رئيسيسياسة عربية

المجتمع الدولي يرمّم مظلة الامان؟!

تظهر التقارير الديبلوماسية الواردة الى بيروت بوادر جهد دولي – اممي لاطلاق حملة دعم للبنان، بالتوازي مع الاخطار التي تواجهه، وتفلّت الامن وتوسع الشرخ في بنيان الاستقرار الهش، نتيجة انعكاسات الحرب السورية، ومخاطر رغبات جامحة لدى جماعات جهادية لجعل لبنان ارضاً للجهاد لا للنصرة فحسب.

يواكب الفريق الرئاسي اللبناني التحضيرات القائمة لترتيب مجموعة من الاجتماعات واللقاءات لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، على هامش زيارته لنيويورك منتصف ايلول (سبتمبر)، حيث يشارك في الجمعية العامة للامم المتحدة.
ويتوقع احد الديبلوماسيين العاملين في بيروت ان يلقى رئيس الجمهورية «احتفاءً رسمياً دولياً استثنائياً ورمزياً، مرتبطاً في شكل اساس بالمواقف التي طبعت السنة الاخيرة من ولايته، وخصوصاً من سلاح «حزب الله» والاستراتيجية الدفاعية والتخفف قدر الامكان من أحمال الحزب الحكومية واثقاله السياسية».
وثمة حديث عن اتجاه دولي لمواكبة زيارة رئيس الجمهورية الى نيويورك، من خلال التحضير لاستقبال مهم له في ضوء اتجاه الى تنظيم لقاءات ثنائية له على مستوى رؤساء الدول وربما تنظيم لقاء جماعي يضم عدداً من رؤساء الدول في ما يتعارف على تسميته في اروقة الامم المتحدة بلقاءات رفيعة المستوى.
ومن غير المستبعد ان يصدر الرؤساء بياناً داعماً للجهود التي يبذلها سليمان في مساعي الحفاظ على لبنان ومنع استدراجه الى الحروب المحيطة به.
وفق هذا الديبلوماسي، تأخذ الاجتماعات الاممية أهمية «نظراً الى دلالاتها والرغبة في تظهير وجود مصلحة دولية مشتركة في عدم انهيار لبنان واهمية الحؤول دون ذلك، بما يمكن ان يوجه رسالة دولية صادمة مؤيدة لاستقرار لبنان الذي يشهد محنة سياسية – امنية وجودية:
أ- فهو من جهة يتخبط في فراغ حكومي غير محدد الافق نتيجة تعثر استيلاد حكومة جديدة بفعل الفيتوات المتبادلة وعدم وجود رغبة محلية – عربية في تمديد فترة المخاض الحكومي ربطاً بالاستحقاق السوري.
ب- انه من جهة اخرى، يعيش تداعيات الازمة السورية بكل مفاعيلها الامنية – الوجودية، نتيجة صراع اجهزة استخبارات عربية ودولية على كل المساحة اللبنانية، وخصوصاً في مناطق التماس الديمغرافي – المذهبي، مما انعكس تنافساً جهادياً على هذه المساحة، يأخذ في اغلبه طابعاً انتقامياً من مشاركة ايران و«حزب الله» في الحرب السورية».
ويتحدث الديبلوماسي، تأسيساً على هذا المشهد، عن «معطيات لترميم المظلة الدولية الحامية للبنان، بإعتبار استقراره حاجة دولية في محيط يغلي، بقدر ما ان هذا الاستقرار حاجة لبنانية ملحة نظراً الى التفسخات التي نشهدها في اكثر من بؤرة باتت تشكل خطراً على وحدة لبنان».

دعم الجيش والمؤتمر الدولي
وكان تقرير صحافي قد اشار الى ان باريس دفعت العواصم الصديقة الى تنظيم اجتماع دولي لمساعدة لبنان وتقديم دعم سياسي لرئيسه ميشال سليمان ومؤازرة لبنان على الصعيد الأمني والمالي والإنساني، على أن يعقد على هامش الجمعية العامة في نيويورك بين ٢٣ و٢٤ أيلول (سبتمبر) المقبل.
ويرى الديبلوماسي العامل في بيروت ان «لا مفر امام عواصم القرار الراغبة في تثبيت الاستقرار اللبناني، من المضي قدماً في دعم المؤسسة العسكرية التي تبذل قيادتها جهوداً استثنائية في هذه الفترة في سياق سعيها الى تفكيك الشبكات الارهابية واحباط مخططات تفجير في اكثر من منطقة، تستهدف الفتنة اكثر مما تستهدف جماعة مذهبية في حد ذاتها».
ويشير الى ان قائد الجيش العماد جان قهوجي كان واضحاً في تظهير الصورة الواقعية لاهداف الشبكات الارهابية، من خلال اعلانه في خطاب في اليرزة (مقر وزارة الدفاع وقيادة الجيش) في الواحد والعشرين من آب (اغسطس)، «اننا نواجه اليوم اكبر التحديات التي واجهتها ايضاً أهم الدول العربية والغربية في عقر دارها وهو الارهاب»، (…) وان «الجيش يخوض حرباً شاملة على الارهاب ولن تتوقف أجهزتنا عند انتقادات او حملات او صواريخ او عبوات بل ستواصل عملها». وأضاف: «ان هذه الحرب لا علاقة لها بأي خلاف سياسي ولا بالشائعات التي تطلق من هنا او هناك بهدف زعزعة الاستقرار». وكشف ان الجيش «يلاحق منذ أشهر خلية ارهابية تعمل على تفخيخ سيارات وارسالها الى مناطق سكنية كانت احداها سيارة الرويس»، وأن هذه الخلية «لا تعد لاستهداف منطقة معينة او طائفة معينة بل تحضر لبث الفتنة المذهبية عبر استهداف مناطق متنوعة الاتجاهات الطائفية والسياسية». وخلص الى ان «الوضع خطير ويستلزم جهوداً استثنائية من جميع القيادات السياسية لمساندة الجيش في مهماته».
وكانت الحكومة اللبنانية قد اقرت خطة لدعم الجيش بمبلغ 1،6 مليار دولار على مدى خمس سنوات، مقرونة بسعي الى عقد مؤتمر دولي يتبنى الخطة، وتسهم الدول المشاركة في تمويلها ضمن المعايير والالتزامات الدولية.
لكن هذا السعي توقف مع استقالة الحكومة وتباطؤ المجتمع الدولي في مقاربة هذه الخطة الطموحة، نظراً الى انشغالات عواصم القرار بالمسألة السورية.
ويكشف مصدر واسع الاطلاع عن جهود لاعادة تعويم هذا السعي، ومن غير ان يستبعد ان يثير رئيس الجمهورية هذا الملف في اجتماعاته الاممية.
وسبق لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان عرض هذا الموضوع في احد لقاءاته مع وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون التي رحبت بالفكرة، واعتبرت انها «تستحق الدرس» وان واشنطن ستتابعها مع الاطراف الدولية المعنية بهذا الملف.
في حينه، صرح مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية ان محور اجتماع كلينتون – ميقاتي كان عن «المخاطر المحتملة والتهديدات على استقرار لبنان التي تنتج عن النزاع في سوريا، بما في ذلك تدفق اللاجئين الى لبنان»، مشيراً الى ان ميقاتي «سلط الضوء على هواجسه حول المتشددين الذين يأتون الى لبنان، واحتمال استخدامهم الشمال كمنصة للعمليات، مما يقوض استقرار لبنان والمناطق المجاورة على حد سواء». واشار الى ان كلينتون «اقرت جداً بهذا الخطر (…)».

واشنطن والجهاد
في السياق ذاته، يرى متابعون اميركيون للوضع اللبناني أن «النزاع في سوريا وسيطرة دمشق المتفاوتة على حدودها يوفران للجماعات الجهادية الاجنبية فرصة عبور الحدود إلى لبنان، الامر الذي يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى المسؤولين اللبنانيين بما أن البلد يعاني أصلاً توترات طائفية رئيسية ومجموعات تميل إلى العنف داخل حدوده».
ويعتبرون ان «واشنطن لا تريد لبنان ممراً للازمة السورية بأي شكل من الاشكال، وان على الدولة اللبنانية ان تتخذ اي اجراء داخلي يمنع هذا الامر ولن يكون هناك اي تحفظ اميركي، بل ستساعد واشنطن في منع أي اضطراب داخلي في لبنان نتيجة الانعكاسات السورية».
ويشيرون الى معلومات استخبارية يجري تداولها في واشنطن عن «خشية اميركية رسمية من امكان تكرار ما حصل مع دعم الجهاديين الافغان، الذي لا تزال تدفع ثمنه حتى الآن، بمعنى ان دعم الجماعات الجهادية ذات المشارب المختلفة، قد يصبح من غير المقدور ضبط حركتها وايقاع تحركها وجهادها متى قررت هذه الجماعات التفرد بتطبيق اجنداتها الجهادية التي لا تلتقي حكماً مع المصلحة الاميركية، تماماً كما حصل مع الجهاديين الافغان، الذين تحولوا ليصيروا العدو اللدود للاميركيين – وليس للادارة الاميركية وحدها – فور فراغهم من القتال ضد الجيش السوفياتي وهزيمته في الحرب الافغانية».
ويلفتون، على سبيل المثال، الى ان «جبهة النصرة» – وفق عقيدتها – تضم مقاتلين لنصرة أهل بلاد الشام، اي سوريا والأردن وفلسطين، ولبنان، لكن مقاتليها من غير هذه الدول وجاءوا لنصرة شعوب هذه الدول، ولا وجود لهذه المنظمة سوى في سوريا، وهي تضم وفق بعض المعطيات الاستخبارية 15000 ليبي تدربوا في معسكرات بنغازي، و1000 تونسي و3000 مصري  و1000  شيشاني ومئات من الأتراك والخليجيين. وهي بهذه التركيبة، اضافة الى آليات عملها، تغدو كأنها استنساخ لعمل جماعات «الافغان العرب» الذين نشطوا في حرب افغانستان، وهم غرباء عنها، لا تربطهم بها سوى صلات الجهاد والعقيدة. ولما انتهت الحرب، عاد هؤلاء الى الدول العربية بحثاً عن جهاد جديد، فكان تنظيم «القاعدة» احد اخطر مسببات زعزعة استقرار هذه الدول في القرن العشرين».

حرب ضد الشيوعية والشيعية
بالتقاطع، يرى تقرير ديبلوماسي ان «سوريا تشهد حرباً لم تعد أطرافها مقتصرة على السوريين، بل تجاوز الأمر ذلك بكثير. فهناك من يعتبر أن ما يجري هناك تصفية حسابات قديمة ما زالت قائمة بين الروس والأميركيين، وهناك من يتبنى رؤية أخرى ويركز على البعد الطائفي باعتبار ما يجري محاولة لإعادة بناء موازين القوى بين التيار الشيعي والتيار السني».
ويعتبر التقرير ان «المشهد الروسي – الأفغاني في الثمانينيات من القرن العشرين والمشهد البوسني -الصربي في التسعينيات منه، في صدد إعادة إنتاج نفسيهما في المسألة السورية، حيث هناك تشجيع رسمي عربي لمواطنين عرب على الالتحاق بالأراضي السورية بقصد الجهاد ضد نظام الرئيس بشار الأسد، معطوف على غض طرف اميركي. لذا من غير المستبعد ان يعيد التاريخ نفسه، خصوصاً مع دعوة علماء مسلمين، اثر اجتماع لهم في القاهرة، الشباب إلى الذهاب إلى سوريا للجهاد ضد نظام لا يرونه فقط مدعوماً من روسيا التي ما زالوا يعتبرونها شيوعية، بل لمواجهة الخطر الشيعي. ففي نظر هؤلاء العلماء لا فرق بين الاحتلال الشيوعي – السوفياتي لكابول والاحتلال الايراني لدمشق بمساعدة «حزب الله».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق