الاقتصادمفكرة الأسبوع

الاستثمارات الزراعية الخليجية تتجه الى اوروبا واميركا


ما زال هاجس الأمن الغذائي يحتل حيزاً كبيراً من اهتمامات المسؤولين في دول الخليج الذين عدلوا في الاستراتيجيات المتبعة بحيث يكون توجه الاستثمارات الزراعية نحو الدول المتقدمة في اوروبا واميركا، بدلاً من الدول النامية. فما هي الدوافع لهذا التوجه الجديد؟

ظلت دول الخليج لسنوات طويلة تعتمد على الواردات لتلبية ما بين 80 و 90% من احتياجاتها الغذائية، لكنها توجهت منذ فترة غير قصيرة نحو ضخ اموال في شراء عشرات آلاف الهكتارات من المزارع الرخيصة وغيرها من الاصول الزراعية في الدول النامية، وخصوصاً في افريقيا كالصومال والسودان ومصر وغيرها. وكانت تلك الدول تأمل في أن تتيح لها تلك الاستثمارات استغلال محاصيل غذائية كبرى، مما يجنبها التقلبات العالمية في اسعار الغذاء، لكن ليس كل ما تتمنى الدول تدركه. اذ دار لغط محلي حول بعض المشروعات الى حد اتهام المستثمرين العرب بإنتزاع الاراضي التي يجب استغلالها في توفير الغذاء للسكان المحليين، كما اثر تدهور الاوضاع الامنية وضعف البنى التحتية سلباً على بعض المشروعات الخاصة بالمستثمرين العرب، سواء كانوا جهة خاصة او جهة رسمية.
ويقول ايكارت وارتز الباحث في “مركز برشلونة للشؤون الدولية” انه رغم إعلان شركات خليجية عن خطط لانفاق مليارات الدولارات، فإن هذه المشكلات حالت دون المضي قدماً في الكثير من المشروعات او على الاقل وصولها الى حد الانتاج الغذائي الواسع.

افريقيا الباكورة
الواقع ان دول الخليج بدأت تضخ استثمارات كبيرة في اراضٍ زراعية في الخارج عام 2008 بعد ارتفاع اسواق العقود الآجلة للحبوب بسبب سوء الاحول الجوية في الدول الكبرى المنتجة للاغذية، وتزايد استخدام العقود الحيوي والقيود التي تفرضها بعض الحكومات على الصادرات الزراعية، مثل روسيا واوكرانيا والارجنتين وغيرها. ولم تشرف الحكومات الخليجية الغنية قط على مواجهة نقص الغذاء، لكنها شعرت بالقلق خصوصاً بعد ان فقد النفط مصدر دخولها الرئيسي ثلاثة ارباع قيمته لفترة قصيرة في العام 2008.
وفي الوقت نفسه ثمة صعوبات تواجهها البرامج العالية التكلفة الرامية الى زيادة الانتاج الغذائي في الخليج في ظل المناخ القاسي ونقص المياه في المنطقة. وبدأت السعودية في تقليص برنامج زراعة القمح المحلي عام 2008، وقررت الاعتماد على الواردات اعتماداً كاملاً بحلول العام 2016. ومن ثم شجعت دول الخليج شركاتها على شراء اراض صالحة للزراعة في الدول النامية، كما فعلت شركة “الظاهرة الزراعية” الاماراتية أخيراً من خلال تعهدها بالشراكة مع الحكومة الاماراتية لتنفيذ برنامج الامن الغذائي الاستراتيجي. وجمعت شركة “جنان للاستثمار” في ابو ظبي نحو 160 الف فدان (67200 هكتار) من الاراضي الصالحة للزراعة في مصر التي تعتبر احد كبار مستوردي القمح في العالم. وكانت الشركة تخطط في الاساس لزراعة علف للماشية في الامارات. غير ان الشركة تضررت من جراء ضريبة على الصادرات بلغت 300 جنيه مصري (43 دولاراً) للطن، وواجهت مشكلات من بينها اضرابات عمالية، ونقص التجهيز اللازم لتشغيل الآلات. ويقول رئيس الشركة محمد العتيبة ان ذلك اجبر “جنان” على زراعة القمح بدلاً من العلف وللاستهلاك المحلي في مصر. وواجه الملياردير السعودي محمد العموري مشكلات في اثيوبيا بعد ان استحوذت شركته على نحو 10 آلاف هكتار في منطقة “جامييلا” لزراعة الارز. وفي نيسان (ابريل) 2012 نصبت جماعة مسلحة كميناً لموظفي الشركة مما اسفر عن مقتل خمسة اشخاص. وذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الانسان انها تعتقد بأن الهجوم مرتبط بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لاعادة توطين سكان القرى بهدف افساح المجال امام المشروعات الزراعية التجارية.

تغيير الوجهة
وامام المشكلات المتزايدة التي تواجهها المشروعات الزراعية الخليجية في الدول النامية، بدأت دول الخليج تغير مساراتها الرامية لتحقيق الامن الغذائي، متجهة نحو الدول المتقدمة التي يفوق انتاجها الغذائي استهلاكها بكثير. واختارت شركة “الظاهرة الزراعية” الاماراتية، على سبيل المثال، هذا التوجه في آذار (مارس) الماضي بشرائها ثماني شركات زراعية في صربيا التي تعتبر احد كبار ومصدري الاغذية، والتي قد يكون الرأي العام فيها اقل حساسية تجاه المشروعات الزراعية التي يمتلكها اجانب. وقد بلغت قيمة الصفقة 400 مليون دولار. وغالباً ما تكون المشروعات في اوروبا واميركا الشمالية وبعض المناطق الاخرى اعلى تكلفة وتقل فيها فرص اقامة مشروعات على اراض واسعة كما هي الحال في افريقيا، غير انها تتميز بقلة مشكلاتها السياسية ومخاطرها بالنسبة الى الامارات والسعودية والكويت وقطر التي تسعى جميعها الى توفير الاحتياجات الغذائية لسكانها. وفي مقابل الصفقة الاماراتية اعلن صندوق ابو ظبي للتنمية – وهو مؤسسة رسمية معنية بالمساعدات – عن قرض بقيمة 400 مليون دولار لقطاع الزراعة الصربي. وتستمر “الظاهرة” ايضاً في اماكن اخرى، بينما ضخت “جينان” استثمارات في الولايات المتحدة واسبانيا.

استثمارات خليجية في الزراعة
اسست شركة “حصاد” الغذائية – الذراع الزراعية لصندوق الثروة السيادي القطري – فرعاً في استراليا عام 2009، يركز على القمح والشعير والماشية. وفي حزيران (يونيو) الماضي استحوذت شركة “المزارعون المتحدون” القابضة ذات الملكية السعودية على مجموعة “كونتيننتال قارمرز” التي تملك مشروعات زراعية في بولندا واوكرانيا، وتنتج محاصيل مثل القمح والذرة. واذا كان معظم المشروعات الخليجية في افريقيا قد ارتكز على شراء الاراضي، فإن ذلك جعلها في حاجة الى مزيد من التقنيات الزراعية اللازمة لبدء تنفيذها. وعلى عكس ذلك جرى ضخ استثمارات كثيرة في اوروبا في مشروعات زراعية لا تحتاج الا  الى بعض الدعم المالي لتنفيذها. ويقول مسؤول في “الظاهرة” انه في اغلب الاحيان تكون هناك شركات وصلت الى مستوى معين وتحتاج الى استثمارات للانتقال الى المستوى التالي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق