فرار الآلاف وأنباء عن مقتل المئات مع استمرار هجوم تركيا في سوريا
قصفت تركيا مواقع جماعات مسلحة كردية في شمال شرق سوريا لليوم الثاني يوم الخميس مما أجبر عشرات الآلاف على الفرار وقٌتل العشرات في هجوم عبر الحدود على قوات حليفة للولايات المتحدة تسبب في انتقادات لاذعة في واشنطن للرئيس دونالد ترامب.
وبدأ الهجوم التركي على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة بعد أيام من سحب ترامب للقوات الأميركية من المنطقة مما فتح واحدة من أكبر الجبهات الجديدة في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ أكثر من ثماني سنوات والتي اجتذبت تدخلاً من قوى عالمية.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر إن التوسط من أجل التوصل لاتفاق بين تركيا والأكراد هو خيار من ثلاثة خيارات أمام الولايات المتحدة.
وأضاف «لدينا ثلاثة خيارات: إرسال آلاف الجنود والفوز عسكرياً أو توجيه ضربة مالية قوية لتركيا وفرض عقوبات أو التوسط للتوصل لاتفاق بين تركيا والأكراد».
ومن دون الخوض في تفاصيل، أضاف ترامب أن الولايات المتحدة «ستقوم بتحرك صارم للغاية في ما يتعلق بالعقوبات وغيرها ومن المسائل المالية».
وقوات سوريا الديمقراطية هي الحليف الرئيسي للقوات الأميركية على الأرض في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية منذ 2014. كما تحتجز القوات آلاف الأسرى من مسلحي التنظيم المتشدد وعشرات الآلاف من أقاربهم.
وذكر مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية خلال إفادة للصحفيين يوم الخميس أن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال تسيطر على كل السجون التي يوجد فيها أسرى الدولة الإسلامية.
وأضاف أن الولايات المتحدة حصلت على التزام قاطع من تركيا بتولي مسؤولية أسرى الدولة الإسلامية لكن البلدين لم يجريا مناقشات مفصلة بعد في هذا الصدد.
وقال مشرعون أميركيون ووسائل إعلام إن ترامب منح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر لكي يتوغل الجيش التركي في شمال شرق سوريا لكن المسؤول بوزارة الخارجية فند هذه التصريحات. وقال «منحناهم ضوءاً أحمر واضحاً للغاية. كنت واحداً من الذين شاركوا في وضع هذا الضوء الأحمر وكذلك الرئيس يوم الأحد».
وقالت وزارة الدفاع التركية إن 228 مسلحاً من الأكراد قتلوا حتى الآن في العملية. ويقول الأكراد إنهم يتصدون للهجوم.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 23 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وستة مقاتلين من جماعات معارضة سورية مدعومة من تركيا قتلوا.
ضربات جوية
قالت قوات سوريا الديمقراطية إن القصف والضربات الجوية التركية قتلت أيضاً تسعة مدنيين. وقال مسؤولون في جنوب شرق تركيا إن قذائف مورتر وصواريخ أطلقت من سوريا على بلدات حدودية تركية أسفرت عن مقتل ستة أشخاص من بينهم رضيع يبلغ من العمر تسعة أشهر في ما بدا أنه رد من القوات التي يقودها الأكراد على الهجوم التركي.
وذكرت لجنة الإنقاذ الدولية أن 64 ألف شخص فروا منذ بدء الهجوم الأخير. وباتت مدينتا رأس العين والدرباسية، على بعد نحو 60 كيلومتراً إلى الشرق، مهجورتين إلى حد كبير بسبب الهجوم.
وقال المرصد إن القوات التركية سيطرت على قريتين قرب رأس العين وخمس قرى قرب تل أبيض. وقال متحدث باسم قوات معارضة سورية إن المدينتين أصبحتا محاصرتين بعد استيلاء المقاتلين على القرى المحيطة بهما.
وأفاد مسؤول أمني تركي كبير بأن الجيش التركي قصف مستودعات للأسلحة والذخيرة ومواقع أسلحة وقناصة وأنفاقاً وقواعد عسكرية.
ونفذت مقاتلات عمليات في عمق يصل إلى 30 كيلومتراً داخل سوريا، ورأى شاهد من رويترز قذائف تنفجر على مشارف مدينة تل أبيض.
وتصف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية بأنها منظمة إرهابية بسبب صلاتها بالمسلحين الأكراد الذين يشنون تمرداً على أراضيها. وأفادت وسائل إعلام بأن الشرطة التركية بدأت اليوم الخميس تحقيقات جنائية في أمر عدد من المشرعين الأكراد واحتجزت عشرات الأشخاص في مدينة ديار بكر بجنوب شرق البلاد متهمة إياهم بانتقاد توغل البلاد في سوريا.
وفي وقت لاحق يوم الخميس، قالت وزارة الدفاع التركية إن وزير الدفاع خلوصي أكار تحدث عبر الهاتف مع نظرائه من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. وأضافت أن أكار ووزير الدفاع الأميركي مارك إسبر بحثا قضايا دفاعية وأمنية وأن أكار أطلع إسبر على أهداف عملية التوغل ومدى تقدمها.
انتقاد ترامب
قال ترامب، الذي تعرض لانتقادات لاذعة من شخصيات من حزبه الجمهوري اتهمته بالتخلي عن حلفاء أوفياء للولايات المتحدة، على تويتر إنه يتحدث «مع الجانبين». وحذر أنقرة من أنها ستتلقى ضربات قاسية في قطاعها المالي إذا لم «تلتزم بالقواعد».
ووصف ترامب الهجوم التركي بأنه «فكرة سيئة» وقال إنه لا يؤيده.
وكان السناتور لينزي غراهام، وهو جمهوري عادة ما يؤيد ترامب، من أشد المنتقدين لقرار الرئيس سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا. وكشف عن إطار للعقوبات على تركيا مع السناتور الجمهوري كريس فان هولن.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو «إذا اتخذ أي إجراء ضدنا فسنرد بالمثل.. لن تثمر هذه العقوبات عن شيء».
وبعد اجتماع لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الهجوم، حذرت المبعوثة الأميركية لدى الأمم المتحدة اليوم الخميس تركيا من أنها ستواجه «عواقب» لم تحددها لهجومها على المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا إذا لم تعمل على حماية السكان واحتواء تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي وقت لاحق قال مسؤول كبير بالخارجية إن الولايات المتحدة ستفرض إجراء عقابيا على تركيا إذا تورطت في أي تحركات «غير إنسانية وغير متناسبة» ضد المدنيين خلال توغلها في شمال شرق سوريا.
وقال المسؤول «هذا يشمل التطهير العرقي ويشمل القصف الجوي والمدفعي العشوائي وغيره من القصف الموجه على السكان المدنيين. هذا ما نتابعه الآن. لم نر أمثلة واضحة على ذلك حتى الآن».
ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان لعقد اجتماع طارئ للتحالف الذي تشكل لقتال تنظيم الدولة الإسلامية لمناقشة الهجوم.
وأضاف لو دريان لقناة تلفزيون فرانس 2 إن على التحالف، الذي يضم أكثر من 30 دولة، الاجتماع بأسرع ما يمكن لأن تنظيم الدولة الإسلامية قد يستغل تغير الأوضاع على الأرض.
وتابع لو دريان قائلاً إن التحالف «في حاجة لأن يقول اليوم ما الذي سنفعله وما هي الطريقة التي تريد تركيا أن تمضي بها قدماً وكيف نضمن أمن المناطق التي يُحتجز فيها المقاتلون؟ يجب طرح كل الأمور على الطاولة حتى نكون واضحين».
وكانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، قد قالت إنها تعتزم إقامة «منطقة آمنة» من أجل إعادة ملايين اللاجئين السوريين.
لكن القوى العالمية تخشى أن يؤدي الهجوم إلى تفاقم الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من ثماني سنوات ويزيد من مخاطر هروب أسرى تنظيم الدولة الإسلامية من المعسكرات التي يحتجزون فيها وسط الفوضى.
وسعى أردوغان لتهدئة هذه المخاوف، قائلاً إن متشددي التنظيم لن يُسمح لهم بمعاودة الظهور في المنطقة.
وقالت الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا إن سجناً يضم أخطر المجرمين من أكثر من 60 دولة تعرض لقصف تركي، وإن الهجمات التركية على سجونها تهدد بحدوث «كارثة».
رويترز