هكذا يقول العالم: «أهلاً بالعام 2015»

إنّها ليلة رأس السنة، ليلة ليست ككل الليالي، لها سحرها الخاص وضجيجها وصخبها «الملغم» بألف معنى ومعنى، ليلة حلوة ومُرّة نستقبل معها العام الجديد بأجواء الفرح ونودّع القديم بحسرة وربما بغضب، ليلة تحييها شعوب العالم بأسره من مشارقه الى مغاربه، كل على طريقته، عبر احتفالات وعادات وتقاليد «مدججة» بموروثات ومعتقدات قديمة لا تخلو من غرابة وطرافة، منها ما يلامس الجنون والشعوذة، لكل منها تاريخها، جذورها ورموزها، وما زال هاجسها منذ اقدم الازمان وحتى ايامنا: جلب الحظ والخير وطرد النحس.
من لبنان الى اوروبا الى الاميركتين، هكذا يقول العالم: «أهلاً بالعام الجديد».
اضواء تايمز سكوير
منذ ايام بدأت مدينة نيويورك الأميركية تستعد للاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية الجديدة بالرقم «15»، الذى وصل على شاحنة إلى ميدان تايمز سكوير، ويبلغ طوله سبعة أقدام، حيث سيُضاء عند منتصف الليل عشية العام الجديد عند الانتهاء من إنزال كرة الاحتفال العملاقة.
وتتكون كرة احتفال رأس السنة من 288 مثلثاً من الكريستال البراق، الملىء بالبلورات، وتبلغ أبعاد تصميم كل واحدٍ منها حوالي «9.5 ملم» من حيث السُمك، و«120-146 ملم» طولاً، وتزن 193 غراماً، ومصممة خصيصاً وفقاً لمعايير صارمة للصمود فى وجه ضغوط الرياح العاتية والأمطار، وتقلب درجات الحرارة.
وستنخفض كرة الاحتفال من قمة قامة عملاقة على ارتفاع 143 متراً فوق تايمز سكوير، ويُتوقع أن يشاهد الاحتفال الملايين من الناس فى جميع أنحاء العالم.
يشار إلى أن ميدان تايمز سكوير يستقبل أكثر من 300 ألف شخص يومياً، ويجذب ما يقرب من مليون شخص فى ليلة رأس السنة، فملايين الأميركيين كل عام يعتبرون ساحة «تايمز سكوير» في مدينة نيويورك، المكان المناسب والمفضل لإلقاء تحية الوداع على سنة راحلة واستقبال عام جديد بالهتاف والمرح.
وفي كل عشية عيد رأس السنة الميلادية، يتقاطر عدد يصل الى مليون نيويوركي الى ساحة تايمز لمشاهدة هبوط الكرة المصنوعة من البلور والأضواء المشعة من عمود شاهق. وعلى مدى دقيقة تهبط هذه الكرة لتستقر في قاع العمود، بينما يعد الجمهور الثواني ويطلق الهتافات بالضبط عند منتصف الليل، أي بداية السنة الجديدة.
ويراقب الملايين في كل أنحاء العالم هذا المشهد عبر شاشات التلفزة والمواقع الإلكترونية.
لندن: «البودنغ» على دقّات «البيغ بن»
تعتبر حلوى «البودنغ» جزءاً شديد الأهمية في عادات الاحتفال برأس السنة في بريطانيا، فخلال عملية صنع هذه الحلوى، يمارس البريطانيون عادة غريبة حيث يتمنون أمنية مهمة تصاحب مزج مكوناتها، ولا بد من أن تكون أيديهم خلال عملية المزج في إتجاه عقارب الساعة، معتقدين بأنه بهذه الطريقة فقط يمكن أن تتحقق الأمنية.
وفي العاصمة البريطانية، يتجمّع الآلاف في ساحتي ترافالغار وبيكاديللي لسماع صوت دقّات ساعة البيغ بن المبشّرة بقدوم العام الجديد. وهناك أيضاً تقليد «first footing» الذي يعني بأن أول من يَخطو عتبة المنزل في العام الجديد يحدّد حظ قاطني المنزل لآخر العام.
«سيلفستر» المانيا
في ألمانيا، يطلق على ليلة رأس السنة اسم «سيلفستر» ويترافق ذلك مع عادات غريبة، منها كشف نبوءة العام الجديد عن طريق الرصاص الذائب. ويحصل ذلك عبر إذابة تماثيل صغيرة من الرصاص بواسطة لهيب الشمع، ثم صَبّ المادة السائلة في وعاء صغير مملوء بالماء، وعندها، تتشكّل قطع صغيرة، توحي معانيها بما سيحمله العام الجديد لصاحب هذا الوعاء. فما يشبه القلب يدلّ على الحب مثلاً. ويعمد الكثير من الألمان أيضاً إلى ترك جزء من كل طعام يتناولونه عشية الإحتفال برأس السنة حتى منتصف الليل، اعتقاداً منهم بأن ذلك يجلب الخير الوفير في العام الجديد الذي يليه، ويفضل الكثير منهم أيضاً تناول سمك الشبوط إيماناً بأنه يجلب الثروة.
إيطاليا… موائد مقدسة
الطعام هو الشيء المقدس لدى الإيطاليين، وغني عن القول أن موائد الإحتفالات، ولا سيما في ليلة رأس السنة، تعد جيداً بمختلف أنواع الطعام. ومائدة رأس السنة خصوصاً لا بد من أن تشتمل على أطباق العدس، وهذا بسبب إعتقاد الإيطاليين بأنه يجلب الرخاء المالي. وتستمر حفلات السنة الجديدة في إيطاليا حتى مطلع الفجر، حيث من عادتهم الوطنية أن يقوموا بمشاهدة شروق شمس أول يوم من السنة الجديدة.
فرنسا… الضوضاء لطرد الارواح
في حين تنحو أوروبا جميعها الى الضوضاء والضجيج عند الإحتفال بليلة رأس السنة، إلا أن فرنسا تتعامل مع ذلك التقليد بشكل خاص ومميز. فهناك إعتقاد قديم بأن الضوضاء تقوم بطرد الأرواح الشريرة بعيداً في تلك الليلة، لذا فهم يبالغون في إفتعال الضوضاء والأصوات الصاخبة.
ويعتقد الفرنسيون بأن أول شخص يدخل المنزل في أول يوم من السنة الجديدة، هو ما يرمز كيف ستكون السنة بالنسبة الى أصحاب البيت. وينبغي أن يكون زائر منتصف الليل ذكراً في المقام الأول، وهذا بسبب اعتقادهم بأنه يجلب الثروة.
إسبانيا: اكل العنب لجلب الحظ
اما في اسبانيا، فعندما تدق الساعة منتصف الليل لإستقبال سنة جديدة، يأكل الاسبان اثنتي عشرة حبة عنب. وتشير هذه العادة إلى أنه لرؤية آمالك تتحقق على أرض الواقع، وخلال وداع عام واستقبال آخر جديد، يجب أن يتم تناول اثنتي عشرة حبّة عنب، أي بواقع حبّة لكل شهر مع كل دقة من دقات الساعة في منتصف ليلة 31 كانون الأول (ديسمبر). أصل هذه العادة، كما توضح الأقاويل الشعبية، يرجع إلى عام 1909 عندما بلغ موسم حصاد العنب ذروته ما دفع مزارعيه إلى توزيع الفائض وتشجيع استهلاكه لجذب الحظ السعيد. ونظراً الى ان المهاجرين لا يتركون عاداتهم لدى مغادرتهم البلاد، نقل 260 ألف إسباني يعيشون في الأرجنتين، وهي أكبر جالية إسبانية في الخارج، هذه العادة التي أصبح الأرجنتينيون يقومون بها في ليلة رأس العام الجديد، ومن ثم انتشرت حبات العنب أيضاً في سائر دول أميركا اللاتينية. وتم ضمها إلى قائمة المعتقدات الشعبية التي تشمل عادات مثل تناول العدس من أجل الحصول على الوفرة، ووضع النقود في الأحذية لتكوين ثروة، والتنزه بحقائب من أجل السفر في العام المقبل. وتسعى النساء ليلة رأس السنة إلى ارتداء ملابس داخلية حمراء ليكون العام الجديد مليئاً بالحب.
اليونان: لعب الورق ورمي الرمان وتكسير الاطباق
يلعب اليونانيون ليلة رأس السنة لعبة ورق الشدّة لكسب المال، والرابح عليه ألا يقلق بشأن وضعه المادي في العام المقبل، أما الخاسر فحظه سيىء. إلى جانب ذلك يقوم اليونانيون برمي الرمان على الأرض وذلك لجلب الحظ الوفير والثروة أيضاً. ومن أهم وأقدم العادات عند اليونانيين، القيام بتكسير قطع الزجاج احتفالاً بالعام الجديد. وعادة «التكسير» متواجدة أيضاً في الدنمارك، فعادةً ما يقوم الدنماركيون بتخزين الأطباق القديمة طوال العام لكسرها أمام الباب الأمامي للمنزل لجلب الحظ الحسن، فكلما ازدادت كمية الأطباق المحطمة أمام باب المنزل دل ذلك على كثرة أصدقاء قاطني المنزل. ولطرد الأرواح الشريرة وأحزان السنة الماضية، يقوم الهولنديون بعد إنتصاف ليلة رأس السنة بحرق أشجار الميلاد المزينة بالألعاب النارية.
اليابانيون يضحكون…
بداية العام في اليابان تمثل عيداً تتم فيه تصفية الديون وإعادة القروض، حتى يتمكن الدائن من بدء العام الجديد. ويعد القط الملوح نانيكي نكو هو حامل الحظ في اليابان، فعندما يلوّح بطرفه الأيمن يعني ذلك، دليل الثراء، وعندما يلوّح بمخلبه الأيسر فهذا يعني الحظ السعيد. ومن التقاليد تزيين المنازل في اليابان بأكاليل الزهور في ليلة رأس السنة، لأنها تطرد الأرواح الشريرة وترمز الى الحظ والسعادة. ومع حلول السنة الجديدة، يشرع اليابانيون في الضحك، لإيمانهم بأنه يجلب الحظ الجيد أيضاً.
روسيا… شامبانيا ومفرقعات
في روسيا، تُعتبر ليلة رأس السنة أكثر من ليلة، فهي عيد من عالم الطفولة، يحتفل بها بالشمبانيا، والألعاب النارية والزهور والنثار والرقصات في حلقة حول شجرة الشربين وغيرها. يحتفل الروس بالعام الجديد كما يحتفل الألمان بعيد الميلاد، إذ يضعون الهدايا تحت شجرة عيد الميلاد. ولجلب الحظ يتبادلون حيوانات رمزية من التقويم الصيني أو يرتدون ملابس بهذا الاتجاه.
كندا… غطس في الجليد
يحرص المواطنون في كندا ليلة رأس السنة على المشاركة في “polar bear swim”، فيقومون بإرتداء ملابس السباحة والغطس في المياه الجليدية الباردة المحيطة بمنطقة فانكوفر. وفي استراليا، حيث تعد ملبورن وسيدني أهم وأكبر الأماكن التي تقيم إحتفالات رأس السنة، يعلو إيقاع لعبة «البوكر» والتي اعتاد المشاركون فيها على إلقاء فطيرة في وجه الخاسر في كل جولة.
البرازيل: كرنفالات وعدس
وإذا كانت العادات والتقاليد الغريبة هي السمة الغالبة في إحتفالات رأس السنة في أوروبا، فإن إحتفالات رأس السنة في قارة أميركا الجنوبية، والتي يطلق عليها اسم «Ano Viejo»، لا تقل عنها غرابة. ففي البرازيل، بالإضافة إلى الألعاب النارية بعد منتصف الليل والكرنفالات الموسيقية الخاصة في شاطىء كوباكابانا في ريو دي جانيرو، يسود إعتقاد لدى جموع الشعب البرازيلي بأن «العدس» يجلب الثروة، لذا فهم حريصون على تناول شوربة العدس أو الأرز بالعدس كأول وجبة لهم مع بداية العام الجديد. بينما في بوليفيا، يصنعون دمى خشبية أو من القش ويعلقونها خارج منازلهم لجلب الحظ السعيد.
حول بيوت المكسيك الخشبية
يبدأ العام الجديد لدى المكسيكيين برحلة حول البيوت الخشبية. ففي منتصف الليل ومع بدء دقات الساعة يبدأون التجوال في الطرقات وحول البيوت حاملين معهم حقائب سفر، ما يعدهم بسفرة في العام الجديد. وما يجلب الحظ للمكسيكيين ليلة رأس السنة هو كنس مداخل البيوت والأرصفة ومن ثم حرق المكنسة، ما يقضي على أوساخ العام الماضي، وان انتشرت عادة أكل 12 حبة عنب بالضبط في العديد من الدول، لكنها تأصلت وأخذت شكلاً أكبر في المكسيك خصوصاً. ففي كل ساعة يقومون بتناول حبة عنب، وكل واحدة ترمز الى شهر من شهور السنة الجديدة. ومع تذوق طعم كل ثمرة على حدة، يتوقعون كيف سيكون الشهر المرتبط بكل منهم.
الأرجنتين… تنظيف وتطهير
في الأرجنتين تقوم العديد من الشركات والمؤسسات التجارية ليلة رأس السنة بحملة تنظيف للتخلص من أعباء السنة الماضية. ففي 1 كانون الثاني (يناير)، يمزقون السجلات القديمة ويرمون الحلويات من النوافذ ليبدو اليوم بأكمله كأنه يوم مثلج. وترتدي النساء ملابس داخلية وردية اللون، ما يجلب الحظ في الحب خلال العام المقبل.
فنزويلا… بالاصفر
إذا أراد الفنزويلي السفر كثيراً في السنة المقبلة، فعليه أن يحمل أمتعته حول المنزل طوال يوم 31 كانون الأول (ديسمبر). وتستقبل السنة الجديدة لديهم بإرتداء الملابس الداخلية ذات اللون الأصفر، لإعتقادهم بأنها تجلب الحظ. ويقوم الفنزويليون بكتابة أمنياتهم وأحلامهم قبل ليلة السنة الجديدة، ومع إقتراب منتصف الليلة يجمعون تلك الأمنيات ويحرقونها.
الكولومبيون… من احواض الاستحمام
مستلقون في حوض الإستحمام، هكذا يستقبل الناس في كولومبيا العام الجديد، ليس لغسل أنفسهم بل للتزود بالسعادة. حيث يملأون حوض الإستحمام بالورود، فالورد تعني الرخاء والكمال. ويأكل الكثيرون منهم 12 حبة عدس، ليبعدوا أنفسهم عن شح مورد العيش وأن يعيشوا موفورين.
الفيليبين وقفزات رأس السنة
على أطفال الفيليبين أن يقوموا بالقفز 10 مرات في ليلة رأس السنة، إذا أرادوا أن يصبحوا طوال القامة في السنة الجديدة. ويعد الفيليبيون الموائد المليئة بشتى أنواع الفاكهة من مختلف الألوان، وأيضاً الملابس المطرزة، لإعتقادهم بأنها تجلب الرخاء والسعادة.
«البسترينة» اللبنانية
واخيراً وليس آخراً.. الى لبنان والى «البسترينة» التقليد الشائع في الكثير من القرى اللبنانية، حيث توزع القطع النقدية على الأطفال صباح رأس السنة. وتعود هذه العادة الى العهد الروماني حين كان كل امبراطور يقوم بصكّ عملات تحمل اسمه يوزعها في بداية السنة، فيعطى الأطفال بعض القطع القديمة ويبدأ التعامل بالقطع الجديدة على أمل أن تكون السنة الجديدة سنة خير وبركة.
كما تنتشر عادة إطفاء الضوء وإعادة إنارته ليلة رأس السنة، ويعود ذلك إلى الديانات القديمة التي كانت تعتبر ضوء الشمس إلهياً يحمل دفء الحياة، أما الظلام فيعني الموت. لذا يضيء الناس شرفاتهم متمنّين أن يبتعد عنهم شبح الموت في السنة الجديدة. ومن تقاليد اللبنانيين إلقاء الزجاج من النوافذ ليلة رأس السنة، اعتقاداً منهم بأنهم بذلك يكسرون شرور العام الفائت.