افتتاحية

اتقوا الله في ما تفعلون

الكل كانوا في اجازة قدمها لهم عيدا انتقال السيدة العذراء والاضحى المبارك، وقيل يومها انها فرصة طبيعية قدمت للسياسيين والمعنيين بتشكيل الحكومة لمراجعة حساباتهم، واعادة النظر في مواقفهم. ووعد اللبنانيون بان الفرج ات بعد الاعياد، ولكن شيئاً لم يتبدل حتى الساعة. انتظر اللبنانيون الرئيس سعد الحريري ليعود من اجازته، معللين النفس بولادة حكومة ترعى شؤونهم بعد ان لامس وضعهم الاجتماعي الخط الاحمر. الا ان شيئاً لم يتبدل، ذلك ان العقد المعرقلة توحي بان التشكيل، قد يطول كثيراً وقد يمتد الى العام المقبل او الى ما هو ابعد. العبارات باتت مألوفة في هذا المجال. المسؤول يقول انه متفائل وينشر هذا الجو حيثما حل، على امل ان يخفف من وطأة ما يجري، غير ان التيارات الاخرى تقول العكس. انها افكار يروج لها اصحاب الشأن، ولكنها لم تعد تثمر ولم تعد تلهي المواطنين الذين باتوا على اقتناع تام، بان اي حلول او اصلاح او محاربة فساد طرقها كلها مسدودة، ولن يتحقق منها اي امر، طالما ان الطبقة السياسية المتحكمة بالامور هي اياها منذ عشرات السنين، وقد فشلت في تقديم اي شيء للوطن وللمواطن على حد سواء.
فهناك تيار موال لسلطة الوصاية التي ذاق اللبنانيون الامرين على يديها، وقد ظهر على الساحة بقوة ممارساً الابتزاز السياسي، فاخترعوا قضية المعابر مظهرين غيرة مصطنعة على الاقتصاد الذي تدهور ووصل الى ما هو عليه على ايدي الطبقة السياسية كلها. فتحدثوا عن شروط لاعادة فتح هذا المعبر او ذاك وتسهيل الطريق الى دول الخليج براً. فمتى كان لفتح الطرقات الدولية شروط؟ انهم يلجأون الى هذه الذريعة لارضاء الاوصياء عليهم. هل هذه هي مكافأة لبنان واللبنانيين الذين استقبلوا اكثر من مليون ونصف المليون لاجىء سوري، فروا من بلادهم خوفاً من الحرب، فدفع هذا البلد غالياً ثمن هذا النزوح، ان في الامن او في الاقتصاد او في القضايا المعيشية. فضلاً عن ان عدداً كبيراً من النازحين حلوا مكان اللبنانيين في الشركات والقطاعات كلها.
الانقسامات بين السياسيين اصبحت وجبة يومية، تتمدد باستمرار لتشمل كل القطاعات، من السياسة الى الاقتصاد الى البيئة الى جميع الملفات الحياتية، من فقر وبطالة وكهرباء ومياه ونفايات، خصوصاً النفايات التي تمر السنون والمسؤولون عاجزون عن ايجاد حلول لها، والسبب في ذلك الخلاف على الحصص والمنافع المادية. واخيراً ابتكروا حل المحارق وهي اشد وادهى من بقاء النفايات في الشارع لان المحارق تحمل في طياتها الموت الزؤام. لذلك تحركت ولو بخجل منظمات من المجتمع المدني اعتصاماً امام مبنى بلدية بيروت، رفضاً لاعتماد المحارق كحل، مطالبين بحلول علمية بيئية نافعة اسوة ببلدان العالم المتمدن.
ان العلة الاساسية التي تسببت في هذا الوضع المتأزم والتي تحول دون تشكيل حكومة جديدة، هو فتح معركة الرئاسة باكراً. فالعقد التي تسد طريق ولادة الحكومة تصبح صغيرة، ومطية لهذا الموضوع الخطير، لان التفكير منذ اليوم بمعركة الرئاسة من شأنه ان يسد طريق الاصلاح ومحاربة الفساد وكل المشاريع التي يمكن ان تساهم في حلحلة الامور، ذلك ان معركة الرئاسة ستستهلك كل شيء وتسخره لخدمتها. فكأن اللبنانيين لم يعد ينقصهم الا هذا الملف يضاف الى عذاباتهم اليومية. فاتقوا الله في ما تفعلون.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق