سياسة عربية

«حماس» تقر على لسان هنية بازمة خياراتها

اختار رئيس الحكومة التي تقودها حركة «حماس» في قطاع غزة، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية، مناسبة عزيزة على الحركة وهي الذكرى الثانية لتبادل الاسرى مع اسرائيل، ليكشف بوضوح وجلاء تامين عن امرين. الاول: الازمات الخفية التي تمر بها هذه الحركة الاسلامية منذ فترة ليست بالقصيرة. والثاني: النهج الذي رسمته هذه الحركة لجبه هذه الازمات المتوالية والتي يتخذ بعضها صفة الازمات ذات الطابع المصيري.

 بدا جلياً ان هنية عبر في طيات كلامه عن مدى تأثيره بانقطاع التواصل بين الحركة ذات المنشأ والتوجه الاسلامي ودولتين عربيتين اساسيتين وهما: مصر وسوريا. توجه الى القاهرة التي تشن عليه منذ اسقاط نظام حكم الاخوان المسلمين فيها، حرباً اعلامية وسياسية لا هوادة فيها، مبلغاً اياها انه لا يريد بها ويأمنها شراً، وانه استطراداً يدحض تصنيفها له بأن «حماس» جزء من تركة تنظيم «الاخوان المسلمين» الذي بات مرذولاً في مصر ومحاصراً بسلسلة شبهات واتهامات دفعت بالسلطات المصرية الحالية الى اعادته الى مربعه الاول وهو الحظر والحل ومصادرة الممتلكات وقطع السبل بينه وبين اي حراك سياسي مستقبلاً.
والى دمشق، كان للرجل الثاني في حركة «حماس» كلام من نوع آخر: لا نريد ان نعتذر منك ونحن لم نغدر بك، واستطراداً نحن على الحياد في المواجهات الدائرة بضراوة وعنف في طول الساحة السورية وعرضها.
وهكذا يبدو جلياً ان حركة «حماس» التي خسرت دمشق التي كانت لها الملاذ والملجأ والسند طوال اكثر من عقدين طائعة مختارة وبملء ارادة قيادتها، وفي ظنها انها ستجد حضناً آخر في عاصمة الدولة العربية الاكبر اي القاهرة، هي خسرت ايضاً وبسرعة رهانها هذا، وخرجت من عاصمة المعز قسراً تلاحقها تهم شتى منها دفع مقاتليها الى مشاركة المجموعات الارهابية المنتشرة والمتجذرة في صحراء سيناء، والتي دخلت في مواجهة مفتوحة، بل في حرب استنزاف مع القوى الامنية المصرية منذ اكثر من40 يوماً، فضلاً عن اتهامها بتحويل غزة وقطاعها، الى قاعدة خلفية لكل هذه المجموعات منها «تتغذى» ومنها «تتذخر».

الكلام لا يكفي
ليس من الواضح ان هذا الكلام الموجه من الرجل الثاني في قيادة الحركة الى هاتين العاصمتين كافياً لاعادة الامور الى مجاريها والى طي صفحة التوتر الحالية التي حدت بكلتا العاصمتين الى اعتبار الحركة التي تشكل الفصيل الاساسي الثاني في الساحة الفلسطينية الى جانب حركة «فتح» من حيث الانتشار والحضور، «غدارة»، وانها تضع في المرتبة الاولى انتماءها العقيدي والفكري كونها تنتمي الى تنظيم «الاخوان المسلمين»، وهو التنظيم الذي اختار بشكل او بآخر ان يدخل في منازلة عسكرية مع النظام المتجذر منذ اكثر من 40 عاماً في سوريا، ومع «العسكر» المصري الذي وان سيطر على الحكم مجدداً في القاهرة منذ مئة يوم، الا ان له امتداداً طويلاً وحضوراً متجذراً في صلب المعادلة السياسية المصرية، ويعود الى ما يعرف بثورة «الضباط الاحرار» في تموز (يوليو) عام 1952، يوم اطاحت المؤسسة العسكرية المصرية النظام الملكي المصري وامسكت بزمام الحكم بيد من حديد على مدى اكثر من نصف قرن، ولم تنكفىء الا لبعض الوقت نزولاً عند حسابات دولية ومحلية معقدة.
كما ان جماعة الاخوان انفسهم اختاروا ان يكونوا رأس حربة سياسية وعسكرية في الثورة التي اندلعت منذ عامين و8 اشهر ف
ي سوريا، لاسقاط النظام البعثي القابض على رأس هرم السلطة منذ عام 1970.
وعليه، اختار الرجل الثاني في حركة «حماس» اي هنية، ان يكون ليناً، مرناً، طيعاً مع الحكام الحاليين في القاهرة من خلال الحديث المطول عن اهمية وتاريخية العلاقة معها، والايحاء بأن غزة وقطاعها لا يستطيعان العيش وسبل التواصل معها اي القاهرة مقطوعة.

اما مع دمشق، فكان كلام هنية اكثر تشدداً، اذ نفى تهمة الغدر التي وردت اخيراً على لسان الرئيس السوري بشار الاسد شخصياً، وللمرة الاولى منذ اندلاع المواجهات الدامية في الساحة السورية، ودحض فكرة «الاعتذار» التي تنطوي ضمناً على توجه رائج حالياً عنوانه العريض مسعى يبذله بعض المهتمين والمعنيين لخفض منسوب التوتر بين دمشق وحركة «حماس» اولاً، ومن ثم العمل بدأب وجدّ لاعادة الامور الى طبيعتها وازالة حالة العداء والقطيعة.
وعليه، فإن ثمة من يرى ان حركة «حماس» رغم كل ما تعانيه من ازمة خيارات سياسية ومن عزلة، ليست في وارد الاستعداد لابداء حسن النية لاعادة فتح الابواب الموصدة بإحكام بينها وبين القيادة السورية.

 ازمة حماس
واذا كان كلام هنية يفصح عن مدى توتر العلاقة بين حركة «حماس» وكل من القاهرة ودمشق، فإنه في الجانب الثاني يعكس ضمناً حجم الازمة التي تعيشها «حماس» في الداخل الفلسطيني. فثمة اقرار واضح من هنية بأن المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية الموعودة والتي طال الحديث عنها خلال العامين السابقين، ونظر اليها البعض على اساس انها الربيع الفلسطيني الموعود على غرار الربيع العربي الذي ازهر تغييراً وتحولاً في دول عربية شتى، لم يتحقق منها شيء بعد، لا بل ان هنية يجدد دعوته الى انهاء الانقسام الفلسطيني، في ما بدا انه عود على بدء وانه كلام يمحو كل ما تحقق في السابق من خطوات على صعيد المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية والتي كانت القاهرة في عهد نظام الرئيس المخلوع محمد مرسي حاضنة لها وساهرة عليها، وشاهداً على تقدمها، معتبراً اياها جزءاً اساسياً من انجازات هذا الرئيس وما يمثله سياسياً.
ومن بوابة ازمة «الانقسام» الفلسطيني ومن بوابة الحصار شبه الكامل المفروض على غزة وقطاعها، يلج هنية الى تصوره للحل، واستطراداً الى نهجه في المرحلة المقبلة من خلال الاتي:
– التمسك بالثوابت المعروفة.
– تجديد الانتفاضة الجماهيرية في الضفة وانطلاق المقاومة الفاعلة فيها.
– الاعلان مجدداً عن استعداد حركة «حماس» لانهاء تفردها في حكم غزة وقطاعها واستعدادها لاشراك باقي الفصائل الفلسطينية في ادارة هذا القطاع في كل المحاولات حتى انجاز المصالحة كدلالة على صدقية توجه الحركة نحو شراكة حقيقية.
– دعوة الرئيس الفلسطيني الى التسريع في تأليف حكومة وتفعيل لقاءات
الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية.

 خطوات
على رغم ان هنية ينفي في معرض كلامه وجود ازمة خيارات ورهانات في ظل المتغيرات والتحولات التي فرضت نفسها في المنطقة، فإن ثمة مطلعين بعمق على الشأن الفلسطيني خرجوا باستنتاج فحواه ان هنية ما تحدث على مدى 90 دقيقة متواصلة امام نحو الف شخص في غزة، بمثل هذا التطويل الا لانه استنفد خلال الاسابيع الاربعة الماضية جملة خطوات واتصالات ومبادرات بقيت بعيدة عن الاضواء تهدف الى اخراج الحركة من شرنقة ازمة خياراتها السياسية، ومن هذه الخطوات:
– على المستوى الفلسطيني الداخلي، تحدثت مصادر السلطة الفلسطينية في رام الله عن سلسلة رسائل وصلت اخيراً من قيادة حركة «حماس» في غزة، لاعادة وصل ما انقطع واستئناف ما كان بدأ من حوارات ومفاوضات.
– اخفاق الحوارات التي اجرتها حركة «حماس» في غزة مع الفصائل المختلفة والشخصيات المستقلة في شأن اشراكها في ادارة قطاع غزة، وفي مقدمها حركة «الجهاد الاسلامي» ذات المنشأ المتقارب مع منشأ حركة «حماس».
– عدم تجاوب القاهرة مع كل الرسائل التي بعثت بها الحركة عبر قنوات متعددة لخفض منسوب غضب السلطة المصرية على حركة «حماس» وايقاف حملاتها السياسية والاعلامية عليها، والمنطوية على اتهامات شتى.
– سرت اخيراً في الاوساط السياسية والاعلامية في بيروت معلومات مفادها ان الحركة ابلغت الى من يعنيهم الامر بأنها تبحث جدياً في انتقال رئيس مكتبها السياسي او الشخص الاول فيها خالد مشعل من الدوحة الى العاصمة اللبنانية ليقيم فيها، وذلك بعد رفض عواصم عربية عدة السماح له بالانتقال اليها او ممارسة انشطة سياسية فيها.
ورغم ان ممثلي حركة «حماس» في بيروت بادروا لاحقاً الى نفي هذا الكلام نفياً قاطعاً، فإنه كان واضحاً ان للكلام اساساً ومنشأ وخصوصاً ان النفي تم بعد سريان الحديث عن انتقال مشعل الى بيروت بأيام عدة.
– الواضح ان حركة «حماس» تحرص على القول لمن يسألها ان علاقتها مع طهران لم تعد الى سابق عهدها ولم تسترد عافيتها بعد، وذلك رداً على احاديث تطرقت الى ان حركة «حماس» اعادت وصل كل ما انقطع من جسور وتواصل واتصال مع العاصمة الايرانية وكأن شيئاً لم يكن.
– وفي كل الاحوال، واضح بأن الهاجس الاكبر لدى حركة «حماس» في هذه المرحلة الا تخسر تركيا وقطر، وهي تتصرف على اساس ان هذا التوجه ثابت، وهي على اساس هذا الثبات «تدوزن» حركتها وخطابها السياسي.

المقر البديل
ومع ذلك كله، فالواضح ان حركة «حماس» تدرك ان هناك صعوبة كبرى في جعل بيروت مقراً بديلاً واساسياً لقيادتها في الخارج، لان بيروت ساحة متحولة ووضع المخيمات الفلسطينية نفسه يتسم بالاضطراب وعدم الاستقرار.
ومهما يكن من امر، فإن كلام هنية وما اطلقه اخيراً من مواقف جديدة او قديمة يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان هذه الحركة تراوح في ازمتها وان الجديد هو انها بدأت تستدرج عروضاً وتبذل محاولات للخروج من هذه الازمة في اسرع وقت ممكن، والسؤال: هل ان الظروف والمعطيات تسمح لها بذلك من دون ان تقدم اية تنازلات؟.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق