أبرز الأخبار

حكومة سلام بداية مرحلة التغيير وتكريس معادلة سياسية جديدة

بعد عشرة اشهر وعشرة ايام على تكليف تمام سلام، اعلن الاخير عن ولادة حكومة «المصلحةالوطنية». وهذه الحكومة انجزت بيانها الوزاري قبل يومين على انتهاء مهلة الشهر المنصوص عنها في المادة 64 من الدستور، والا اصبحت مستقيلة في نظر البعض وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري، الذي اعتبر المهلة مهلة اسقاط وليست مهلة حث.  فيما اشار اخرون الى ان المشترع اراد من خلال المهلة حث الحكومة على الاسراع في اعداد بيانها الوزاري ليتسنى لها ممارسة صلاحياتها في اسرع وقت، فلو ارادها مهلة اسقاط لكان اشار الى ذلك في المادة 69 (حالات استقالة الحكومة) وفق ما يقول مرجع دستوري ووزير سابق للعدل.

بعد فشل لجنة الصياغة في الاتفاق على البيان هدد سلام بالاستقالة قبل يوم السبت الفائت اي قبل يومين من انتهاء مهلة الشهر، اذا لم يتم الاتفاق على البيان الوزاري، لتجنب ادخال البلاد في سجال دستوري وازمة جديدة، رافضاً اية مساومة او تسوية او تغيير في الموقف. وعجّل موقف سلام في  دفع الحكومة مجتمعة عند منتصف ليل الجمعة – السبت الفائت الى انجاز البيان الوزاري بعد مخاض عسير ونقاش دام 28 يوماً حول جنس الملائكة، في الوقت الذي يتعرض فيه البلد الى ابشع التداعيات والى سلبيات انعكست على كل المستويات.
ويعزو وزير مستقل النقاش الذي سبق الاتفاق على البيان الوزاري الى انعدام الثقة بين الافرقاء السياسيين، واصرار كل طرف على تسجيل انتصار على الاخر، والخروج من معركة البيان الوزاري مسجلاً نقاطاً على خصمه، بعدما تبين ان احداً من الاطراف لم ينتصر في صيغة التشكيل، بل ان القوى السياسية سجلت تنازلات متبادلة على رغم السقوف العالية التي اعلنت عنها وباتت اسيرة لها، ورفع بعضهم سقف الشروط والمطالب، مما جمّد التأليف. ويروي احد الوزراء الجدد ان الوزراء امضوا ساعات في القصر الجمهوري مساء يوم الجمعة من الاسبوع الفائت  في النقاش حول «كلمة مقاومة هل تعرف بال التعريف ام تبقى مشرّعة امام اللبنانيين او المواطنيين تحت مرجعية الدولة، او دور وواجب الدولة وسعيها لتحرير الارض…». واعتبر الوزير ان ما جرى امر معيب بحق اللبنانيين الذين يراهنون على ان تسهم الحكومة في اخراجهم من الحال التي هم فيها.

عمق الخلاف
ماذا يعني كل هذا؟ يقول وزير في الحكومة انه يعكس عمق الخلاف بين الاطراف وعدم توفر مظلة وفاق اقليمية، وارتباط الافرقاء كل بمرجعية خارجية وبمشروع اقليمي او دولي، ويعمل وفق اجندات تتجاوز حدود الوطن. فلو كان الخلاف محلياً ولو كانت هناك مرجعية دستورية محلية لما استغرق التشكيل عشرة اشهر، ولما امضت لجنة صوغ البيان شهراً الا يومين للموافقة عليه في جلسة لمجلس الوزراء، بعدما فشلت اللجنة في انجاز الصياغة. وهذا ما حمل الرئيس سليمان في اكثر من مناسبة على المطالبة بضرورة سد الثغرات ومعالجة النواقص في الدستور والعمل على معالجة الخلل الذي ظهر من خلال الممارسة، واعلن رؤساء جمهورية ما بعد الطائف عن ضرورة تعديل الدستور لمعالجة الثغرات وجوبهت المطالبة برفض من القيادات الاسلامية. وتقول اوساط في قوى 14 اذار ان حزب الله الذي لمس الخسائر من جراء تورطه في سوريا وشعر بتداعيات قرار القتال الى جانب النظام عليه وعلى البيئة الحاضنة، حاول تسجيل انتصار في البيان الوزاري على اثر مساءلته من قبل بيئته عن الاسباب التي حملته على التخلي عن شروطه ومواقفه في التشكيل، والمبادرة الى «صيغة تفاهم» تنازل فيها عن سقف مواقفه لصالح قوى 14 اذار. واراد الحزب ان يؤكد في البيان على ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة وان بطريقة مواربة وليس بالصيغة التي كانت معتمدة في البيانات السابقة. وتعزو اوساط في 8 اذار تأخير صياغة البيان الوزاري الى محاولة قوى 14 اذار تكريس واقع جديد من خلال معطيات جديدة، في مسعى لتغيير قواعد اللعبة على الساحة، والافادة من مواقف الرئيس سليمان الاخيرة عندما طرح معادلة الارض والشعب والقيم، واصفاً اياها بالذهبية محل معادلة الشعب والجيش والمقاومة التي وصفها بالخشبية، وعندما اعلن ان اعلان بعبدا بات ميثاقياً معترفاً به دولياً واقليمياً وبات وثيقة من وثائق الامم المتحدة والجامعة العربية.

لماذا الصراع؟
لماذا كان الصراع حول البيان الوزاري لحكومة الشهرين؟ يقول احد المراقبين ارادت قوى 14 اذار ان تشكل حكومة سلام بداية مسار التغيير، وان يكون بيان الحكومة انطلاقة لهذا التغيير، والانتقال من مسار الدولة الضعيفة الى مسار الدولة القوية، ومن منطق الدويلة التي يرعاها حزب الله الى منطق الدولة. وخلق البيان واقعاً سياسياً جديداً ادى الى خلق موازين سياسية جديدة وتبديل في المعادلات. واوجد معادلات لبنانية بحيث لاقى مواقف الرئيس سليمان حول المسلمات الوطنية وسقف التعاطي السياسي. ويقول وزير في قوى 14 اذار ان  تراجع الحزب محلياً وتخليه عن مواقفه المتصلبة يعكس حال تقهقر لمحوره السياسي في المنطقة، وتصدع مشروع الممانعة بسبب ما تتعرض اليه سوريا. وقد زادت الازمة الاوكرانية في الطين بلة وساهمت في زيادة التأزم بين القوى الدولية والاقليمية وربما شهدت الساحة الدولية كباشاً بين الجبارين على رغم اصرارهما على استمرار الاتفاق والتوافق وحل المشاكل والازمات بالحواروالتفاوض، بعيداً عن العنف ولغة السلاح.
ويؤشر البيان الوزاري لحكومة سلام الى مرحلة تغيير في لبنان، والى قيام تحالفات جديدة قد تظهر بوادرها عشية الانتخابات الرئاسية.ويصف احد المراقبين حكومة سلام بانها حكومة بداية التغيير في الواقع السياسي بعدما وفر مؤتمر باريس المظلة والرعاية الدوليتين  ورسم خريطة الطريق التي قد تستفيد منها حكومة سلام في كل المجالات، لا سيما الاقتصادية بعد الامنية، مع بدء خطة تسليح الجيش نهاية نيسان (ابريل) وعلى مدى سنتين وفق لائحة وضعتها قيادة الجيش بالحصول على سلاح نوعي لتعزيز قدرات الجيش فيصبح القوة الاقوى على الساحة والقوة القادرة على فرض هيبة الدولة.

فيليب ابي عقل
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق