دولياترئيسي

فضائح كبار هذا العالم… جنس ومال

الحياة السياسية والعامة، في الآونة الاخيرة، تميزت بفضائح، أدت المصرفية والمالية منها، الى تضخيم الازمة الاقتصادية والمعيشية، التي يتخبط فيها العالم. ولكنها تميزت كذلك، بفضائح سياسية، واخلاقية وبعضها على خلفية اقتصادية، وابطالها من رجال الاعمال والعاملين في السياسة. وكان الاسبوع الماضي حافلاً بها فانشغل العالم باثنتين بارزتين من هذه الفصائح.

في ايطاليا، يقف سيلفيو برلوسكوني، في السادسة والسبعين، رجل الاعمال الذي ترأس ثلاث حكومات يمينية، خلال العقدين الاخيرين، على عتبة ان يدفع ثمن خطاياه، في دنيا الاعمال والسياسة وانعكاساتها على حياته الخاصة.
ففي الوقت الذي ينتظر سيلفيو برلوسكوني ان تحسم المحكمة العليا في حكم صدر عن احدى المحاكم بادانته بالتهرب من الضرائب، على رأس شركة الاعلام، «ميدياست»، حكمت عليه محكمة اخرى في الاسبوع الماضي بالسجن  7 سنوات، وبمنعه من ممارسة اية مهمة عامة، مدى الحياة، في اطار العملية المعروفة باسم «فضيحة روبي» الجنسية. ولا يزال امامه مسلسل طويل من القضايا الاخرى عالقة امام القضاء.
وما يجدر التوقف عنده، هو ان هيئة المحكمة المؤلفة من ثلاث نساء رفعت في قرارها عقوبة السجن، التي طلبتها المدعية العامة، وكانت امرأة كذلك من 6 الى 7 سنوات، بتهمة استغلال النفوذ ودفع قاصرة الى ممارسة الدعارة، بعد ان اعتبرت فعل رئيس الحكومة السابق «اجبار» القاصرة وهي مغربية الجنسية، على الدعارة.

محاولة التهرب
ويشكل هذا الحكم، زلزالاً بالنسبة الى برلوسكوني، الذي فعل المستحيل، من اجل التهرب منه، بما فيه ادعاء المرض، في احد المستشفيات وتنقذه من السجن حصانته النيابية.
ولكن هيئة المحكمة في ميلانو، انتهت بعد 27 شهراً من التحقيق و50 جلسة محاكمة، الى تبني نظرية المدعية العامة، ايلدا بوكاتشيني، التي رأت «انه ليس هناك اي شك» في ان رئيس الحكومة الاسبق، اقام علاقات جنسية مقابل اجر مع كريمة المهروق الملقبة بروبي، (لؤلؤة)، عهد كانت الشابة المغربية دون الثامنة عشرة. ومن القرائن التي قدمتها المدعية العامة، بوكاتشيني، ان برلوسكوني اتصل تلفونياً ليل 27 – 28 ايار (مايو) 2010، بمفوضية الشرطة في ميلانو، وكان رئيساً للحكومة، يطلب فيها اطلاق سراح روبي، المعتقلة بتهمة سرقة، مدعياً انها قريبة الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، وان من شأن اعتقالها ان يقود الى ازمة ديبلوماسية، مع مصر. وقالت المدعية العامة، ان برلوسكوني كان يعرف عهدئذٍ، ان الفتاة قاصر وان السبب الحقيقي لتدخله، كان الحؤول دون ان يصل الى الصحافة، «نظام الدعارة الذي كان يدور في منزله الخاص في اركوره، ارضاء لنزواته الجنسية». ولكن هذه المحاولة، ادت الى لفت نظر القضاء والى زوايا غامضة في المجون الذي كان يميز حياة رجل السياسة والاعمال الكبير، في ايطاليا. وجعله منه صديقاً كبيراً، لمعمر القذافي وفلاديمير بوتين، الذي اهداه سريراً، خلال احدى زياراته الى فيللا اركوره.
ويتساءل الطليان، والعالم: ماذا سيفعل برلوسكوني ، الآن، وهل سيبقى يتعذب في جحيمه القضائي – الذي ينتظر محاكمات مشينة اخرى، بينما يتنعم، رئيس الحكومة الحالي، بلمعان حكومة يدعمها حزب برلوسكوني؟! التوقعات هي انه سيسترسل في حملة ضغوط عبر محطاته التلفزيونية، على الحكومة، انطلاقاً من تشديده الحالي، على انه ضحية مؤامرة، «ان الحكم الذي صدر لا يصدق، انهم يريدون اخراجي من السياسة ولكنني سأقاوم»، فمن الصعب ان ينسحب لمثل هذا السبب من حكومة يتولى فيها احد رجاله نيابة رئاستها.

عملية فساد
وفي فرنسا، شكوك حول عملية فساد، على مستوى عال جداً، اوصلت رجل الاعمال والوزير السابق برنار تابي موقوفاً امام الفرع المالي، في الشرطة القضائية الفرنسية، في اطار التحقيق الذي تجريه حول تحكيم ادى الى دفع 405 ملايين يورو، كتعويضات لتابي، في عملية بيع شركة «اديداس»، في التسعينيات. ويشكل هذا التطور جديداً، حقيقياً، في ملف قضائي، جرى فتحه في سنة 2011، في قضية عميقة الابعاد، جعلت احدى الصحف، تعلق: «تابي، مقصلة الجمهورية الخامسة» في فرنسا، لان كريستين لاغارد، حاكمة صندوق النقد الدولي، تمثل في القضية كشاهد اساسي، بعد ان كانت وزيرة الاقتصاد في عهد ساركوزي، التي واكبت في سنة 2008، عملية التحكيم بين رجل الاعمال ومصرف كريدي ليونه، الذي ادى الى دفع التعويضات المليونية الى تابي مع الفوائد.
وكانت كريستين لاغارد، قررت عهدئذٍ، متابعة خلاف تابي مع كريدي ليونه، بواسطة لجنة تحقيق. وليس من قبل قضاة الدولة، ينتمي اعضاؤها الى القطاع الخاص. وقد يمتد التحقيق الى لاغارد، في قضية استيلاء على المال العام والمشاركة في التزوير، واعتبرت مديرة صندوق النقد الدولي شاهداً في وضع خاص، هو بين الشاهد والمتهم الخارج للتحقيق. فخضعت على مدى يومين للتحقيق لدى المحكمة الخاصة بالوزراء والتحقيق لا يعتبرها غريبة عما يحصل ولكنه يكفل لها كل الحقوق… حتى الآن، ويبقى في الافق، احتمال ان يفقد صندوق النقد الدولي، مديره للمرة الرابعة، بعد دومينيك شتراوس، في سنة 2011، بسبب فضيحة جنسية والاسباني رودريغوزاتو، الذي استقال، في سنة 2007، بسبب قضية مصرفية، بعد استقالة الالماني هورست كويهل، ليترشح لرئاسة جمهورية المانيا، قبله.
وفي القضية المالية الفرنسية، كان تابي اشترى بالملايين التي اخذها من عملية التحكيم، مجموعة صحف الجنوب الفرنسي المحلية فاستحق تهمة السعي الى رئاسة بلدية مدينة مرسيليا. لكن التهمة كانت مجرد مزحة، بينما الحقيقة ان الحزب الاشتراكي، لم يغفر له، تحوله الى دعم نيكولا ساركوزي، بعد ان عمل وزيراً في عهد الرئيس الاشتراكي، ميتران، ولا يبدو ان في الجو، سعياً للانتقام، لان قرار احالته الى المحاكمة جاء من المحكمة الدستورية وجرى تحريك القضية، على مستوى رفيع، بعد ان وجد المحققون، رسالة مكتوبة باليد، وغير مؤرخة وجهتها لاغارد الى الرئيس ساركوزي تضع نفسها تحت تصرفه.

اللغم العائم
وتبقى الاسباب عديدة، لمن يريد استعمال برنار تابي، الذي هو بمثابة اللغم العائم، في اية عملية سياسية، موجهة خصوصاً ضد عهد ساركوزي،
وكان تابي حاول ان ينقل بندقيته من كتف الى اخرى، مرة جديدة، فعرض في شهر نيسان (ابريل) على الرئيس الاشتراكي، فرانسوا هولاند، الذي رفض بينما يؤكد مدير مكتب لاغارد، عهد كانت وزيرة للاقتصاد، اشتراكها في قرار اعتماد التحكيم، على عكس ما تؤكد هي.
اوساط فرنسية ترتجف من ذيول اللغم الذي اسمه برنار تابي، فان ثلاثة اشخاص يواجهون تهمة «الاختلاس في جماعة منظمة» منذ شهر ايار (مايو).
المحاكمة مستمرة، السياسة ترتجف، بينما يستمر تابي في احتلال المواقع الاولى على المسرح، والهدف الأبعد هو الرئيس السابق ساركوزي، ومنعه من العودة الى السياسة، مثل برلوسكوني.

فضيحة اخرى
وفي اطار فضيحة اخرى من عيار مماثل، نسبت جريدة «لو موند»، الى مصادر قضائية، ان رجل الاعمال اللبناني الاصل، زياد تقي الدين، انهار اخيراً واعترف، في السجن الذي يقضي فيه عقوبة التوقيف الاحتياطي، بانه شارك في تمويل حملة ادوار بالادور، الرئاسية ضد جاك شيراك، في سنة 1995، بعمولات من صفقة اسلحة اشتهرت باسم عملية كاراتشي، وكان ساركوزي مدير حملته الانتخابية.
وكان زياد تقي الدين، ادخل السجن، بعد ان سعى وراء جواز سفر من جمهورية الدومينيك، ربما في اطار مسعى للخروج من فرنسا، فأودع السجن الاحتياطي في 31 ايار (مايو) الماضي، فقرر الاعتراف بعد ان سئم الاقامة في السجن، وبعد ان تخلى عنه اصدقاؤه، من جماعة بالادور ونيكولا ساركوزي.
وفي الولايات المتحدة، قصة بوليسية على هامش فضيحة التجسس الانترنيتي الرسمي لم تتضح كل معالمها بعد، وتشبه نهاياتها، مصير العديد من الذين تعاطوا مع عالم المخابرات، وفي خطوطها العريضة ان الصحافي الاميركي مايكل هاستينغز، كان يلاحق «قصة مهمة» الى حد جعل السلطات تحقق مع اصدقائه ومع محيطه، مما جعل الصحافي يتأكد من ان عليه ان يغيب عن «الرادارات مدة من الزمن»، وسطر رسائل انترنيتية، الى عدد من اصدقائه يبلغهم فيها هذا الامر حرفياً. وكان ارسل هذه البرقيات. في حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر 17 حزيران (يونيو)، وفي الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، كان الرجل مات، مقتولاً في حادثة اصطدام سيارته المرسيدس بشجرة في مدينة لوس انجلوس.
فهل اننا امام مجرد حادثة سير، كما يقول المحققون في الشرطة، ام امام شيء آخر، ومؤامرة في الضبط كما يقول آخرون؟
وكان مايكل هاستينغز، صحافياً في الثالثة والثلاثين من العمر، انتقل من ثبات الحياة القروية في ولاية فيرمونت الى تحت اضواء المسرح السياسي الوطني، منذ ان ادى نشر مجلة رولينغ ستون لسيرة كتبها عن الجنرال ستانلي ماك كريستال، الى استقالة قائد القوات الاميركية في افغانستان، وكان هاستينغز توصل الى الفوز بثقة الجنرال ومساعديه المقربين، ما مكنه من جمع تصريحات عدائية لسياسة الرئيس باراك اوباما، واعطت معلوماته انطباعاً، بان قادة متغطرسين وغير مسؤولين، يتولون ادارة الحرب في افغانستان.
وتوصل البيت الابيض بعد نشر هذه المعلومات بقليل الى اقناع الجنرال ماك كريستال بتقديم استقالته، مما اعطى هاستينغز، حجماً يوازي نموذج ووترغايت: الصحافي الشاب والشجاع، الجريء والمقدام، الذي توصل الى اسقاط رؤوس كبيرة. والسقوط مقتولاً في حادث سيارة. لورنس الحرب العالمية الاولى كان قتل في حادث دراجة نارية في لندن.

باريس – جوزف صفير
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق