الحملة الشعبية – المدنية: «الخطوة التالية» و«الثغرات الأولى»

الحراك الشعبي يعيد لبنان الى الأجندة الدولية
في فترة زمنية قياسية وبوتيرة «صاروخية» ظهرت حركات ومنظمات مدنية مطلبية وحققت خروقات شعبية لا بأس بها واستقطبت أضواء الإعلام واهتمام الدبلوماسيين وأوجدت لها أرضية تحرك واستحوذت على «شرعية شعبية» وتفويضاً بمواصلة ما بدأته، وتحولت الى مصدر قلق للطبقة السياسية التي تعرضت لهجوم غير مسبوق في حجمه ومستواه….
الحملة الأم قادتها حملة «طلعت ريحتكم» التي أسسها بضع أشخاص أبرزهم: عماد بزي، أسعد ذبيان، مروان معلوف، علي سليم، كلود جبر، لوسيان أبو رجيلي، طارق الملاح، فرح الشاعر… بعد نجاح هذه الحملة، كرت السبحة ونبتت تجمعات وهيئات مدنية مستقلة أطلقت على نفسها أسماء غير سياسية مثل «بدنا نحاسب» و«حلو عنا» و«قرفانين»… وبدت حملة «بدنا نحاسب» سياسية أكثر من غيرها وانضوت فيها مجموعات شبابية من حركة الشعب والحزب الشيوعي والحزب القومي وشباب ضد النظام وحزب الطليعة…
أخذت هذه الحملة الشعبية – المدنية حجماً واسعاً فوجئت هي به، وفاق حجم التجاوب الشعبي توقعاتها. وهذا التجاوب لا يتعلق فقط بحالة النقمة العارمة ازاء مشاكل وملفات عالقة ومكدسة، وإنما يرجع الى سببين مباشرين هما شرارة النفايات التي أشعلت غضباً مكتوماً ومتراكماً لأنها موضوع حساس له علاقة مباشرة بصحة المواطنين وراحتهم وبيئتهم… والسبب الثاني هو الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوى الأمن في اليوم الأول للتظاهر وفي مشهد أعاد الى الذاكرة ما كان يجري أيام الوصاية التي يفترض أنها ولت الى غير رجعة.
نجحت الحملة الشعبية في تحديها الأول وهو إثبات وجودها وحجمها على الأرض وانتزاع شرعية شعبية تؤهلها للتفاوض أو للتعاطي من موقع قوة مع الحكومة والسلطات. ومع تحديد مهلة الـ 72 ساعة لتلبية مطالبها (التي حددت باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق ومحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق وكل من أصدر الأوامر بإطلاق النار، وإجراء انتخابات نيابية جديدة، وإيجاد حل بيئي مستدام لملف النفايات يتضمن تحرير أموال البلديات من الصندوق البلدي المستقل)، وضعت الحركة الشبابية ـ الشعبية نفسها أمام تحدي الاستمرار بالزخم والتفاعل الشعبي عينهما والحفاظ على مصداقيتها وثقة الناس بها، وأمام تحدي الخطوة التالية.
النقاش جارْ عند هذه التجمعات الناشئة في شأن الخطوة التالية وفي ظل بروز ملامح الثغرات والتحديات الأولى في التحرك القابلة للاتساع إذا لم تعالج وتتعلق بـ:
– الشكل التنظيمي لقيادة الحراك وتشكيل إطار موحد.
– كيفية الانتقال من مجرد حملة تشترك فيها مجموعات مختلفة ومتنافسة الى إنتاج خطاب وبرنامج عمل موحد… على أن يكون الخطاب متناسقاً مع التصعيد الميداني ومع حجم التفويض الشعبي.
– طبيعة وماهية الخطوات التصعيدية المقبلة بحيث تكون مدروسة لاستكمال المسار من دون انتكاسات وخيبات.
– محاولات ومناورات السلطة والطبقة السياسية الحاكمة لاحتواء التحركات والتصويب على منظمي الحراك.
– توسيع الجسم القيادي لحركة «طلعت ريحتكم» عبر ضم أسماء سياسية إليه (مثل الوزيرين السابقين زياد بارود وشربل نحاس)، ولكن مقابل منع دخول الأحزاب الى الحراك المفرط الحساسية تجاه الأحزاب وإقدامها على استغلاله وتوظيفه و«تسييله سياسياً»… إضافة الى منع حصول اختراقات للتظاهرات وصرفها عن سلميتها…
ووفقاً لمصدر دبلوماسي في سفارة أوروبية بارزة ومؤيدة لتحركات المجتمع المدني في تقريرها الى وزارة خارجية بلادها أن تظاهرة 29/08/2015 في بيروت هي أول حركة ناجحة للمجتمع المدني في لبنان بهوية غير حزبية، لا تنتمي الى أي طائفة أو مذهب، وقد تمكنت من استقطاب اللبناني الرافض لما وصلت إليه الحالة المعيشية من تدن في مستوياتها.
وأشار التقرير الى أن تحرك السبت الماضي تجاوز مكانة قوى14 و8 في المعادلة السياسية الداخلية وهو يؤسس لحركة شعبية مستقلة عنهما.
ووفق هذا المصدر، فإن تحرك المجتمع المدني واستقطابه حشداً ضخماً من المتظاهرين السبت الماضي يفرض نفسه على اجتماع «المجموعة الدولية لدعم لبنان». وقد أحصت أكثر من سفارة في بيروت تابعة لدول تلك المجموعة أعداد التظاهرة، وكلف دبلوماسيون يعملون فيها رصد طريقة تعاطي السلطة والحشد الشعبي وسجلوا الشعارات التي أطلقت ومدلولاتها.
على وقع هذا التحرك في الشارع، عادت الى الكواليس مجموعة اتصالات دبلوماسية تستعجل انتخاب رئيس للجمهورية منعاً لتفاقم حال الشلل والفوضى التي طاولت المؤسسات الشرعية والشارع.
وكشف مصدر وزاري بارز أن الحركة الاحتجاجية الشعبية التي انتقلت الى الشارع شكلت جرس إنذار للقوى السياسية المحلية وكذلك للمجتمع الدولي، مشيراً الى تحرك عدد من العواصم الغربية وخصوصاً دول الخمس زائد واحد ولا سيما منها موسكو من أجل «لملمة» الوضع في لبنان من خلال الضغط في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية قبل رأس السنة.
المهم حسب مصادر دبلوماسية بارزة أن يجهد لبنان في اتجاه الدول الكبرى في هذه المناسبة لفصل موضوعه عن أزمات المنطقة وتأمين مناخ قوي مؤاتٍ لانتخاب رئيس للجمهورية.