رئيسيسياسة عربية

لماذا استقال الحمدالله باكراً؟

بعد اقل من ثلاثة اسابيع على تكليفه تأليف الحكومة الفلسطينية الجديدة، قدم رامي الحمدالله استقالته لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للمرة الثانية خلال نحو ثلاثة ايام، فكان ان قبلها عباس ليفتح الباب امام امرين، الاول: حكومة جديدة يفترض تسمية شخصية جديدة لتأليفها خلال اقصر وقت ممكن. الثاني: عمق الازمة السياسية للنظام السياسي الفلسطيني.

«القشة» التي قصمت ظهر الحكومة الفلسطينية التي لم يمض على تأليفها سوى ايام، كانت اعتراض الحمدالله على الحد من صلاحياته، وتشتيت هذه الصلاحيات وتوزيعها بينه وبين نائبين له عينهما  الرئيس محمود عباس مما يهدد بالتالي بجعله رئيساً «شرفياً» او اسمياً للسلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية.
الاستاذ الجامعي والاكاديمي المعروف الذي كان بعيداً عن واجهة الفعل والمسرح السياسي لحظة اتى به ليخلف السياسي والاقتصادي المخضرم سلام فياض، ولّد باستقالته المفاجئة والسريعة دوياً وسجالاً لا بد ان تطول مدته في الشارع الفلسطيني حول ما يمكن اعتباره «فوضى» ادارة السلطة والحكم في السلطة الفلسطينية.
«الازمة» ليست مستجدة بل ان عمرها من عمر ولادة السلطة الفلسطينية بعد التوقيع على اتفاقية اوسلو في عام 1992، اذ حدث التصادم بين القائد التاريخي للشعب الفلسطيني الراحل ياسر عرفات واول رئيس حكومة في السلطة الحديثة الولادة في منتصف عقد التسعينيات، وهو رئيس السلطة الحالية محمود عباس ثم مع خلفه محمود قريع «ابو علاء» والاثنان بادرا الى الاستقالة اثر اعتراضهما سراً وعلانية على الانتقاص من صلاحياتهما و«خطف» عرفات نفسه لهذه الصلاحيات والتصرف بها على هواه، رغم ان الجميع اتوا من مشرب سياسي واحد وهو حركة «فتح» التي يعتبرون من رموزها المؤسسين.

تجربة فياض
وعليه، تبدو تجربة سلام فياض في الحكومة المستقيلة اخيراً، هي الاطول عمراً والاكثر استقلالية لاعتبارات عدة ابرزها:
- ان فياض لم يكن «فتحاوياً» مئة بالمئة كذلك اخذ قسطاً معقولاً من الاستقلالية وحرية التصرف والمواجهة.
– ان مجيء فياض لم يكن بالاصل نابعاً من ارادة عباس الكاملة بل هو زكي من قبل ما صار يعرف بالدول المانحة ولا سيما الدول الاوروبية وواشنطن التي بادرت الى تزكية فياض والتمسك به كونه كان معروفاً لديها من خلال تجربته في صندوق النقد الدولي.
وعليه، ثمة من اعتبر ان عباس اتى به بارادة خارجية لكي يستطيع استرداد الثقة المفقودة بالسياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية للسلطة الفلسطينية التي نخرها الفساد والمحسوبيات والمحاصصة فبددت الهبات والمساعدات في غير مجال مجد، او يعود بالفائدة على الشعب الفلسطيني الذي كان خرج لتوه من تحت الادارة الاسرائيلية الى تحت اشراف وادارة سلطته الفلسطينية، وكان يطمح بتجربة رائدة ومعتبرة فأخفقت آماله.
– ان عباس وحركة «فتح» التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية او جزءها الاساسي لم يكن بمقدورها بالاساس عدم التجاوب مع ما فرض عليه، اذ كان امامهما اما القبول بهذه الشخصية رغم ملاحظاتها عليه ومخاوفها منه، واما ان تتوقف عن خزينتها معظم المساعدات والهبات، مما يرفع وتيرة ازماتها وخصوصاً الاقتصادية والمالية التي كانت في ذروتها في ذلك الحين كما هي اليوم.
– ان عباس كان في ذلك الحين في مرحلة بحث عن ترسيخ شرعيته وهو يخلف اهم قائد تاريخي للشعب الفلسطيني ولم يكن في وضع يسمح له بالرفض والمواجهة وحرية الاختيار واخذ الوقت للتفكير واقامة التوازنات والمعادلات، فلم يكن امامه سوى القبول بما فرض عليه.

رعاية دولية
وبناء على كل هذه المعطيات مجتمعة، طال عمر حكومة فياض حتى السنوات الاربع ولانها كانت مرعية دولياً ولانها كانت حاجة فلسطينية صمدت الى حد ما امام ضغوط حركة «فتح» والقوى الاخرى المتنفذة في الشارع الفلسطيني، الى ان حدث الصدام الاخير داخل حكومة فياض بينه وبين وزير المال، فوجد تنظيم «فتح» الفرصة مناسبة لممارسة الضغوط على عباس ليدفع فياض الى تقديم استقالته فكان لهذا التنظيم ما اراد، رغم الاعتراضات العالية اللهجة التي ابدتها واشنطن والعديد من الدول الغربية، التي كانت ترى في فياض كلمة سرها، وضمانتها، خصوصاً ان ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما كانت في بداية ولايتها الثانية، وقد وعدت بأن يكون لها توجه جديد مختلف في الموضوع الفلسطيني – الاسرائيلي.
ولقد كثرت التكهنات حيال الشخصية التي سينتقيها عباس لتخلف فياض في رئاسة الحكومة الجديدة، خصوصاً ان ثمة ابواباً جديدة للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وهي عملياً مصالحة بين حركة «فتح» وحركة «حماس» التي تحكم قبضتها وتبسط سيطرتها منفردة على غزة وقطاعها منذ نحو 7 اعوام.
ولقد بات معلوماً ان مفاوضات المصالحة التي رعتها واحتضنتها القاهرة، قطعت شوطاً متقدماً، اذ ولجت عتبة البحث في التفاصيل النهائية المفضية الى وضع نقطة الخاتمة للانقسام المؤذي الذي طال، والمصالحة المنشودة بإلحاح. ومن ضمن هذه التفاصيل تشكيل حكومة وحدة وطنية تتشارك فيها حركتا «فتح» و«حماس» وفصائل اخرى.

تسمية الحمدالله
وهكذا كان ينتظر جميع المعنيين بالموضوع الفلسطيني شخصية فلسطينية جامعة او على الاقل لا تلقى اعتراضات من اي فصيل بما فيها «حماس»، وبالتالي كان ثمة من يعلق آمالاً على الحكومة الجديدة لتساهم في التخفيف من مأزق الفلسطينيين الكثيرة.
وفجأة تمت تسمية الحمدالله شخصية غير معروفة الا بدورها الاكاديمي، فهو رئيس جامعة النجاح وبقربها من «فتح» من دون ان تكون ناشطة فيها، فضلاً عن كونه مجهولاً من الخارج.
بادرت «حماس» الى الاعتراض على هذه الشخصية المنتقاة، معتبرة انها لا تساهم في دفع قطار المصالحة قدماً، في حين ان فصائل فلسطينية اخرى تعتبر من فصائل منظمة التحرير كالجبهتين الشعبية والديموقراطية لم تبديا اي حماسة للاستاذ الجامعي الداخل حديثاً الى نادي رؤساء الوزراء، واعلنتا بالمقابل عزوفهما عن المشاركة في اي حكومة جديدة يرأسها الحمدالله.
وعليه، كانت كل الاجواء والمعطيات توحي بأن عباس مقبل على تأليف حكومة تؤدي دوراً انتقالياً في انتظار انجاز مشوار المصالحة الفلسطينية، لان ما بعد هذه المصالحة ليس كما قبلها، خصوصاً ان «حماس» لن تقبل الا ان تكون شريكة في الحكم والقرار الفلسطينيين.
وعليه، فإن السؤال المطروح بإلحاح هو: هل ان السبب الحقيقي لاستنكاف الحمدالله عن مهمته وهو في بداية مشواره يعود فقط الى الخلاف على الصلاحيات والتصارع عليها مع نائبيه والمحسوبين مباشرة على عباس وحركة «فتح»، ام ان ثمة وراء الاكمة ما وراءها من الاسباب؟ وهل ان الحمدالله كان يطمح اصلاً الى صلاحيات وارفة الظل وممتدة على نحو تجعله رجل القرار في السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي؟

اسئلة واجوبة
ثمة اجابتان على هذه التساؤلات لدى المعنيين بالشأن الفلسطيني.
الاولى: ان الحمدالله ادرك بشكل مبكر ان تعيين نائبين له انما قصد منه الا يكون في نهاية المطاف رجل اخذ القرار بل للموقع على القرار، وهو امر لا يمكن ان يقبل به منذ البداية، وقد فعل ما في وسعه لتعديل الحال، لكنه لم يفلح فأحرجوه حتى اخرجوه، لا سيما بعد ان شعر بأن من اتى به وسماه لهذا المنصب لم يكن حاسماً في الوقوف الى جانبه في اول اصطدام حصل مع نائبه للشؤون الاقتصادية محمد مصطفى.
الثانية: ادرك الحمدالله باكراً انه سيرث تركة كبرى من المشاكل والتعقيدات المتراكمة التي من شأنها ان تودي به الى الاخفاق السريع في مهمته.
وثمة رأي ثالث لكنه رأي اولي بحاجة الى وقت طويل للتأكد منه، ويقوم على فرضية ان ثمة ضغوطاً كبرى خارجية تعرض لها عباس والحمدالله في آن، لكي يعيد حساباته في موضوع الحكومة الجديدة ككل.
وفي كل الاحوال، ازمة الفراغ الحكومي عادت لتلقي بثقلها مجدداً على رأس السلطة الفلسطينية الذي عليه ان يكلف رئيس وزراء جديد خلال اسبوعين من يوم قبول استقالة الحكومة.
ومن الان بدأت التكهنات تسري في الشارع السياسي الفلسطيني.

خيارات عباس
وعليه، فإن ثمة من يرى ان ليس امام عباس الا خيار من ثلاثة خيارات وهي:
– تسمية شخصية تنتمي الى حركة «فتح» مباشرة، لكي يحظى بدعم التنظيم الباحث اصلاً وبشغف عما يعزز له حضوره ويعيد له مجده والقه المفقودين بفعل اعتبارات ووقائع عدة، منها ان رموزه صاروا اصحاب تجربة غير ناجحة في الحكم، لذا فهم اقصوا عن رئاسة الحكومة منذ ان تولى فياض المنصب اثر اطاحة حكومة القيادي في «حماس» اسماعيل هنية اثر الاحداث في غزة.
– ان ثمة معلومات تشير الى ان الشخصية التي دفعت الحمدالله الى الاستقالة وهي محمد مصطفى الذي يرأس صندوق الاستثمار الفلسطيني هو احد ابرز المرشحين، كونه مقرباً من عباس، فضلاً عن تجربته في المجالات المالية والاقتصادية.
– ان يتولى عباس نفسه رئاسة الحكومة الفلسطينية المقبلة، وهذا الامر طرح كأحد الاحتمالات بعد استقالة فياض القسرية، لكن ثمة حسابات ووقائع حالت دون ان يقدم عباس على هذه الخطوة، خصوصاً خوفه من ان يتهم بأنه يتفرد بالسلطة وبالقرار، وانه يكرر عادة ان يرث صلاحيات وادوار عرفات.
ومهما يكن من امر، فإن استقالة الحمدالله اظهرت هشاشة البنى السياسية للسلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على حسم الامور، ومعالجة الاشكالات والعقبات الناشئة، وبالتالي اظهرت حجم التخبط والارتباك اللذين تعيشهما هذه السلطة التي تعتبر قياساً الى الانظمة والسلطات العربية حديثة العهد.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق