افتتاحية

ارموا نفاياتكم في مطمر الفساد السياسي

هذا الاسبوع هو اسبوع الزبالة في لبنان. سدت الشوارع في بيروت والجبل والمناطق اللبنانية كلها بالنفايات، وساهمت درجات الحرارة المرتفعة في انبعاث روائح عفنة كريهة، اصابت المواطنين في صحتهم وحياتهم، وقبع القسم الاكبر منهم في منازلهم، مقفلين الابواب والشبابيك، حابسين انفسهم في ظل المكيفات، هذا اذا كانوا من اصحاب الحظوظ الكبيرة وانعمت عليهم شركة كهرباء لبنان بالتيار. وبالمناسبة شركة الكهرباء هي قمة في قهر المواطنين واذا سرت في دهاليزها لاصبت الذهول. ماذا فعلت هذه الشركة للبنانيين منذ 1990 حتى اليوم؟
تكدست القمامة حتى تحولت الى تلال تأوي الجرذان وجميع انواع الحشرات، التي راحت تسرح وتمرح على الارصفة، في ظل حركة مرور التي اصبحت خفيفة، بعد ان لزم المواطنون منازلهم.
امام هذا المشهد المؤلم، ونحن في عز موسم الاصطياف، الذي يعول عليه الكثيرون لتحريك الاقتصاد، واعادة احياء بعض المؤسسات، سقطت الحكومة، وسقط معها جميع من يعملون في السياسة، وسقط لبنان. وكانت «اجمل» صورة نقلتها الصحافة العالمية عن هذا المشهد المخزي. «خير دعاية» للسياح ودعوتهم لزيارة «لبنان الاخضر»، وكان اكثر المستفدين والمصفقين اسرائيل التي تنشط منذ زمن طويل لتشويه صورة لبنان السياحية، فقدم لها المسؤولون والسياسيون اثمن هدية، تستخدمها لمحاربة السياحة في لبنان.
هل قرأ اللبنانيون ما كتبت الصحافة العالمية عن هذه الفضيحة التي تسبب بها السياسيون للوطن؟ كل ذلك والمسؤولون ماضون في التعامل مع الامور بخفة ومن منظار مصالحهم الضيقة، دون التطلع الى المصلحة الوطنية التي باتت اخر هّم من همومهم المحصورة بالصفقات والسمسرات والمحاصصة، ويجري ذلك تحت انظار العالم الذي يراقب الوضع، ويبدي سخريته من هذه الطبقة المتحكمة، بمقدرات البلد.
نتطلع عبر الشاشات على وجوه سياسية ملّ منها الناس فنتحسر على ايام زمان يوم كان في لبنان رجال يبذلون الغالي والنفيس في سبيل مصلحة الوطن. فاين بشارة الخوري واين رياض الصلح؟ اين كميل، وبيار الجميل وريمون اده وصائب سلام؟ اين هؤلاء كلهم، ترى هل هم ينظرون من فوق ويشاهدون ما يفعله خلفاؤهم بالوطن؟
لقد اجتمع مجلس الوزراء، بعد ايام على الكارثة البيئية التي تصيب اللبنانيين في حياتهم. لم يكلفوا انفسهم الاجتماع في اليوم الاول للمجزرة، بل انتظروا اياماً حتى علت الاصوات وخافوا على انفسهم من الفضيحة، فماذا كانت النتيجة؟
رفض البعض البحث في ملف النفايات، وطالبوا ببحث آلية عمل مجلس الوزراء، فهذه هي اولويتهم. طبعاً هم لا يهمهم الشعب، بل انهم يبحثون عن قضايا تخدم مخططهم في عرقلة المؤسسات ومنعها من العمل. هناك خطة وضعت في عهد حكومة سابقة، الا ان الحكومة التي تسلمت بعدها بانقلاب شهده الجميع، دفنتها في مطمر الكيدية السياسية.
اصوات سياسية وحزبية قليلة جداً، تحركت ووصفت ما يجري بالمؤامرة التي اساسها الصفقات والمحاصصة والكيدية. ولكن هذه الاصوات سرعان ما كانت تضيع في زحمة الضجيج الذي يفتعله السياسيون، الذين يمضون في التعامل مع الامور بخفة ومن منظار مصالحهم الضيقة، وما المتطلبات الحياتية والاجتماعية للمواطنين في نظرهم سوى فضيحة سخيفة لا تستحق العناء. انهم اصحاب مشروع قائم عن سابق تصور وتصميم، لضرب المربع الاخير من الدولة، من خلال شل العمل الحكومي. لقد عطلوا صلاحيات رئاسة الوزراء، وسخفوا صلاحيات رئيس الجمهورية بتوزيعها على 24 وزيراً، حتى عبقت رائحة الفشل السياسي التي هددت الداخل، ووصلت الى الخارج. لا كهرباء، لا ماء، لا طرقات، لا هواء نقياً، لا شيء من ضرورات الحياة مؤمناً للمواطنين.
اذاً لقد غرقت جمهورية العجز في اكوام النفايات. فما كانت ردة فعل المواطنين؟ انهم كعادتهم لبسوا ثياب النعاج التي اشتهروا بها، ولم يحركوا ساكناً، وجل ما قاموا به، بعض التغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي، اللهم الا قلة ضئيلة لا يتجاوز عددها بضع عشرات تظاهروا في شارع رياض الصلح ووسط بيروت ثم تفرقوا دون الاقدام على اي خطوة فعالة.
ماذا كان عليهم ان يفعلوا؟
ان اول خطوة يتوجب على المواطنين اتخاذها جمع النفايات، وحملها الى السراي الحكومي ومجلس النواب ومنازل السياسيين وسد ابوابها، وحبسهم في الداخل الى ان تحل القضية. ولكن هذه الخطوة يلزمها شعب حيوي لا يقبل الظلم، ويقاتل في سبيل حقوقه التي يسلبها منه السياسيون، وتضيع بين صفقاتهم ومحاصصاتهم واطماعهم.
ايها المواطنون
احملوا نفاياتكم وارموها في مطمر الفساد السياسي، وهو قادر على ابتلاع كل شيء باستثناء الروائح الكريهة التي ازكمت انوف المواطنين دون السياسيين. لانهم اعتادوا عليها. لقد ورد في اخر التقارير ان استفتاء اجري لمعرفة نسبة ثقة الشعب بسياسييه، فجاء لبنان في المرتبة الاخيرة. فهنئياً لكم ايها السياسيون بهذه الثقة المفقودة.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق