح لهم بالخروج منها الا بعد الاتفاق على قانون عصري، عادل ومنصف للانتخابات؟ وهذا امرمتيسر لو تخلى العاملون في الحقل السياسي عن انانياتهم، وقدموا للوطن، بدل التقديم لحزبهم او لطائفتهم او لمنطقتهم. فيتخلون عن قانون الستين المدمر الذي يكفيه سوءاً انه اتى بهذه الطبقة السياسية، ويتطلعون الى قانون عصري. واذا سألت احد هؤلاء لماذا هذا التمسك بقانون الستين؟ يجيب لانه يؤمن مصلحتنا. واذا قلت له ان تأمين مصلحتك يأتي على حساب مصلحة الاخرين، يحاور ويناور ويتهرب من الاجابة.
اذاً المهم وبعد ان عاد لبنان الى الحياة التشريعية، بعد توقف دام سنوات، ودائماً بسبب الخلافات والمصالح الضيقة، هل هو قادر على كسر هذا الطوق والنفاذ الى العمل الجدي المسؤول، الذي يؤمن مصلحة البلد قبل اي مصلحة اخرى؟
الكل يريدون او يتظاهرون انهم يريدون قانوناً جديداً للانتخابات. وصحيح ان القانون غاب عن الجلسات التشريعية، الا انه كان الحاضر الاكبر بين النواب من خلال المداخلات المطالبة (صدقاً او كذباً) باقراره، كما حضر في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السراي برئاسة الرئيس الحريري الذي اكد على اولوية اجراء الانتخابات النيابية، مع التشديد على مسؤولية الجميع في صوغ قانون جديد. وكان مسك الختام مع العماد عون الذي حسم الموضوع، وقال انه يفضل الفراغ على التمديد للمجلس النيابي الحالي.
الجميع اصبحوا واعين على خطورة العرقلة، ولكن هل من المعقول ان يتمكنوا في غضون اسبوعين او ثلاثة ان يحسموا موضوعاً فشلوا في تحقيقه على مدى اكثر من سبع سنوات؟ وهل من المعقول ايضاً ان يسمح لقلة من فرض رأيها على الجميع وتعطيل العمل على قانون جديد؟ لا بد من اتخاذ موقف حازم وصريح، خصوصاً وان المهل القانونية لدعوة الهيئات الناخبة الى انتخاب مجلس جديد اصبحت داهمة.
قانون الستين مرفوض وطنياً وشعبياً من عدد كبير من القوى السياسية، والتمديد ممنوع فسارعوا الى دفنه الى الابد، وقوموا بالخطوة الصحيحة التي تؤمن الاصلاح، فمتى تتحركون؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق