سياسة لبنانية

الوضع اللبناني يراوح في دائرة الانتظار الإقليمي

لا مؤشرات الى اختراقات وانفراجات سياسية في الملفات الأساسية وأولها الملف الرئاسي، ولا تقدم في الأوضاع التي تراوح في دائرة الانتظار الإقليمي، وفي ظل الأفق السياسي المسدود حتى إشعار آخر. مجلس النواب معطل ولم ينقذه مخرج «تشريع الضرورة». الحكومة انتقلت عملياً الى وضعية تصريف الأعمال ومنسوب التوتر والتشنج داخلها الى ارتفاع مع اقتراب معركة القلمون من جرود عرسال، ومع اقتراب فتح ملف التعيينات الأمنية…
الحوار الدائر بين حزب الله والمستقبل صار روتينياً. أهميته في أنه صامد رغم كل شيء وجدواه تكمن في استمراره وليس في نتائجه… هذا الحوار يمشي بين النقاط والألغام، ويمر في مطبات متتالية. و يكاد لا يخرج من اختبار حتى يقع في آخر… وهكذا، وبعدما اتفق على تحييد ملف اليمن وتجاوزه مع أن وقعه جاء ثقيلاً بفعل التوتر الكبير الناشىء بين إيران والسعودية، فرض الملف السوري نفسه مجدداً وهذه المرة من باب معركة القلمون. ففي جلسة ليل أمس (التي غاب عنها الحاج حسين خليل لدواع صحية وعقدت رغم ذلك حتى لا يُساء التفسير ولا يعطى الغياب سبباً سياسياً ولا يحدث انقطاع في جلسات الحوار)، لم يكتم وفد تيار المستقبل قلقه من التطورات الأمنية، مستنداً الى خطاب السيد حسن نصرالله الأخير الذي ألمح فيه الى الدخول عسكرياً الى جرود عرسال، ومنبها الى مخاطر مثل هذه المواجهة على أمن المنطقة الحدودية مع سوريا، والى مغبة توريط الدولة والجيش في معركة ستؤدي الى تأجيج نار الصراعات والفتنة المذهبية.
أما مبادرة العماد عون عبر طرح «مقترحات» للخروج من الأزمة الرئاسية والسياسية، فإنها شهدت انطلاقة متعثرة ولم تنفع دعوة السيد حسن نصرالله الى التعاطي معها جديا وأخذها في الاعتبار… فالرئيس نبيه بري عمل بعكس نصيحة نصرالله وأهمل مبادرة عون الى حد أنه آثر عدم الالتقاء بوفد تكتل الإصلاح والتغيير وأحاله الى نائبه أيوب حميد وكتلته النيابية… وبرر بري فعلته بأنه ينتظر ما لدى نصرالله الذي تحدث عن مقترح خامس لديه لم يكشفه في خطابه… وأما تيار «المستقبل» المعني الأول برسائل عون ومبادرته، فقد كان «أكثر لياقة سياسية» من بري في الشكل والبروتوكول، ولكنه أكثر تشدداً منه في الموقف. فقد حدد الرئيس فؤاد السنيورة موعداً لوفد عون ولكنه استبق هذا الموعد بموقف كان كافياً لإيصال رسالة الرفض القاطع لمقترحاته التي تعني من جهة تعديلاً دستورياً في اتفاق الطائف، ومن جهة ثانية إعادة ترتيب للأولويات بحيث لا يعود انتخاب رئيس الجمهورية أولوية وتتقدم عليه الانتخابات النيابية على أساس قانون جديد.
من الواضح أن الحركة السياسية المتواضعة قياساً الى حجم الأزمة والأحداث ما زالت تدور في «الفراغ»، وتبدو وظيفتها أقرب الى تقطيع الوقت وفترة الانتظار الى حين انقشاع الرؤية الإقليمية بدءاً من تموز بعد التوقيع على الاتفاق النووي النهائي مع إيران وانطلاق مرحلة التسويات التي ستكون مسبوقة بمواجهات وحروب تحسين الشروط والمواقع ورسم حدود الأدوار والأحجام. وأما التغيرات التي تحدث في الخريطة السياسية، فإنها تغيرات غير أساسية وتظل تجري تحت سقف الفرز المتواصل سياسيا بين فريقي 8 و 14 آذار. وهكذا فإن:
– علاقة عون مع حزب الله تعود الى  وضعها الطبيعي والى النقطة التي كانت فيها قبل مشوار عون الحواري مع المستقبل… نصرالله كسب رهانه على أن هذا الحوار لن يصل الى نتيجة، وعون توصل الى هذه القناعة، وأن المستقبل أخذ من الحوار ما يناسبه ويفيده.
– علاقة بري ـ عون تظل في وضع «الاهتزاز» الذي يعنف أحياناً ويخف أحياناً أخرى في حركة لا تهدأ من «صعود قليل وهبوط كثير»، ومهما اشتدت الخلافات، فإنها تظل مضبوطة تحت سقف استراتيجي وتحت إدارة ووساطة حزب الله. وما يختلف الآن أن حاجة حزب الله الى بري ازدادت وأن هامش تحرك بري وتمايزه اتسع، وان رغبة حزب الله في ممارسة ضغوط على بري تراجعت.
– علاقة المستقبل مع عون عادت الى مرحلة ما قبل «حكومة سلام» ونهاية شهر العسل بينهما لم تنتظر نهاية الحكومة… وهذه العلاقة التي بنيت على «حوار المصالح» تقف أمام فترة  زمنية حاسمة تعد بالأيام وتواجه اختبار «التعيينات الأمنية» ابتداء من مطلع حزيران (يونيو)… يتلازم ذلك مع اختبار آخر تواجهه العلاقة بين حزب الله والمستقبل و«حوار الضرورة» بينهما، في خلال أيام وأسابيع معدودة ويتمثل في موقف المستقبل من معركة جرود عرسال والذي سيكون في أساس موقف الحكومة وسياستها، وبالتالي في موقف الجيش وأدائه على الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق