أميركا تطالب بوقف إطلاق النار في سوريا وتفرض عقوبات على تركيا
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات على تركيا يوم الاثنين وطالبها بوقف التوغل العسكري في شمال شرق سوريا الذي يعيد سريعاً تشكيل ميدان المعركة في الحرب الأكثر دموية في العالم.
وطالب ترامب بوقف إطلاق النار في مكالمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويقول منتقدون إن ترامب أعطى فعلياً الضوء الأخضر للهجوم التركي عندما أمر بسحب القوات الأميركية من منطقة الصراع.
وقال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس للصحفيين «لن تتسامح الولايات المتحدة الأميركية ببساطة مع غزو تركيا لسوريا. إننا ندعو تركيا إلى التراجع وإنهاء العنف والوصول إلى طاولة المفاوضات».
كما أعلن ترامب خططاً لإعادة فرض تعريفة جمركية على الصلب التركي ووقف المفاوضات على الفور بشأن اتفاق تجاري بقيمة 100 مليار دولار.
وسرعان ما لاقت الخطوة انتقادات من الديمقراطيين في الكونغرس إذ قالوا إنها غير كافية.
وقالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي «إعلانه عن حزمة عقوبات ضد تركيا لا يرقى إلى حد كبير إلى تغيير اتجاه تلك الكارثة الإنسانية».
وتهدف تركيا إلى تحييد وحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل المكون الرئيسي في قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والتي كانت حليفة لواشنطن في تفكيك «خلافة» تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وترى أنقرة أن وحدات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية متحالفة مع المتمردين الأكراد في تركيا.
وانتهزت القوات السورية المدعومة من روسيا على وجه السرعة فرصة الانسحاب الأميركي المفاجئ من سوريا فانتشرت يوم الاثنين في عمق الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد جنوبي الحدود التركية. وأعلنت واشنطن عزمها الانسحاب الكامل من شمال سوريا قبل أقل من 24 ساعة.
وقال الأكراد، حلفاء واشنطن السابقون، إنهم دعوا القوات الحكومية كإجراء طارئ للمساعدة في التصدي للهجوم التركي الذي بدأ الأسبوع الماضي بعد ما وصفوه بالخيانة الأميركية.
ويمثل نشر القوات السورية يوم الاثنين نصراً كبيراً للرئيس السوري بشار الأسد وروسيا حليفته الرئيسية، اللذين سيطرا على مساحات كبيرة من أراضي البلاد كانت خارج سيطرتهما.
وسيواجهون الآن القوات المسلحة التركية على طول جبهة جديدة تمتد لمئات الكيلومترات.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية السورية أن «وحدات من الجيش العربي السوري تدخل مدينة منبج بريف حلب الشمالي»، وكانت ذكرت أن قوات الجيش دخلت بالفعل بلدة تل تمر في شمال شرق البلاد على طريق سريع استراتيجي يربط بين الشرق والغرب على عمق 30 كيلومتراً من الحدود مع تركيا.
وعرض التلفزيون الرسمي في وقت لاحق لقطات لسكان يرحبون بالقوات السورية في بلدة عين عيسى التي تقع في منطقة أخرى من الطريق السريع على مسافة مئات الكيلومترات.
وتتحكم عين عيسى في المشارف الشمالية للرقة، العاصمة السابقة لدولة الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية والتي انتزع مقاتلون أكراد السيطرة عليها من التنظيم قبل عامين في واحد من أكبر انتصارات حملة قادتها الولايات المتحدة.
ويقع أغلب الطريق السريع على الطرف الجنوبي للمنطقة التي تريدها تركيا «منطقة آمنة» داخل سوريا. وقالت تركيا إنها سيطرت على جزء من الطريق السريع. وأفاد مسؤول من قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بأن الاشتباكات مستمرة.
الاستراتيجية الأميركية تتهاوى
جاء انتشار القوات السورية في الوقت الذي تهاوت فيه الاستراتيجية التي انتهجتها الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس الماضية في سوريا بين عشية وضحاها. وأعلنت واشنطن يوم الأحد على نحو مفاجئ سحب قواتها المتبقية وقوامها ألف جندي والتي قاتلت إلى جانب الأكراد ضد تنظيم الدولة الإسلامية منذ 2014.
وقال ترامب إن القوات الأميركية ستبقى بأعداد صغيرة في التنف في جنوب سوريا «لمواصلة القضاء على فلول» الدولة الإسلامية. لكن قاعدة التنف لن تفعل شيئاً يذكر لدعم العمليات في أماكن أخرى من البلاد.
وانضم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، المعروف بتأييده لترامب، إلى منتقديه للتعبير عن قلقه من الانسحاب من سوريا، قائلاً إنه «سيؤدي إلى عودة» الدولة الإسلامية.
وقال في بيان «مثل هذا الانسحاب سيخلق أيضا فراغا أوسع في السلطة في سوريا ستستغله إيران وروسيا، وهي نتيجة كارثية للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة».
وقال مسؤول أميركي يوم الاثنين إن فريقاً دبلوماسياً يعمل على المساعدة على تحقيق الاستقرار في الأراضي التي انتُزعت السيطرة عليها من تنظيم الدولة الإسلامية. وأضاف المسؤول أن القوات الأميركية ما زالت على الأرض لكن المراحل الأولية من الانسحاب بدأت.
وذكر مسؤولان أميركيان آخران لرويترز أن سحب أغلب القوات الأميركية سيكتمل في غضون أيام.
ونفت إدارة ترامب أن يكون سحب القوات بسبب التوغل التركي.
وقال مسؤول كبير من إدارة ترامب «أستطيع أن أقول بثقة تامة إنه لا يوجد شيء فعلناه بطريقة أو بأخرى كان سيثني الأتراك عما أرادوا القيام به».
شركاء أميركا
لقي آلاف المقاتلين من قوة يقودها الأكراد حتفهم وهم يقاتلون الدولة الإسلامية بالمشاركة مع الولايات المتحدة في إطار استراتيجية دشنتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما واستكملتها إدارة خلفه ترامب.
وقال المسؤول الكردي البارز بدران جيا كرد «بعدما تخلى التحالف الدولي والأميركيون عن حماية الحدود أو المنطقة من التهديدات التركية وأعطوا الضوء الأخضر للهجوم التركي فاضطرينا بأن نتوجه إلى البحث عن خيار آخر وهو النقاش مع دمشق وموسكو لإيجاد مخرج والتصدي لهذه الهجمات التركية والإرهابيين المرتزقة لكون شعبنا يواجه حرب إبادة شاملة».
وأضاف «هذا اتفاق عسكري مبدئي ولم يتم مناقشة الجوانب السياسية وهذا الأمر سيتم مناقشته في المراحل اللاحقة».
ويبقى أن نرى كيف سيتم التعامل مع الأكراد الآن. فقد بدأ المقاتلون الأكراد في إقامة حكم ذاتي في شمال شرق سوريا في وقت مبكر من الحرب المستمرة منذ ما يربو على ثماني سنوات واستفادوا من انشغال الجيش السوري بالقتال في أماكن أخرى. ويهدف الأسد إلى استعادة سلطة حكومته في جميع أنحاء البلاد.
وقال السياسي الكردي البارز ألدار خليل إن «الإجراء الطارئ» الذي تم اتخاذه بإشراف روسيا، الحليفة الرئيسية للحكومة، يهدف إلى التصدي للهجمات التركية عبر الحدود.
وأضاف «الأولوية الآن هي حفظ أمن الحدود من الخطر التركي. نحن على تواصل من أجل الوصول لصيغة مشتركة في المستقبل مع حكومة دمشق».
ويقول ترامب إنه يريد إخراج الولايات المتحدة من حروب «لا نهاية لها» في الشرق الأوسط تطبيقاً لرؤيته بأن الولايات المتحدة يجب ألا تضطلع بدور شرطي العالم. غير أنه أعلن الانسحاب من سوريا في الوقت الذي أرسل فيه آلاف الجنود إلى السعودية.
وقال ترامب على تويتر يوم الاثنين «كل من يريد مساعدة سوريا في حماية الأكراد فهو أمر جيد بالنسبة الي، سواء كانت روسيا أو الصين أو نابليون بونابرت… آمل أن يبلوا جميعاً بلاء حسنا، فنحن على بعد 7000 ميل!».
جبهة جديدة
في كلمة خلال زيارة لأذربيجان، قال أردوغان «نحن عازمون على مواصلة العملية حتى نهايتها دون أن نعبأ بالتهديدات».
وأضاف «ستستمر معركتنا حتى يتحقق النصر النهائي».
وقالت وزارة الدفاع التركية إنه جرى «تحييد» 560 مسلحاً منذ بدء العملية. وكان أردوغان أعلن في وقت سابق مقتل 500 مسلح واستسلام 26 وإصابة 24 آخرين حتى الآن.
ويجعل الانسحاب الأميركي تركيا وروسيا، وكذلك إيران، حليفة الأسد الرئيسية في الشرق الأوسط، قوى الوساطة الأجنبية بلا منازع في سوريا. وتوقعت أنقرة وموسكو تجنب الصراع في سوريا، حتى مع امتداد الجبهة بينهما الآن في جميع أنحاء البلاد.
ورداً على سؤال عن احتمال المواجهة مع روسيا، قال أردوغان «هناك الكثير من الشائعات في الوقت الراهن. لكن لن تكون هناك مشكلات على ما يبدو في ظل النهج الإيجابي لروسيا في كوباني».
وكوباني الواقعة على الحدود التركية واحدة من أوائل المدن التي سيطر عليها الأكراد ووردت تقارير عن احتمال انتشار القوات الحكومية فيها.
وتحدث ترامب أيضاً إلى قائد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، مظلوم كوباني. وعبر مظلوم كوباني عن مخاوفه بشأن مدينة كوباني السورية وطلب من ترامب إثارة هذه المسألة مباشرة مع أردوغان.
وقال بنس إن ترامب أثار المسألة مع أردوغان الذي تعهد بعدم مهاجمة كوباني.
ورفض المتحدث باسم الكرملين احتمال وقوع اشتباكات بين روسيا والقوات التركية قائلاً «لا نرغب حتى في التفكير في هذا السيناريو».
وأثار الهجوم التركي انتقادات واسعة وقلقاً من أن يسمح لمقاتلي الدولة الإسلامية في سوريا بالفرار من السجون المحتجزين فيها في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد ليعيدوا تجميع صفوفهم.
وأثار الهجوم مخاوف غربية من أن تعجز قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على مساحات كبيرة من شمال سوريا كانت من قبل تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، عن الإبقاء على آلاف من مقاتلي التنظيم المتشدد وعشرات الآلاف من أفراد أسرهم في مخيمات تحتجزهم بها في المنطقة.
وقالت الإدارة التي يسيطر عليها الأكراد إن 785 من منتسبي التنظيم فروا من مخيم في عين عيسى. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان نقلاً عن مصادر من داخل المخيم إن نحو مئة شخص هربوا.
وهددت دول أوروبية بفرض عقوبات على تركيا لكنها اتفقت خلال اجتماع يوم الاثنين على عدم فرض حظر عليها.
وبدلاً من ذلك، ستنظر الدول الأعضاء في قيودها الخاصة على مبيعات الأسلحة في إجراء سينظر إليه على أنه تافه لأن الأسلحة تمثل 45 مليون يورو فقط من تجاره حجمها يزيد على 150 مليار يورو بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إنه سيدعو الحلفاء في حلف شمال الأطلسي إلى «اتخاذ إجراءات جماعية وفردية» ضد تركيا عندما يجتمع مع وزراء الدفاع في بروكسل الأسبوع المقبل.
وأعلن القادة الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس عن خطط لفرض عقوباتهم الخاصة. وتمثل تجارة تركيا مع الولايات المتحدة جزءاً بسيطاً من تجارتها مع أوروبا.
رويترز