سياسة لبنانية

…«الى حكومة تصريف الاعمال»

ثمة قرار دولي بحفظ الاستقرار في لبنان وتحييده عن الأزمات الإقليمية والحريق السوري… الحوار بين حزب الله والمستقبل هو مظلة سياسية للحكومة والاستقرار… الحكومة مستمرة بقوة الأمر الواقع وحاجة الجميع إليها وحتى لا يخرج الوضع عن السيطرة سياسياً وأمنياً. فمصلحة المستقبل، في عدم جنوح الوضع والشارع السني نحو العنف والتطرف بحيث يكون الطرف والحلقة الأضعف، تتقاطع مع مصلحة حزب الله الذي يخوض معركة وجود في سوريا في إبقاء جبهته الداخلية الخلفية هادئة… كل هذا الكلام الذي كان صحيحا حتى الأمس القريب لم يعد كافياً للبناء عليه. كل هذا الوضع آخذ في التبدل ومعه البنية السياسية آيلة الى التصدع. ثمة واقع جديد في المنطقة نشأ مع «عاصفة اليمن» وأدى الى انعطافة حادة في المسار الإقليمي وبدأ يرخي بظلاله الكثيفة على مجمل ملفات وأزمات المنطقة في العراق وسوريا وصولاً الى لبنان الذي نجح حتى الآن في البقاء خارج مسرح العمليات وطاله عبر الحدود مع سوريا وهج الحريق السوري ورذاذ الصراع الإقليمي…
ما حدث أن لبنان تأثر بقوة بانفجار الصراع السعودي – الإيراني وتحوله الى مواجهة مفتوحة وحرب إقليمية غير معلنة، وانعكس الأمر على حليفي إيران والسعودية في لبنان، حزب الله وتيار المستقبل. فالأول أدخل تغييرات جذرية على استراتيجيته العسكرية والسياسية، والثاني أدخل تغييرات جدية على استراتيجيته الإعلامية وخطابه السياسي. وكانت النتيجة أن الوضع بين الطرفين عاد الى «ما قبل حوار الضرورة وحكومة الشراكة»، وعملياً الى نقطة الصفر وما دونه. فلم يسبق أن كانت العلاقة على هذه الدرجة من التوتر والتشنج و«التقاصف» بالأسلحة السياسية الثقيلة.
العلاقة بين الطرفين عند مفترق طرق حاسم وساعة الحقيقة دقت، ولحظة الخيارات والقرارات الصعبة حانت، بعدما قرر حزب الله والعماد ميشال عون طرح ملفين على جانب كبير من الدقة والحساسية على طاولة مجلس الوزراء ليقرر في شأنهما: ملف عرسال وجرودها وملف التعيينات الأمنية. وهذا يعني سياسيا وعمليا حشر وزراء المستقبل في الزواية الصعبة، زاوية اتخاذ قرارات حاسمة وفي التوقيت الذي لم يختره…
حزب الله حدد ما يريد والى أين يتجه:
– استكمال معركة القلمون بتحرير جرود عرسال مع الحكومة (الجيش) إن أرادت ومن دونها إذا أحجمت…
– الانتهاء من معركة جرود عرسال قبل شهر رمضان وضرب الحديد وهو حامٍ بعد تهاوي دفاعات المسلحين في القلمون وقبل استجماع قواهم وإعادة ترتيب أوضاعهم.
– تأييد العماد ميشال عون في ما يطلبه في شأن التعيينات الأمنية وفي شأن ما يتخذه من قرارات وخيارات إذا لم يتم التجاوب معه. وموقف عون بات معروفاً ومحسوماً لجهة أنه يتمسك بتعيين قائد جديد للجيش ومدير جديد لقوى الأمن الداخلي على قاعدة الترابط والاتفاق الواحد حولهما. فإذا لم يصر الى ذلك واعتمد التمديد، فإن عون يتجه لمقاطعة الحكومة وشلها وتعطيلها.
بالمقابل لم يحدد تيار المستقبل بشكل واضح ونهائي ما يريد، ولكن المؤشرات تدل الى أنه يتجه نحو:
– عدم إعطاء تغطية حكومية سياسية (الحوار) لمعركة حزب الله في جرود عرسال، وعدم الأخذ بكل حجج ومبررات حزب الله القائلة بأن جرود عرسال منطقة لبنانية محتلة من مسلحين تكفيريين إرهابيين وتشكل خطراً محدقاً بالبلدات والمناطق اللبنانية في البقاع الشمالي… تيار المستقبل لا يرى في هذه المعركة إلا استدراجا له وتوريطا للجيش والحكومة…
– عدم القبول بتعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش ورفض مقايضة قيادة الجيش بمديرية قوى الأمن. وهذا الرفض يعود الى أسباب سياسية هي ذاتها التي تمنع المستقبل من تسليم رئاسة الجمهورية الى العماد عون.
السؤال المطروح من الآن فصاعداً: هل يستمر المستقبل على موقفه وفي حساباته المبنية بشكل أساسي على حاجة حزب الله الى الحوار والحكومة وعدم استعداده للتفريط بهما أياً تكن الظروف والضغوط؟! أم أنه سيراجع حساباته في ضوء مؤشرات تدل الى أن حزب الله مستعد للذهاب حتى النهاية في معركته الوجودية، وأنه لم يعد يتمسك بهذه الحكومة»، للمستقبل فيها أكثرية المقاعد وأهم الوزارات؟!
حزب الله يتصرف على أساس أن الحريري تنصل من التزاماته في موضوع الإرهاب، وعون يتصرف على أساس أن الحريري تنصل من تعهده في موضوع قيادة الجيش… عون وحزب الله يتقاطعان حالياً على ممارسة ضغوط على المستقبل والحكومة من زاويتين مختلفتين إقليمية ومحلية ويوجهان هذه الرسالة للحريري: إذا كنت تمتنع عن معركة جرود عرسال، وإذا كنت تريد التمديد في المواقع الأمنية… تستطيع ذلك ولكن إعلم أن الثمن هو «الحكومة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق