ملف

معارض المهن والوظائف.. احلام تتحقق و«دليل عافية»

قد لا نكون اقتربنا من الخط الأحمر في مسألة البطالة في لبنان، لكننا حتماً واقفون على سلم الهرم. واحتمال الوصول الى أعلى القمة وارد من دون شك، فعدد الخريجين يصل الى 35 ألف طالب سنوياً من كل الجامعات، ومن يحظى بفرصة عمل لا يتجاوز عددهم الـ20 ألفاً، والباقي؟ من دون أن نفكر كثيراً، الجواب واحد: الهجرة أو البطالة. هذا الواقع فرض تعميم فكرة معارض التوظيف التي تقام سنوياً في الجامعات او تنظمها شركات بهدف ايجاد فرص عمل للطلاب وخلق فسحة للتلاقي والتعاون مع أصحاب المؤسسات المشاركة في المعارض. لكن ما صحة الكلام عن تحول بعض هذه المعارض الى مساحة للدعاية على حساب خريجي الجامعات؟ وهل تكفي تعبئة استمارة لاقناع دفعة من الخريجين بغض النظر عن الهجرة أو التسكع على ابواب السفارات؟

في التقارير تفرح لمجرد القراءة أن معرض توظيف واحد في إحدى الجامعات ساهم في تأمين 265 وظيفة. فهل تنطبق هذه المعادلة على كل معارض التوظيف التي انطلقت منذ نحو خمس عشرة سنة في الجامعات الخاصة في لبنان؟!

محطة
نبدأ من معرض المهن الذي يقام سنوياً في الجامعة الأميركية في بيروت لمساعدة طلاب سنوات التخرج في إيجاد وظيفة من خلال فرص التلاقي التي يؤمنها بين أصحاب العمل والطلاب. وعلى رغم تحول هذا الحدث إلى تقليد إلا أنه شكل هذه السنة محطة في مسيرة عدد كبير من الطلاب، بعدما ساهم في تأمين ما لا يقل عن 258 فرصة عمل للخريجين في 141 شركة بحسب مصدر في مكتب شؤون الطلاب الذي تولى تنظيم المعرض في الجامعة. وأشار إلى أن 44 في المئة من الشركات المشاركة هذه السنة هي مؤسسات متعددة الجنسيات، وقد أبدت اهتماماً بحركة الإقبال الكثيف والحماسي للطلاب الذين وفدوا لتعبئة طلبات الترشح.
في حزيران (يونيو) من العام 1998 كان الموعد الأول لطلاب الجامعة الأميركية مع معرض المهن في قاعة العموم داخل مبنى «وست هول». يومها شاركت فيه 25 شركة ليرتفع العدد إلى 70 في العام 1999. واستمر الاقبال على المعرض بالتزايد ليسجل تواجد 135 شركة في معرض العام 2009، و155 شركة في معرض العام  2011 حيث توظف أكثر من 240 طالباً وخريجاً. وتلفت مسؤولة في إدارة الجامعة إلى أن المعرض ساهم في توفير فرصة رائعة لأصحاب العمل للتواصل شخصياً مع أفضل وألمع الطلاب. و«هذا أفضل من الاكتفاء بارسال سيرة ذاتية قد تُلغى أو قد لا يراها أحد». ولفتت إلى أنه في اليوم الأول من المعرض قدم الطلاب 27 عرضاً تعريفياً جماعياً لشركات تهتم باستقطاب موظفين وتمت 37 مقابلة إفرادية. كما أُقيمت ورشات عمل واختبارات جدارة قبيل المعرض، لإعطاء الطلاب فكرة عن سوق العمل ولتمكينهم من عرض مقدراتهم على أصحاب عمل محتملين.

نافذة مضيئة
من الإيجابيات التي تقدمها معارض المهن للطلاب، إقامة لقاءات مع أصحاب المهن والإستماع إلى نصائحهم لاستكشاف الحياة التي ستوفرها لهم الوظائف المعروضة. وعملاً بالمثل القائل: «لكي تسعدوا في وظيفتكم اتخذوا عملاً تحبونه في بيئة تحبونها»، نظمت شركتا «كاريرز» و«إي سكوير» معرض المهن والوظائف في مركز بيال للمعارض. المديرة العامة للشركتين تانيا عيد أوضحت أن الحدث شكل هذه السنة محطة إقتصادية لا تشبه سابقاتها،  كما فتح نافذة مضيئة في وسط الظلمة التي فرضت على اللبنانيين من رجال السياسة ومقاطعة الأشقاء. ولفتت عيد إلى أن «مكافحة البطالة والعجز لا تحتاج إلى معجزة، إنما إلى سياسة اقتصادية بنيوية ومنتجة، ومن يعتقد أن اقتصادنا بالأرض، نقول إن اقتصادنا خزان غاز وبترول. وعسى أن يسمح هذا المشروع
للبنان في استرجاع كوادره، وتصبح صادراتنا بالتالي نفطية لا بشرية».
قد نكون فعلاً أمام مرحلة إقتصادية واعدة في حال بدأت عمليات التنقيب عن النفط، لكن لا يختلف اثنان حول أهمية الثروات البشرية التي ينعم بها لبنان على مر العقود، والتي لم تكن في حاجة الى أعمال تنقيب، على ما يقول رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير ويضيف: «عندما نرى حجم الطاقات المتوافرة في لبنان والمؤسسات القادرة على صقل أو إعادة تأهيل الموارد البشرية، نكتشف أن القابلية للتطور كبيرة جداً فيما لو قدر لها الحد الأدنى من الاستقرار واستطاعت الحكومة توفير الخدمات الضرورية للشركات المحلية والعالمية». ولفت شقير إلى أن حدث معرض المهن والوظائف الذي اقيم في مركز بيال للمعارض شكل «دليل عافية» وأثبت أن الحفاظ على المكانة العالمية أو الارتقاء بها يتطلبان عملاً دؤوباً حتى
لا تترهل قوانا العاملة وتصبح خارج المنافسة في سوق العمل، مشدداً على أن «صحة الاقتصاد تقاس بالقدرة على خلق فرص عمل. وهذا يتطلب الاستمرار في ضخ الأفكار الجديدة وتأمين البنية التحتية التجارية لتحويل الأفكار الى مشاريع ناجحة».
والبارز في معرض الوظائف والمهن الذي أقيم في البيال كان الندوات وورش العمل التي تضمنت شرحاً عن كيفية إدارة المشاريع، كما توضح رئيسة الشركة المنظمة تانيا عيد، إضافة إلى تقويم أداء الشركات من خلال التدفق النقدي لديها، وأهمية إدارة الموارد البشرية، والتجارة الإلكترونية في لبنان، والتسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحماية الملكية الفكرية، والوسائل الواجب اتباعها لإثبات النجاح والتفوق في الأعمال والتجارة، الى جانب عدد من المواضيع التي تسهم في تطوير أعمال الأفراد والمؤسسات.

 

النتائج: تأمين 6000 وظيفة
وتشير عيد إلى أهمية النتائج التي حققها المعرض، إذ ساهم في تأمين ما يزيد عن 6000 وظيفة للشباب اللبناني في كل القطاعات شملت مؤسسات وشركات في لبنان ودول الخليج، وشملت المبتدئين وأصحاب الخبرات. وراوحت أجور الوظائف المعروضة فيه بين 10 آلاف دولار كحد أدنى للراتب السنوي، لتصل الى أكثر من 200 ألف دولار أميركي كحد أقصى بحسب إدارة الشركة المنظمة. واللافت أن عملية التوظيف تمت إما مباشرة من خلال الملتقى أو بعد اختتام اعماله، وذلك من خلال اتصال الشركات بالمتقدمين بطلبات العمل لمقابلتهم. وبذلك يكون عدد الوظائف المقدمة في السنوات الـ 12 الماضية تجاوز الـ 46 ألف فرصة عمل.
يذكر أن معرض «بيزنس وفورورد» يقام للسنة الثالثة في البيال برعاية مصرف لبنان، ويضم أكثر من 100 شركة ومؤسسة وخبير. ويهدف الملتقى إلى دعم سوق العمل وتنشيط الاقتصاد اللبناني، من خلال تقديم الخدمات والتجهيزات اللازمة وكل ما تحتاج إليه شركة في طور التأسيس أو التوسيع من خدمات مالية واستشارات فردية وتدريب ومساعدة على توسيع شبكة العلاقات المهنية. والأهم «أنه يقدم فسحة أمل حقيقية لكل باحث عن فرصة عمل وراغب في تحسين وضعه الوظيفي، ولكل طالب تغيير نحو الأفضل في مسيرته المهنية، إن كان صاحب فكرة أو مشروع ناجح، أو رجل أعمال أو مستثمراً يرغب في تطوير أعماله».

 

التزام تجاه الشباب
يؤكد خبراء الإقتصاد أنه من أهم الإختلالات التي تحكمت بالمجتمعات العربية في العقود الماضية كانت في وضع الأجيال الناشئة على هامش الدورة الاقتصادية والاجتماعية، مع قصور السياسات عن مواكبة المسائل الاقتصادية والاجتماعية، ما أدى الى ارتفاع معدلات البطالة والفقر وغياب شبكات الأمان الاجتماعية والصحية. إنطلاقاً من ذلك تبرز ضرورة تعميم فكرة معارض المهن والتوظيف في الجامعات كافة، خصوصاً ان النتائج باتت تحقق حلم نسبة لا يستهان بها من الخريجين. وما حصل في جامعة الروح القدس – الكسليك في معرض الوظائف الذي أقيم للسنة الخامسة تحت عنوان «إلتزام تجاه الشباب» أثبت هذه النظرية. فعدد الشركات والمؤسسات العارضة فاق الـ 50. أما الطلاب الذين تقدموا بطلبات فيقارب عددهم الـ 270 طالباً. وبحسب إدارة الجامعة فإن الطلبات التي قدمها الطلاب لاقت استحساناً وقبولاً، لكن حجم التوظيف يتوقف على سيرة كل طالب. إلى ذلك أتاح المعرض الذي استمر يومين فرصة لطلاب الجامعة، من الاختصاصات كافة، للالتقاء بممثلين عن الشركات العارضة والاطلاع منهم على الخدمات التي توفرها والفرص المتاحة لديهم للتدريب أو العمل بدوام جزئي أو كامل. لكن هل يجوز تعميم مفهوم الفرص المتوافرة الذي تؤمنه معارض المهن والتوظيف؟

معارض دعائية!
المسؤول في قسم التوجيه في لابورا، جرجس سمعان أوضح أن الغاية من معارض المهن في الجامعات تحولت إلى دعائية. وهذا الواقع ينطبق على ما يقارب 90 بالمئة من المؤسسات التجارية والمصرفية التي تشارك في معارض مماثلة. ويستند سمعان في كلامه إلى العروضات التي يقدمها بعض الشركات، لا سيما المصرفية وشركات التأمين بهدف اقتناص الطالب قبل تأمين الوظيفة هذا إذا حصل عليها. من هنا، يضيف جرجس أن بعض الجامعات اعتمدت سياسة جديدة تقوم على إلزام كل مؤسسة تشارك في معارض الجامعات بتوظيف طالب أو إثنين وإلا تشطب عن لائحة المشاركة في معرض السنة المقبلة.
وأوضح سمعان أن مشاركة لابورا في معارض المهن تنطلق من دورها في توظيف عدد من الشباب اللبناني في الوظائف العامة: «بعد تعبئة الطلاب إستماراتهم يصار إلى  مقاربتها مع طلبات الوظائف الموجودة عندنا. ونولي الوظائف العامة في مجلس الخدمة المدنية وسلك قوى الأمن الداخلي أولوية، وبعدها باقي الوظائف في الشركات الخاصة».
حتى الساعة لا يوجد عدد نهائي لمعدل البطالة في لبنان «لكن إذا استندنا إلى الأرقام الموجودة عندنا والتي تشير إلى أن عدد خريجي الجامعات في لبنان يصل إلى 35 الف طالب سنوياً، يتوظف منهم ما يقارب الـ 20 ألفاً، فهذا يعني أن عدد العاطلين عن العمل يقارب الـ 15 ألف طالب سنوياً، يهاجر القسم الأكبر منهم والباقي يسعى إلى تأسيس شركة محدودة لكن استمراريتها غير مكفولة بحسب سمعان، فهل نكون على مشارف أزمة بطالة حقيقية في لبنان؟

البطالة في لبنان
تشير الأرقام الصادرة عن دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية  إلى أن نسبة البطالة في لبنان بلغت 8،8 في المئة خلال العام 2010، وتوزعت بنسبة 10،2 في المئة بين الإناث،  و8،3 في المئة بين الذكور. لكن دراسة البنك الدولي تشير إلى نسب أعلى تراوح بين 11 و12 في المئة، وقد تكون اقرب الى الواقع لانها استندت الى احصاء ميداني اخذ في الاعتبار من هم في عمر العمل ضمن عينة مؤلفة من 2000 اسرة. ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان، الذي شارك في اعداد هذه الدراسة، أن معدلات البطالة يمكن ان تكون قد ارتفعت مع تراجع معدل النمو بين العامين 2011 و2012، بدليل ان ثلث ابناء الطبقة الوسطى هاجروا من لبنان لتأمين مستقبل لائق.
في المقابل، هناك أرقام تتكلم فهل يمكن الإستناد إليها؟
في لبنان تغيب الاحصاءات والارقام التي تعكس حجم البطالة الحقيقي في صفوف خريجي الجامعات، لكن الخبراء يطرحون أرقاماً مخيفة حيث تقدر نسبة البطالة في صفوف حملة الشهادات الجامعية بخمسين في المئة. مما يضطر عدداً كبيراً من حملة الشهادات إما إلى الهجرة أو للعمل في مجالات لا تحتاج أساساً الى أي مستوى أكاديمي. وتمثل البطالة عدد الأشخاص العاطلين عن العمل من إجمالي القوة العاملة والتي يبلغ سن مكوناتها 15 عاماً وأكثر. ويعتبر قياس نسبة البطالة عملية معقدة وغير دقيقة، لأن الحدود بين البطالة والعمل والخمول مبهمة وغير واضحة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى رسم «هالة» حول البطالة. لكن الثابت أن أزمة البطالة في لبنان مزمنة بسبب غياب سياسات حكومية واضحة لسوق العمل، وبسبب الفارق الشاسع بين متطلبات سوق العمل وبرامج إعداد الكادرات المهنية والتقنية في الجامعات، والوضع الإقتصادي المُتدهور منذ سنوات عدة.
في معرض التوظيف الأول الذي نظّمه الموقع الإلكتروني “Hire Lebanese.com” بالتعاون مع جمعية «قدرات» المتخصصة في الحد من البطالة، تبين أن هناك الكثير من الوظائف المطلوبة من الشركات العارضة وإصرار على توظيف لبنانيين. لكن العوائق التي يكتشفها الطالب عند دخوله معترك العمل تؤدي إلى تراجعه في العمل لأن الواقع يكون مختلفاً عن دراسته الجامعية. إنطلاقاً من ذلك عمدت جمعية «قدرات» إلى القيام بخطوات عملية في هذا المجال، منها تحضير الطلاب لسوق العمل ودخولهم الحياة العملية بخبرة وثقة تمكنانهم من ملء أهم الوظائف».
فهل ينام خريجو الجامعات على حرير معارض المهن التي تنقل همومهم وخبراتهم في استمارات قد تحقق يوماً أحلامهم في الحصول على وظيفة، أو يعودون إلى الواقع لتبدأ عملية تعبئة إستمارات الهجرة؟.

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق