أبرز الأخبارملف

صيّف الصيف في لبنان ولا مغتربين!

في حركتهم بركة، وفي ترددهم عن المجيء الى الوطن وأرض الأحلام ضربة، انهم لبنانيو الاغتراب، الذين يعول عليهم القطاع السياحي ولبنان الكثير. لكن هذه السنة حساباتهم كانت مختلفة، فالوافدون من دول الاغتراب، وصلوا بالقطارة مقارنة مع الأعداد التي كانت تصل الى لبنان مع بداية موسم الصيف. كثيرون منهم حولوا وجهاتهم السياحية الى احدى الولايات الأميركية أو الدول الأوروبية أو حتى الى قبرص، أخلوا بميزان السياحة اللبنانية لا شك، لكنهم على الأقل ضمنوا راحة البال بعيداً عن أخبار السيارات المفخخة وخبريات الفتنة المتنقلة من منطقة إلى أخرى. لكن يبقى بعض المغامرين، المسكونين بحبهم للوطن مهما كلف الثمن، فصاروا الخبر والحدث في موسم أقل ما يقال فيه أنه ذهب في سياحة، ويخشى أن يهاجر الى الأبد. فهل يسقط الرهان على الاغتراب اللبناني في مواسم السياحة أم يخرق كل الأقاويل والهواجس؟ وهل تنجح تحويلاتهم التي تقدر سنويا بـ 8 مليارات دولار في ابقاء صمود ما تبقى من اقتصاد الوطن – الحلم؟

مما لا شك فيه أن السياسة الداخلية والضربات الأمنية التي اصابت شريان الوطن السياحي دفعت بغالبية المغتربين اللبنانيين إلى إعادة النظر في وجهتهم السياحية. فحتى منتصف شهر تموز (يوليو) كانت اعدادهم اكثر من خجولة. والداخلون إلى وطن الحلم لم ينجحوا في تعبئة بعض الشواغر في المطاعم والفنادق، وحتى في لملمة خسائر الأسواق التجارية التي رفعت شعارات الصولد والتنزيلات التي وصلت إلى 70 في المئة ومن يزيد؟ طبعاً الكل مهيأ لتقديم جميع التنازلات في مقابل تأمين الحد الأدنى من الأرباح. لكن الثابت أن لا شيء يعوض عن حجم خسائر القطاع السياحي الذي وصل الى حدود الخط الأحمر ولامس مرحلة الإستنزاف. كيف لا وهناك ما يقارب الـ 300 مؤسسة سياحية أقفلت على خلفية الخسائر التي تكبدها القطاع. ومن انتظر حلول شهر رمضان أصيب حتماً بالخيبة.

لولا سياحة الاعمال
نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر وصل به الأمر إلى حد إعلان سقوط الموسم السياحي على رغم كل المقومات التشجيعية التي وضعت. فـ «اسعار الحجوزات منخفضة، والتكاليف مرتفعة. السياح قليلون، والموسم عاطل جداً. ولولا سياحة الأعمال لما بقي فندق واحد إلا وأعلن حال الحداد». وللعلم فإن هذه الحركة تساهم في تشغيل الحركة الفندقية بنسبة تراوح بين 35 و50 في المئة. لكن نسبة التشغيل شيء والمداخيل شيء آخر. فمداخيل الفنادق اليوم هي أقل من 10  في المئة مقارنة مع نسبة تشغيل تتقارب في بعض الأماكن مع النسبة المسجلة في العام الفائت. وهذا ما تبين عند إقفال حسابات الأشهر الستة الأولى من السنة، كما يقول الاشقر، مضيفاً أن الأجواء السياسية والأمنية هي المؤشر الوحيد لبث رسائل اطمئنان للسياح العرب والمغتربين، بدليل أنه لمجرد انعقاد مؤتمر او معرض او حدث ما، وتحديداً عند التوافق الوطني على تسمية الرئيس المكلف تمام سلام لتشكيل الحكومة. يومها لمس عشاق السياحة في لبنان الإنفراجات المستجدة وحجزوا أماكن لهم لكن ليس كما العادة.

لا احد مكان الخليجيين
يحدد الأشقر نسبة التراجع في المداخيل بـ 36 في المئة وذلك انطلاقاً من معادلة الحسومات المعتمدة بين العامين 2012 و2013. و54 في المئة مقارنة بالعامين 2009 و2010. تسألون عن الزبائن؟ هم حتماً ليسوا من فئة المغتربين اللبنانيين ولا العرب الخليجيين. فمن يشغل غرف و«سويتات» الفنادق اليوم هم رجال الاعمال من الجنسية السورية. هذا عدا عن الإجتماعات الإقليمية التي كانت تعقد قبل فرض حكومات دول الخليج الحظر على مواطنيها المجيء الى لبنان. أما الإستثناء الوحيد فتمثل في حلول العراقيين مكان السعوديين في هذا المجال. لكن لا احد يحل مكان الخليجيين في عملية الإنفاق كما يقول الأشقر، لان أحداً لا يملك حجم مداخيلهم ولا توجد قاعدة شعبية مشابهة لتلك القاعدة الشعبية الخليجية التي تتمتع بالامكانات المادية.
هذا في المبدأ، لكن الزمن الأول تحول. فالخليجيون حولوا وجهات سياحتهم إلى أوروبا وأميركا بعدما كانت بيروت ولبنان وجهتهم السياحية الثابتة. ومنهم من كان يحجز تذاكر السفر وغرف الفندق على مدار السنة لتمضية وقته في لبنان «لكننا خسرناهم، كما خسرنا الاردنيين حيث كان يقصد نحو 70 في المئة منهم لبنان براً. اما اليوم فالمواصلات البرية مقطوعة نهائياً».

الى منتجعات اميركا واوروبا
نسأل عن المغترب اللبناني الذي يعول عليه القطاع السياحي الكثير، وحتى أصحاب المؤسسات السياحية على اعتبار أنه لا يفوت فرصة لزيارة أهله في لبنان. أكثر من ذلك هو لا يسأل عن امن وسياسة البلد طالما أنه آت إلى الوطن ليمضي عطلته الصيفية بين أهله وعائلته. لكن حساباته كانت مختلفة هذه السنة. ويقول الأشقر: «هناك نوعان من السياح، المغترب اللبناني والخليجي عموماً وعدد محدود من الاوروبيين، انما التشغيل الاساسي هو من أهل الخليج. لكن التواجد الخليجي اليوم معدوم، والمغتربون الذين لديهم الإمكانات المادية التي نستفيد منها، توجهوا في غالبيتهم الى اوروبا والولايات المتحدة الاميركية ومونتي كارلو وغيرها… هذا عدا عن المناسبات الكبرى التي ألغيت ومنها بحسب اوساط وزير السياحة فادي عبود 200 عرس كانت مقررة في لبنان، لكنها تحولت الى اوروبا، لأن المدعوين يخشون المجيء إلى لبنان. أما المدعوون اللبنانيون فوضبوا حقائبهم وسافروا إلى أوروبا لحضور حفلات الزفاف وقضاء موسم الصيف مع الأهل في أوروبا أو قبرص الموجودة على مرمى حجر!

 

 

الجندي المجهول
انه واقع لا يختلف عليه اثنان وإن كنا كلبنانيين في الداخل تعودنا عليه وتعايشنا مع فصول يوميات الأمن المهزوز والفتنة النائمة احياناً والمتنقلة أحياناً أخرى. لكن الأمل بقي معلقاً على فئة لبنانيي الإغتراب. وهذه الفئة تتكل عليها أقضية عدة ومنها كسروان التي احيت بلديتها بالتعاون مع شركة «فينيلوبليس» مهرجاناتها الدولية وكان للمشهد اللبناني الإغترابي أكثر من محطة. مدير أحد الفنادق أكد أن نسبة التشغيل في فنادق القضاء كانت جيدة مقارنة مع واقع السياحة في العاصمة والضواحي. لكن إذا قارناها بالعام الماضي نجد أن الهامش كارثي، لا سيما على المدى البعيد. فالحضور العربي كان معدوماً حتى خلال شهر رمضان وكذلك الأجنبي. أما المغترب اللبناني فأضاء سماء المهرجانات لكن الحركة كانت خفيفة وهذا ما لمسناه في حركة التلفريك وحركة السياحة في مرفأ جونيه، وحجوزات المطاعم…
صعوداً نحو الجبل وتحديداً نحو بحمدون – المحطة التي تعاني بدورها من شح في عدد السياح العرب والخليجيين. رئيس بلديتها أسطا أبو رجيلي حاول في البداية تصنيف المغترب: «هناك نوعان من الإغتراب اللبناني: الاول الذي يعمل في الدول العربية وافريقيا والثاني الذي يعيش في اوروبا واميركا واوستراليا، لكنهما يمثلان الجندي المجهول للقطاع السياحي. ويشكل النوع الاول نحو مليون ونصف مليون لبناني، اما الثاني فيقدر بملايين عدة… ويكفي أن يزور لبنان مغتربو الدول العربية وافريقيا في موسم الصيف كما سواها، حتى ينتعش القطاع ككل من خلال تحريك الحركة الشرائية في الأسواق والمطاعم». وأضاف ابو رجيلي: «صحيح أن الحركة التي يخلقها المغترب في البلد تنعش الاقتصاد، الا انها تبقى ناقصة لأن المغترب اللبناني لا يحرك كل القطاعات السياحية مثل الفنادق أو انماء المناطق البعيدة عن العاصمة». وأشار الى أن الحركة السياحية تشكل نحو 20 في المئة من المدخول القومي. وعندما تتراجع الحركة السياحية بنسبة 40 و50 في المئة تتضرر باقي القطاعات، لا سيما الفندقية والمطاعم والأسواق التجارية».

تهشيل المغترب
يؤكد أبو رجيلي أن حنين المغترب اللبناني دفعه في أكثر من موسم إلى القيام بمغامرة «لكن الصورة التي يعكسها السياسيون في وسائل الإعلام بدأت تضر بصورة الوطن وعززت من قناعة المغترب اللبناني بعدم التوجه إلى لبنان، خصوصاً المتزوجين من أجنبيات. وتحولت وجهة سياحتهم إلى دول أوروربا أو إلى ولايات اميركية. وكشف أن عدد المغتربين كان منخفضاً جداً هذه السنة مقارنة مع العام الماضي ولم يتعد ربع العدد الذي كان مقدراً بالمليون. واستطرد: «زعماؤنا لا «يقتلون» اللبناني المقيم وحسب إنما أيضا المغترب. فالأسباب التي دفعت اللبناني قديماً إلى الهجرة لا تزال حاضرة. الحرب والموت والضائقة المعيشية والفقر. فماذا تغير؟! وكيف نقنع اللبناني المغترب بالمجيء أو العودة للإستثمار طالما أن مقومات الحياة والأمن غير متوافرة؟ وكأننا نقول لهم إذهبوا وفتشوا عن مستقبلكم في ديار الغربة».
حتى منتصف شهر تموز (يوليو) أحصي عدد السياح بـ 7000، من بينهم مغتربون لبنانيون. وإذا تأملنا أكثر فقد يصل العدد إلى 10 آلاف لأن المدارس في اوروبا وأميركا تفتح أبوابها في منتصف شهر آب (اغسطس)، وفي ذلك تكون نسبة الخسائر مضاعفة لأن مطلق أي مغترب لبناني يأتي إلى لبنان ويصرف مبلغاً يراوح بين 20 ألف دولار و30 الفاً  بين المطاعم والفنادق والأسواق والباقي يتركه لأفراد عائلته. لكن ما يعزي وفق ابو رجيلي هو أن مواسم السياحة عند المغترب اللبناني ليست محصورة في موسم الصيف، لا سيما الموجودين منهم في دول الخليج وأوروبا، لكنها تبقى رهناً بالأمن والإستقرار. فإذا لم يتوافر هذان العاملان «نخشى أن تطول سياحة السياحة في لبنان وتهاجر إلى غير عودة».
وفي العام 2005 كان يصل عدد السياح الذين يدخلون مطار بيروت الى 14 ألفاً يومياً والخارجين 400 وتنقلب موازين هذه المعادلة في نهاية شهر آب (اغسطس). اليوم لا يتجاوز عدد الوافدين الـ 100 طائرة يومياً هذا عدا عن الإلغاءات. وبحسب احصاءات نقابة المطاعم فقد تراجعت الحركة 40 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة مقارنة مع العام الماضي. وهذا طبيعي إذا سلمنا بأن عدد المغتربين الذين قصدوا لبنان ليس ضخماً كما جرت العادة في كل سنة على ما يقول مدير أحد المطاعم في منطقة جونية. وإذا احتسبنا غياب السياح العرب والخليجيين نرى ان المعادلة شبه طبيعية لكنها حتماً كارثية. وعلى رغم الحركة الخجولة جداً التي شهدتها الأسواق في شهر رمضان «إلا أننا نخشى من الآتي خصوصاً ان الأوضاع السياسية في الداخل باقية على حالها حتى تتبلور الصورة في سوريا. والواضح ان عمر الأزمة هناك طويل جداً».

تحويلات المغتربين… الرافعة
سياسياً، ساهم المغتربون اللبنانيون في إيصال صوت لبنان إلى مراكز القرار في الدول المضيفة، وتمكنوا من توسيع رقعة الوطن الجغرافية وتوثيق روابط الصداقة بين بلدان الاغتراب والوطن الأم. أما في المجال الاقتصادي فقد ساعد الاغتراب اللبناني في مساندة المقيمين في الداخل حتى في أحلك الظروف ونهوض القطاع الاقتصادي من كبواته المتعددة. وتشير دراسة أعدها البنك الدولي أن تحويلات المغتربين اللبنانيين بلغت في العام 2006 ما مجموعه 5،6 مليارات دولار. في حين بلغ مجموع صادرات لبنان في الفترة نفسها 4،2 مليارات دولار. وفي العام 2012 قدر حجم تحويلات الإغتراب اللبناني بـ 7،5 مليار دولار، مما يؤكد ان القيمة لا تزال جيدة وهي لا تتأثر حتماً بحركة انعدام سياحة المغتربين اللبنانيين. «لكن إذا استمر الضغط على اللبنانيين العاملين في الخليج واشتدت حدة ازمة البطالة في اوروبا والولايات المتحدة فالثابت أن قيمة التحويلات ستنخفض لكنها تبقى بمثابة الرافعة في الإقتصاد اللبناني». كما يقول الخبير الإقتصادي غازي وزني، علماً بأن ذلك لا يلغي حتماً التداعيات السلبية على عدم مجيء المغتربين اللبنانيين لإحياء موسم الإصطياف في لبنان. وهو يحددها بثلاث نقاط: على صعيد القطاع السياحي، لا شك في أن الحركة كانت خفيفة سواء في المطاعم أو في حركة استئجار شقق او الحجوزات في الفنادق. وهذا أمر طبيعي لأن المغترب يأتي في العادة إلى بيت الأهل أو بيته العائلي.

غياب حركة الاغتراب
اما على مستوى الحركة التجارية فالأسواق لمست حتماً غياب حركة الإغتراب على رغم التنزيلات التي اعلنت مع بداية موسم الصيف. وتبقى حركة الإستثمار العقاري التي شهدت جموداً لأن حركة شراء العقارات قائمة بنسبة 45 في المئة على المغترب اللبناني. واعتبر وزني أن تحويلات المغتريبن تشكل دعماً للإقتصاد اللبناني وهي تتوزع بين الإستثمار العقاري والمصارف اللبنانية. والباقي يذهب لحساب الأهل والعائلة.
وحده قطاع تأجير السيارات تميز بالحركة في هذه المرحلة بفضل المغترب الذي يعتبر المشغل الأساسي له، إضافة إلى المقيمين كما يقول نقيب أصحاب وكالات تأجير السيارات محمد دقدوق. اما تشغيل السياح الاجانب والعرب للقطاع وهم في غالبيتهم من الاردنيين والعراقيين فلا يتعدى الـ 5 في المئة. واعتبر أن «التراجع في قطاع تأجير السيارات يبقى مقبولاً مقارنة مع باقي القطاعات السياحية لا سيما الاشغال الفندقي، لأن من يحرك القطاع السياحي راهناً هو المغترب اللبناني. من هنا نسعى كقطاع الى تثبيت علاقة العمل مع المغتربين وتعزيزها ولو على حساب بعض الزبائن المحليين والمقيمين». اما عن نسبة الايرادات في هذا القطاع، فقال: ليست بمرضية لا سيما أن نتائج الـ 6 أشهر الماضية كانت سيئة جداً إذ لم نتمكن من تغطية الأعباء والإلتزامات تجاه المصارف والشركات، كما تراجعت حركة عائدات القطاع 35 في المئة مقارنة مع العام الماضي.
دقدوق تأمل في تحسن الحركة في فترة ما بعد شهر رمضان، أي من 20 آب (اغسطس) المقبل وحتى نهاية شهر أيلول (سبتمبر)، «لأن ارتفاع الحرارة في الدول العربية ودول الخليج في هذه الفترة لا يحتمل وبالتالي فإن العرب والخليجيين مجبرون على ترك بلادهم. وقد يكون لبنان البلد الأكثر «أماناً» في الشرق الاوسط». واستعداداً لهذه الفترة فإن عروضاً كثيرة ستقدمها وكالات او شركات تأجير السيارات وبأسعار تشجيعية. فلنتأمل خيراً. وندعو أن تبقى الفتنة نائمة في مهدها حفاظاً على كل المواسم في لبنان.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق