الاقتصادمفكرة الأسبوع

القاهرة: صدمة بين رجال الأعمال بعد رفع الفائدة ولوم لصندوق النقد

لا حول ولا قوة إلا بالله. الناس لن تجد مياه الشرب ناهيك عن الأكل، آخر واحد خارج يطفىء النور، مصيبة، كارثة، كلمات لا نسمعها عادة من رجال الأعمال لكنها خرجت منهم على نحو عفوي لتسلط الضوء على حالة الصدمة عقب قرار البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة.

كان مجتمع المال والأعمال على موعد مع مفاجأة جديدة من البنك المركزي مساء الأحد إذ لم يكن أحد يتوقع رفع تكاليف الاقتراض ولا أن تكون الزيادة بمقدار 200 نقطة أساس دفعة واحدة في خطوة ألقى رجال الأعمال باللوم فيها على صندوق النقد الدولي.
عزا البنك المركزي قراره إلى محاولة السيطرة على التضخم السنوي والوصول به إلى مستوى في حدود 13 بالمئة في الربع الأخير من 2018.
وقفز التضخم السنوي في المدن إلى أعلى مستوى له في ثلاثة عقود بعد قرار تعويم الجنيه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وسجل 31،5 بالمئة في نيسان (أبريل).
ووصف هاني برزي رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية قرار المركزي لرويترز بأنه «مفاجأة غير سارة وضربة موجعة للاستثمار ويزيد من عبء الاقتراض ويضغط على الموازنة العامة للدولة (…) كل الدول في حالة الركود تتجه إلى خفض سعر الإقراض لتشجيع الاستثمار بدلاً من الإدخار».
والاقتصاد المصري ليس في حالة ركود إذ نما 3،9 بالمئة في الربع الثالث من السنة المالية الحالية 2016-2017 بعد نمو 3،8 بالمئة و3،4 بالمئة في الربعين الثاني والأول على الترتيب. لكن الاقتصاد يعاني بشدة منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت حكم حسني مبارك وما أعقبها من قلاقل سياسية أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين.
ورفع البنك المركزي خلال اجتماع للجنة السياسة النقدية التابعة له سعر الفائدة على الودائع لأجل ليلة واحدة إلى 16،75 بالمئة من 14،75 بالمئة ورفع سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة إلى 17،75 بالمئة من 15،75 بالمئة. وبهذا يكون البنك المركزي قد رفع أسعار الفائدة 500 نقطة أساس منذ تشرين الثاني (نوفمبر).
وكان 13 من بين 14 خبيراً اقتصادياً استطلعت رويترز آراءهم الأسبوع الماضي توقعوا أن يُبقي البنك على أسعار الفائدة دون تغيير وتوقع اقتصادي واحد رفع السعر 50 نقطة أساس.
وقال مسؤول حكومي لرويترز طالباً عدم نشر اسمه «القرار متوقع منذ فترة… إنها توصيات صندوق النقد للسيطرة على التضخم».
وكان كريس غارفيس رئيس بعثة صندوق النقد لدى مصر شدد في بيان صحفي للصندوق في وقت سابق هذا الشهر على ضرورة كبح التضخم في مصر قائلاً «أعود وأكرر على ضرورة احتواء التضخم».
وقال اقتصادي بأحد بنوك الاستثمار طالبا عدم نشر اسمه «القرار كارثة وامتثال واضح لطلب صندوق النقد… ما حدث غلطة كبيرة لكن لا أحد يريد الاستماع. لا أجد أي سبب مقنع لما حدث».
يذكر ان وفداً من صندوق النقد زار القاهرة نهاية نيسان (أبريل) الماضي لإجراء مراجعة بهدف تقويم جهود الإصلاح. وفي بيان مشجع إلى حد كبير صدر يوم الجمعة قال الصندوق إن البرنامج شهد بداية جيدة وإنه وافق مبدئيا على صرف الشريحة الثانية من القرض البالغة قيمته الإجمالية 12 مليار دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية.
وفي لغة سيطرت عليها حالة الصدمة من القرار قال علاء سبع من غرفة السيارات باتحاد الغرف التجارية لرويترز «القرار يعالج التضخم بالتضخم… ما يحدث تهريج. الأسعار ستتضخم مرة أخرى».
«لا أعلم كيف يقبلون على مثل هذه الخطوة؟ كيف يمتثلون لكل طلبات الصندوق؟ الاقتصاد قد يتوقف. إذا أردت الاقتراض حالياً سيكون بأكثر من 18 بالمئة. هذا رقم خيالي سيضاف على أسعار المنتجات والسلع».
في المقابل قال البنك المركزي المصري في بيان قرار الفائدة «يتم استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض التي قد تؤدي إلى انحراف عن معدلات التضخم المستهدفة».
واتخذت الحكومة في أواخر 2015 سلسلة إجراءات لاحتواء ارتفاع أسعار السلع الأساسية واستخدمت شاحنات الجيش ووزارة التموين في توزيع المواد الغذائية بأسعار مدعمة على الفقراء بجانب زيادة عدد المتاجر التي يديرها الجيش وتحديث جميع المتاجر التابعة لوزارة التموين.
لكن أسعار السلع الأساسية لا تشهد أي تراجعات منذ نحو عامين بل تسجل قفزات متتالية.
وقال أشرف الجزايرلي رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية لرويترز «الأكيد أن القرار سيرفع تكلفة الصناع مما سيكون له أثر في زيادة الأسعار. حركة السوق ستتباطأ أكثر… المستثمر سيفكر كثيرا قبل الإقدام على أي استثمار في الفترة المقبلة».
وقال رجل أعمال طالباً عدم نشر اسمه «ما حدث صدمة. في الدول المتقدمة يتم خفض الفائدة لتشجيع الاستثمار والتوسع وعدم تشجيع الكسالى على ترك الأموال بالبنوك… قرار المركزي سيدفع الشركات لعدم الاقتراض تماما مما سيبطىء أي توسعات ويزيد معدلات البطالة».
وتوقع وزير المالية المصري عمرو الجارحي لرويترز الأسبوع الماضي استمرار تراجع معدل البطالة ليصل إلى 11،7 أو 11،8 بالمئة نهاية 2016-2017. وكان انخفاض نسبة البطالة وتحسن النمو الاقتصادي من بين الأسباب التي ساقها البنك المركزي لقراره يوم الأحد.
وقال إيهاب رشاد من مباشر انترناشونال «للأسف خدمة الدين ستزيد بنسبة كبيرة مما سيؤثر سلباً علي عجز الموازنة».
«رفع سعر الفائدة لن يجذب المزيد من السيولة بل على العكس سيحدث تباطؤاً في الاستثمار لأن تكلفة الاقتراض الآن وصلت لمستويات قياسية».
وتحملت مصر 243،635 مليار جنيه قيمة مدفوعات فوائد الدين في 2015-2016 ورفعت وزارة المالية توقعاتها للإنفاق على الفوائد في السنة المالية الحالية إلى 303،879 مليار جنيه.
وتوقع محمد فؤاد عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب في اتصال مع رويترز أن يكلف قرار المركزي موازنة السنة المالية المقبلة 2017-2018 ما بين «30 و32 مليار جنيه زيادة فى تكلفة خدمة الدين بالموازنة».
«كل زيادة في سعر الفائدة بواقع 100 نقطة أساس ترفع أعباء خدمة الدين بالموازنة حوالي 15 مليار جنيه وهو تأثير بالغ الخطورة على السياسة المالية. القرار سيؤدي لتضخم انكماشي. القرار جاء استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي».
وتستهدف موازنة السنة المالية المقبلة 2017-2018 المعروضة على مجلس النواب إنفاق 380،986 مليار جنيه على مصروفات الفوائد.
وقال فؤاد «في حالة تحمل الموازنة العامة عبء مصروفات الفوائد الجديدة بعد الزيادة فهذا يعني استحالة تأجيل قرارات زيادة أسعار الطاقة والمياه والكهرباء يوماً واحداً بعد بداية السنة المالية الجديدة».
وتوفير الغذاء بأسعار في متناول المواطنين قضية حساسة في مصر التي يعيش الملايين فيها تحت خط الفقر وشهدت اطاحة رئيسين خلال ست سنوات لأسباب منها السخط على الأوضاع الاقتصادية.
لكن رجال الأعمال يفقدون الثقة على ما يبدو في نجاعة الإجراءات الاقتصادية التي لطالما أشادوا بها من قبل. وقال أحد هؤلاء مشترطاً عدم نشر اسمه «نريد خبيراً اقتصادياً في الحكومة».

رويترز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق