الاقتصادمفكرة الأسبوع

عودة الروح الى طريق الحرير

«طريق الحرير»، الذي اطلقه العالم الجغرافي الالماني فرديناند فون ريختهوفن قبل 127 عاماً على الممر التجاري الشهير الذي كان قائماً آنذاك على مدى اكثر من الفي عام بين الشرق والغرب، آخذ في الاتبعات من جديد. فما هي الدوافع وما هي النتائج؟

كانت طريق الحرير، اي طريق التجارة الشهيرة عبر آسيا والشرق الادنى، يعتمد على تبادل الخيول العربية الشهيرة مع الاقمشة الصينية. ولم يعتقد احد يوماً ان هذه الطريق التي اطلقت عليها هذه التسمية قبل نحو 127 عاماً، ستعود الى الظهور ولعب دور فاعل في التواصل والتفاعل. لكن ما كان مستحيلاً قبل سنوات طويلة اصبح امراً واقعاً اليوم. الى درجة ان كل سيارة من بين كل ثلاث سيارات جديدة تسير على طرقات الصين تعتمد على الوقود المستورد من الشرق الاوسط.

الصين حاضرة
والواقع ان الحضور الاقتصادي للصين بات قائماً في دول الشرق الاوسط، ويتزايد باستمرار وبوتيرة متسارعة، وعلى كل المستويات، وهذا ما يترجم عملياً خطوات فعالة، مثل قيام المهندسين الصينيين بتركيب 26 الف لوح زجاجي عاكس جرى قص كل لوح منها على حدة بشكل يدوي لكسوة برج خليفة البالغ طوله 828 متراً، والذي يعد اطول صرح معماري في العالم بأسره. كما ان البضائع والسلع الصينية ليست رائجة في المراكز التجارية في دبي فحسب، بل في سائر دول الخليج، وحتى في الازقة القديمة والتاريخية في مصر والمغرب العربي على سبيل المثال. وفي لبنان هناك تبادل واضح مع الصين تكنولوجياً وتجارياً وثقافياً، ويكفي ان نشير هنا الى ما قدمته شركة «هواوي» الصينية من خدمات معلوماتية للبنان، وانشاء معهد كونغو شيوس في جامعة القديس يوسف لتعليم اللغة الصينية.

3 عوامل
ويحدد رئيس الاسواق ورأس المال في احد المصارف البريطانية ثلاثة عوامل ساهمت في تطوير العلاقة القائمة بين الصين ودول منطقة الشرق الاوسط. واول هذه العوامل يتمثل في حاجة الصين الماسة والمتزايدة لنفط الشرق الاوسط بفعل التطور الصناعي والعمراني السريعين، واللذين اديا الى ارتفاع الطلب على الطاقة وتحويل الصين عام 1993 الى واحد من اهم مستوردي النفط. ومع نهاية عام 2012 تجاوزت الصين الولايات المتحدة في تحولها الى اكبر مستورد للنفط الخام في العالم. والحقيقة ان بكين تستورد احتياجاتها من النفط من منطقة الشرق الاوسط اكثر من اي منطقة اخرى في العالم. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة، يتوقع ان يقفز معدل مستوردات الصين من نفط الشرق الاوسط من 2،9 مليون برميل يومياً (بحسب احصاءات 2011) الى 6،7 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2035، وهو ما يعادل 60% من اجمالي مستوردات النفط للولايات المتحدة حالياً. وتعتبر السعودية اكبر مصدر نفطي الى الصين، حيث تمتلك شركات النفط السعودية مصفاتين للنفط في الصين، بينما بدأت الشركات الصينية الاستثمار في القطاع الصناعي والبنية التحتية في المملكة. كما وقعت ابو ظبي اخيراً اتفاقاً مشتركاً لانتاج النفط مع شركة البترول الوطنية الصينية بهدف تعزيز مستوى الانتاج في حقول ابو ظبي النفطية.
العامل الثاني يتمثل في توجه الصين الى دعم صادراتها وتعزيز تبادلها التجاري مع الشرق الاوسط، وقد زاد هذا التبادل نحو 50 ضعفاً خلال السنوات العشرين الماضية ليصل الى 300 مليار دولار تقريباً في 2013. وفي دبي تتصدر الصين قائمة الشركاء التجاريين تليها الولايات المتحدة والهند، وهذا ما ساهم في تحول دبي الى مركز اقليمي لطريق الحرير.
اما التعامل الثالث فيتمثل في السعي الى تطوير روابط مالية اوثق، حيث اصبح الرنمينبي (اليوان الصيني) العملة المختارة لتسوية التعاملات التجارية بين الدول القائمة على طول طريق الحرير الجديدة. وخير مثال على ذلك استخدام ابو ظبي اليوان في سداد ثمن الحديد الصلب المستورد من الصين لبناء مجمع المطار الجديد في الامارة. وعلى المدى الطويل يحتمل اجراء تسوية عقود السلع بما فيها النفط بشكل كامل باليوان. وامام كل ذلك نجد ان المسؤولين في المنطقتين يكثفون الزيارات المتبادلة حتى ان العاهل السعودي زار بكين في اول زيارة خارجية له.


الارث التاريخي
يعتبر المراقبون ان قيام العاهل السعودي، الملك عبدلله بن عبد العزيز بزيارة بكين في اول وجهة خارجية يؤكد مدى اهمية الصين بالنسبة الى دول الخليج العربي من دون ان نغفل الارث التاريخي المشترك بين جميع الدول الواقعة على طريق الحرير، واول دليل على التاريخ التجاري الذي كان قائماً بين دول طريق الحرير هو الالياف التي وجدت في شعر مومياء مصرية يعود تاريخها الى العام 1070 قبل الميلاد. فخلال العصور الوسطى كانت السفن التجارية الكبيرة المصنوعة من الخيزران تعبر الممرات البحرية بين الصين ومصر محملة بالسجاد الفارسي والخزف الصيني. ألم يذكر ابن بطوطة، الرحالة العربي الشهير في القرن الرابع عشر:«اذا كنت تسعى للنجاح فاجعل وجهتك شرقاً».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق