رئيسيسياسة عربية

كيري اخفق للمرة الخامسة في احياء مفاوضات السلام

هل يمكن ان يعود وزير الخارجية الاميركية جون كيري مجدداً الى المنطقة، خلال اجل مسمى، ليستأنف ما بدأه على مستوى اعادة الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني الى طاولة المفاوضات؟ هذا السؤال طرح بالحاح نهار الاحد الماضي، وبالتحديد بعد ان اخفق كيري اثر يومين من المحادثات في تحقيق الغاية التي اتى من اجلها للمرة الخامسة جائلاً في عواصم المنطقة منذ شهر شباط (فبراير) الماضي.

رئيس الديبلوماسية الاميركية الذي خاض غمار محادثات مكوكية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ظل باعتراف الطرفين والمتابعين، يصطدم بتصلب الجانبين وصمودهما بشراسة عند مواقفهما وشروطهما المعروفة منذ زمن للعودة الى الجلوس الى طاولة المفاوضات مباشرة، المعطلة منذ عام 2009، وهي وقف الاستيطان ولو بصورة غير معلنة والتزام خط الرابع من حزيران (يونيو) والقبول بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، والافراج عن المعتقلين الفلسطينيين خصوصاً اولئك الذين قبض عليهم قبل توقيع اتفاقية اوسلو في عام 1993.
لكن الجانب الاسرائيلي، رفض اعطاء اي تعهد او التزام بوقف اعمال البناء في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية، انطلاقاً من ان الحكومة الاسرائيلية السابقة قامت بتجميد الاستيطان لتسعة اشهر من دون ان يساهم ذلك في دفع المفاوضات قدماً الى الامام.
لم يكن لأي راصد لهذا الموضوع ان يقيم على وهم بامكان ان ينجح كيري في احداث خرق في مجال اعادة بعث الروح في طاولة المفاوضات التي تجمع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، ولكن السؤال الذي بات ملحاً هو: ما الذي تريده الادارة الاميركية من هذا الجهد الشاق الذي تبذله والذي كلف وزير خارجيتها نحو 36 ساعة متواصلة من المحادثات بين نتانياهو وعباس طوال رحلاته الخمس الى كل من القدس ورام الله؟

الهدف الاميركي
الواضح ان الهدف الاساسي لدى الادارة الاميركية هو في ممارسة اقصى انواع الضغط على الطرفين ليعودا الى الجلوس وجهاً لوجه، وتفتح معها آفاق مرحلة جديدة ليس مهماً ان تطول او تقصر، وليست مهمة النتائج والثمار التي يمكن ان تظهر، فالمهم صورة ممثلي الطرفين ومعهما صورة الراعي الاميركي المتابع عن كثب مسار المفاوضات، وساعتها بامكان ادارة الرئيس باراك اوباما ان تبعث برسالة الى من يعنيهم الامر، وخصوصاً الى العواصم العربية فحواها انها وفت بما تعهدت به سابقاً، وبما كانت شرعت به قبل سنوات وغايته المساهمة في ايجاد حل للقضية الفلسطينية عبر اقامة الدولة الفلسطينية الموعودة.
ولكن يبدو من خلال مسار الامور ان الادارة الاميركية حرمت حتى الان من فضيلة الصورة الجامعة للمتصارعين الاكبرين في المنطقة منذ نحو ستة عقود من الزمن.
لماذا؟ وبمعنى اخر لماذا بلغت التعقيدات بين الاسرائيليين والفلسطينيين درجة بات من الاستحالة بمكان ان يرسلا ممثلين عنهما للاجتماع في مكان ما برعاية واشنطن، وهما اللذان وقعا في السابق اكثر من اتفاقية وابرزها اتفاقية اوسلو عام 1993، وخاضا طوال سنوات غمار اكثر من جلسة تفاوض اطلقت عليها «مفاوضات الوضع النهائي؟».
  ثمة تفسيرات وتحليلات عدة للاسباب التي تمنع كل طرف من العودة الى الطاولة التي جمعتهما وراءها للمرة الاخيرة في العام 2009.
هناك معلومات تقول بأن الجانب الفلسطيني لديه اكثر من سبب يمنعه من المغامرة مجدداً والجلوس الى طاولة التفاوض مع الجانب الاسرائيلي وابرزها، ان الاسرائيلي لم يقدم حتى اليوم اي برهان عملي ملموس يدل على انه في وارد وقف اعمال الاستيطان التي تعتبرها القيادة الفلسطينية مقدمة لازمة وضرورية لكي يثبت الجانب الاسرائيلي انه فعلاً في وارد الخروج في ذات يوم من الايام من اراضي الدولية الفلسطينية الموعودة، وهو الثمن الذي حصل عليه الزعيم الفلسطيني التاريخي الراحل ياسر عرفات، لحظة وافق على التوقيع على اتفاقية اوسلو التي هي نتاج مفاوضات سرية، ولحظة وقع على بند الكفاح المسلح واعترف بما كان يرفض الاعتراف به منذ عقود وهو حق اسرائيل بالوجود.

اسباب فلسطينية
وثمة سبب اخر لدى القيادة الفلسطينية يحول دون ذهابها الى طاولة المفاوضات ضمن الرؤية الاميركية، وهو الطموح الذي بات يقطن في اذهان هذه القيادة بامكان التوجه الى الرأي العام الدولي بعدما تم الاعتراف بفلسطين عضواً مراقباً في الامم المتحدة.
ولم يعد خافياً ان القيادة الفلسطينية لوحت باللجوء الى هذا الخيار في كل مرة وجدت فيها نفسها امام حائط مسدود، واستطراداً امام ضغوط اميركية لحضها على الذهاب الى طاولة المفاوضات.
ولم يعد جديداً القول ايضاً ان اسرائيل تبدي استياء من مثل هذا الخيار وهي تتوعد الفلسطينيين باجراءات وخطوات قاسية كلما لوحوا بالاستعانة بالرأي العام الدولي.
ومما يذكر ان الاسرائيليين فرضوا عقوبات مالية وعسكرية مشددة على الجانب الفلسطيني عندما تحدت السلطة الفلسطينية كل تحذيرات وتهديدات الكيان الصهيوني وذهبت الى اعلى منبر دولي وحصلت على اعترافه كدولة عضو وهو ما يمنحها حقوقاً ومكتسبات مهمة على المستويين القريب والبعيد. والمعلوم ايضاً ان هذه العقوبات زادت على مدى اشهر منذ الازمة المالية للسلطة الفلسطينية.
اضافة الى ذلك، فثمة اسباب اخرى تحول دون عدم حماسة السلطة الفلسطينية التجاوب مع التمنيات والضغوط الاميركية والمضي قدماً نحو طاولة التفاوض مع الجانب الاسرائيلي، وهو ان وضع السلطة نفسه بات امام المحك، ولا يسمح لها بالذهاب نحو مغامرات وقفزات في المجهول، والى المضي الى المفاوضات من اجل المفاوضات فقط، فالسلطة نفسها تواجه رقابة مشددة ومحاسبة قوية من قاعدتها الجماهيرية، ومن الفصائل الفلسطينية الاخرى، وفي مقدمها حركة «حماس» التي قررت السلطة الدخول معها في رحلة مصالحة تنهي اعواماً من القطيعة والصراعات بينهما، لذا فإن هذه السلطة وان ارادت ان تصل بهذه المصالحة الى الخاتمة التي يرجوها منها الشعب الفلسطيني الذي اكتوى بنار الصراعات، فإن عليها ان تتفاهم ولو بالحد الادنى مع حركة «حماس» على هذه المسألة، وهو ما لا يسمح لها بالذهاب الى مفاوضات تدرك سلفاً انها ستكون بلا جدوى، بل ستتخذها اسرائيل في احيان كثيرة ستاراً لكي تنجز عمليات بناء المستوطنات واعتقال المزيد من الكوادر الفلسطينية الناشطة.
وعموماً باتت السلطة الفلسطينية لا تملك ترف المغامرة بالوقت، وبالتالي الجلوس الى مفاوضات تدرك ان ثمة من يحاسبها عليها ويحصي سكناتها وحركاتها.

حسابات ورهانات
اما الجانب الاسرائيلي فلديه ايضاً حسابات ورهانات تجعله لا يستجيب للضغوط والاملاءات الاميركية ويذهب مع تمنيات ورغبات واشنطن المستعجلة لانجاز ما على هذا الصعيد.
ومما لا شك فيه ان الكيان الصهيوني وضع نفسه تكتيكياً واستراتيجياً في وضع جديد منذ ان بدأ العالم العربي يترنح تحت وطأة ثورات «الربيع العربي» فيه، اذ بات ينتظر ما سيلد عن هذا المخاض العسير وخصوصاً في مصر وفي الساحة السورية على وجه الخصوص.
وحسب اراء مختلف المتابعين للشأن الاسرائيلي، فإن هذه الاوضاع المستجدة منذ نحو
ثلاثة اعوام زادت في منسوب القلق والتوتر وخلط الاوراق لدى القيادة الاسرائيلية، واستطراداً زادت من عمق الانقسامات والخلافات داخل النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة في الكيان العبري.
فثمة معلومات تقول بأن الادمغة العسكرية والامنية في اسرائيل، باتت في الآ
ونة الاخيرة تطالب القيادة الاسرائيلية بالاندفاع جدياً هذه المرة نحو تسوية نهائية مع الفلسطينيين، لان هذه الادمغة وخلافاً لقسم من السياسيين في تل ابيب، ترى ضرورة عدم انتظار المخاض العربي وعدم الرهان على المزيد من التفكك والضعف والوهن في الجسم العربي بفعل هذا المخاض، اذ لا يمكن لاحد التكهن بما يمكن ان يخرج من رحم هذا المخاض.
 لكن المشكلة الكبرى في اسرائيل تظل في العقل السياسي الاسرائيلي، وخصوصاً في اليمين الاسرائيلي المتشدد الذي يمارس تأثيره ونفوذه ويهدد بخلط الاوراق وقلب الطاولة اذا ما انتصر الرأي الاسرائيلي الداعي فعلاً الى خوض غمار مفاوضات جدية ومثمرة مع الجانب الفلسطيني.

حدود معينة
ومما لا ريب فيه ان هذا الرأي يعتمد دوماً وبشكل اساس على اطمئنانه الى ان الادارة الاميركية ستقف عند حدود معينة في ممارسة الضغوط على الجانب الاسرائيلي لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وبالتالي لن تصل الى حد التصادم او تجاوز الرغبة الاسرائيلية.
ماذا بعد؟
الموعد المقبل الذي ألمح اليه كيري لعودته الى المنطقة مجدداً هو في ايلول (سبتمبر) المقبل اي بعد نحو ثلاثة اشهر. والسؤال: هل سيحمل معه جديداً او هل ستتوفر من الان الى ذلك التاريخ معطيات ووقائع مستجدة تغير من الصورة النمطية المعروفة عن مسار المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية؟
بالطبع ما من احد بإمكانه المغامرة وبالتالي التكهن بحدوث خرق ما، ولكن الاكيد ان الجانب الاميركي لن ييأس ولن يستسلم وسيظل يبحث عن فرصة او على الاقل لكي لا يقال بأنه تخلى عما وعد به.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق