عون: مسيرة مكافحة الفساد لن تتوقف مهما اشتدت الضغوط والليرة بخير ولا خطر يتهددها

وعد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمتابعة الخطوات التي بدأت العام الفائت لاجتثاث الفساد ومكافحته، مؤكداً ان هذه المسيرة لن تتوقف مهما اشتدت الضغوط وتشعبت المداخلات، لأنها حجر الزاوية في العملية الاصلاحية.
وقال الرئيس عون ان الإصلاح نهج وليس شعاراً، «قبل أن يكون إملاء من أحد بمعرض مساعدتنا على تخطي ازمتنا»، مشيراً الى ان «التحدي اليوم أمام الحكومة في وضعها موازنة 2019 ليس فقط في الترشيق والتخفيض المقبول والمتوازن، بل في قدرتها على توفير عنصرين لتحاكي الأزمة التي تعصف بالوطن والشعب هما: تحديد مكامن الخلل والهدر والفساد والقضاء عليها، وتظهير الوظيفة الاقتصادية للموازنة بعد طول إنكار وغياب، لتبدأ بعدها معالجة حقيقية للعجز في شقيه: المالي والتجاري، في ضوء اعتبار واحد: مصلحة الشعب العليا».
كلام الرئيس عون جاء خلال الافطار الرمضاني الذي اقامه غروب امس في قصر بعبدا، وفق التقليد السنوي.
لقاء ثلاثي
وسبق الافطار، لقاء ضم الرئيس عون والرئيسين بري والحريري، تطرق الى الاوضاع الراهنة في البلاد، وآخر ما وصلت اليه الاتصالات والمشاورات الدائرة حول مشروع الموازنة واهمية الاسراع في اقراره من قبل مجلسي الوزراء والنواب.
وبعد انتهاء اللقاء الثلاثي، انتقل الجميع الى قاعة 25 ايار حيث اقيمت مأدبة الافطار الرمضاني. القى الرئيس عون كلمة جاء فيها:
في بداية الشهر الفضيل في العام الماضي ومن على هذا المنبر بالذات قطعت عهداً ووعداً لجميع اللبنانيين، بأنه «وقبل أن يهل هلاله مجدداً ستكون دولتهم قد أنجزت خطوات حاسمة على طريق اجتثاث الفساد من لبنان». عام مضى على ذلك الوعد، والكثير من الخطوات الحاسمة قد تحققت على هذه الطريق في أكثر من ميدان، ووعدي هذه السنة بأننا سنتابع ما بدأناه، ومسيرة مكافحة الفساد لن تتوقف مهما اشتدت الضغوط وتشعبت المداخلات، لأنها حجر الزاوية في العملية الاصلاحية.
فالإصلاح، هو نهج وليس شعاراً، هو الركن الأساس في الحكم إن اردنا الخروج من الموروث القاتل للوطن والدولة ولغد شبابنا وأحلامهم، قبل أن يكون هذا الإصلاح إملاء من أحد بمعرض مساعدتنا على تخطي ازمتنا.
إن الاستقرار السياسي والاستقرار الأمني قد تحققا، وكذلك الانتظام المالي بفعل تصميمنا على إنهاض مشروع الدولة بأركانها كاملة بعد طول انتظار، ويبقى الاستقرار الاقتصادي ووقف استباحة المال العام ومحاسبة مرتكبيه.
إن التحدي اليوم أمام الحكومة في وضعها موازنة 2019 ليس فقط في الترشيق والتخفيض المقبول والمتوازن بل في قدرتها على توفير عنصرين لتحاكي الأزمة التي تعصف بالوطن والشعب:
اولاً، تحديد مكامن الخلل والهدر والفساد والقضاء عليها.
ثانياً، تظهير الوظيفة الاقتصادية للموازنة بعد طول إنكار وغياب، لتبدأ بعدها معالجة حقيقية للعجز في شقيّه: المالي والتجاري، في ضوء اعتبار واحد: مصلحة الشعب العليا.
لقد مرّ لبنان في عصوره بتجارب قاسية وأزمات حادة، سياسية وأمنية واقتصادية ومالية واجتماعية، منها ما هو من صنع أيدينا ومنها ما فُرض علينا، ولكن شعبنا كان دوماً يتغلّب عليها بالتصميم والارادة والنضال والتضحية ووحدة الموقف. وهو اليوم يمرّ بأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية صعبة، الكثير من أسبابها موروث وثقيل، ولكنها مرحلية ونحن قادرون على تجاوزها إذا تعاونا وتشاركنا في الانقاذ.
فإن لم نُضحِّ اليوم جميعاً ونتخلص من بعض امتيازاتنا التي لا نملك ترف الحفاظ عليها، نفقدها كلّها، ونصبح لقمة سائغة على طاولة المؤسسات الدولية المقرضة التي سوف تفرض علينا وصفة اقتصادية ومالية قاسية وخاضعة لوصايتها وإدارتها المباشرة وفقا لمصالحها الاقتصادية والسياسية، لا قدرة لنا على تحملها.
إن التضحية ستكون متوازنة ومتناسبة بين القوي والضعيف وبين الغني والفقير، فتتحقق العدالة في الموجبات وفي الالتزام وأيضاً في الألم المؤقت، ليخلص لبنان.
المطلوب اليوم منا، ونحن العصيّون على كل وصاية، العودة إلى ضميرنا الوطني والعمل بوحيه قبل المصلحة الشخصية الآنية التي لن نجد إليها سبيلاً إذا استفحلت الأزمة ووصلنا إلى المحظور المرفوض منا، فننقذ أنفسنا بأنفسنا، ونقبل بالتضحيات المطلوبة إلى حين، ونتوقف عن الاعتصامات والاضرابات والتظاهرات وشلّ قطاعات العمل العامة والخاصة التي تعمّق الهوة بين ما نسعى إليه والواقع المرير. وللإعلام دور كبير في هذا المرتجى من الآمال والجهود التي نقوم بها ونأمل ان يكون شريكاً أساس في الانتصار على الشائعات المغرضة والهدامة التي تطال أسس الدولة وخصوصاً الوضع النقدي والليرة، وشريكاً أيضاً في التوعية على المخاطر وفي شرح الحلول وتبيان ضرورتها.
إن الليرة بخير، ولا خطر يتهددها، والصعوبة التي نمر بها مرحلية ومحدودة، ونأمل أنه في العام المقبل سنكون قد خرجنا منها وتحسّن وضعنا الاقتصادي ولم يبق من الحاضر إلا القليل.
إن المراقب لمشهدية الاعتصامات والاضرابات المتنّقلة لا بد وأن يتبادر الى ذهنه سؤال منطقي:
أيعقل أن يرفض المواطن اللبناني المساهمة بأي شيء وهو يعرف جيداً الوضع الدقيق والمفصلي الذي يعيشه لبنان؟ أيعقل أنه فقد أي ارتباط بالمصلحة العامة وصار ما يهمه فقط مصلحته الضيقة والآنية؟
هكذا تبدو الصورة ظاهرياً، أما جوهر الصورة فينبئ بحقيقة مؤلمة، جوهر الصورة يقول إن هذا المواطن اللبناني، وعلى مر السنوات الماضية، قد فقد ثقته بدولته ولم يعد يشعر أنه معني بها. فالضرائب التي كان يدفعها يراها تشبه الخوّة، تذهب منه ولا تعود اليه بأي شيء، لا هو يسأل أو يحاسب ولا هي تعود، وتضيع ما بين هدر وفساد.
ومن هذه الصورة أتوجه إلى الحكومة بكلمة واحدة: أعيدوا إلى اللبناني ثقته بدولته، أثبتوا له أن تضحياته لن تذهب سدى في مسالك الهدر والفساد الوعرة، عندئذ فقط نستعيد شعبنا الى وطنه.
عندما ناديتكم يوماً بشعب لبنان العظيم كنت أقصد هذه القدرة على النهوض من الكبوات ومواجهة الواقع بتصميم وإيمان، ودحر المخاطر عن الوطن مهما كانت، والالتفات دوماً الى المستقبل وعدم الوقوع في الاحباط القاتل والسلبية العقيمة.
ويقيني اليوم، لا بل إيماني، أنكم ما زلتم وستبقون شعب لبنان العظيم».