رئيسيسياسة عربية

مأساة انسانية جديدة في الصومال

في خضم الأحداث التي يعيشها العالم العربي، حالات تكاد تنساها الاخبار الى ان تبرز احداث، تدفعها الى الواجهة، او تذكّر على الأقل بوجودها. ففي العالم الافريقي، بلد عربي اسمه الصومال، اعاده الى واجهة الأخبار الجانبية، حدث ينضم الى السلسلة غير المشجعة التي يتخبط فيها عالمنا العربي.

المنظمة الطبية الإنسانية «اطباء بلا حدود»، أعلنت خلال الأسبوع الماضي، انها اوقفت كل نشاطاتها في الصومال، بعد ان عملت هناك، من دون انقطاع منذ سنة 1991. والسبب؟ الإعتداءات الخطيرة التي تعرضت لها طواقمها ، على ايدي مجموعات مسلحة، تقول المنظمة انها كانت تتمتع أكثر فأكثر، بدعم السلطات او بتسامحها التي كانت تبرىء حتى عمليات قتل الناشطين الإنسانيين والاعتداء عليهم وخطفهم.
وفي بعض الحالات كان على الناشطين، في «أطباء بلا حدود» ان يتفاوضوا، مع قادة المسلحين المحليين، حول الحد الادنى من الضمانات المطلوبة لإحترام المهمة الطبية الإنسانية، التي يقومون بها، وليس في مناطق الوسط الجنوبي من الصومال وحدها. ولكن الذي كان يحصل، هو ان المسؤولين هؤلاء، كانوا يشاركون في شكل ام بآخر، بالإعتداءات التي تحصل، لاحقاً على طواقم «اطباء بلا حدود»، في صورة مباشرة، ام  بموافقة  ضمنية. وكانت نتائج اعمالهم وتصرفاتهم هذه حرمان مئات الآلاف من المدنيين الصوماليين من المساعدات الإنسانية.

تفاوض مع مسلحين
وتشير مصادر المنظمة الإنسانية، الى انها اضطرت طوال 22 سنة، من نشاط قامت به في الصومال، الى التفاوض مع مجموعات مسلحة وسلطات، اي جميع الأفرقاء المعنيين. ودفعت ضرورة تلبية احتياجات الشعب الطبية الملحة المنظمة الإنسانية الى مواجهة حالات، لا سابقة لها، من الخطورة والمجازفة. وكان خصوصاً على المحليين المتعاونين معها ان يتحملوا ثمن مساومات كبيرة، على حساب مبادىء الاستقلال واللا تمييز، المفروض ان يميّز عمل اطباء بلا حدود.
وتشمل الاعتداءات التي تعرضت لها منظمة اطباء بلا حدود، في السنوات الأخيرة، مقتل العديد من ناشطيها، في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2011، في مقديشو العاصمة، كما تم اطلاق سراح القاتل بعد الحكم عليه بثلاثين سنة سجناً ثم خطف، بطريقة العنف، 6 عناصر من فريق العمل في مخيمات اللاجئين في كينيا، الذي انتهى في الشهر الماضي، بعد 21 شهراً من احتجاز المخطوفين في وسط جنوب الصومال، وليست العمليتان سوى الاخيرتين من سلسلة طويلة من اعمال العنف، ادت الى مقتل 16 من أعضاء فرق اطباء بلا حدود منذ سنة 1991، ووقوع عشرات عمليات الاعتداء على عناصرها وسيارات الاسعاف والبنى الطبية.
وقال اوفي كارونماكارا، الرئيس الدولي لأطباء بلا حدود: «اننا ننهي مشاريعنا في الصومال، لأن الأحوال في البلد، انتهت الى حالة لا توازن غير محتمل، بين المخاطر والمساواة التي تجبر طواقمنا على اعتمادها، وطاقتنا على مساعدة الناس».
وبعيداً عن اعمال القتل والخطف، كان العمل في الصومال يفرض على اطباء بلا حدود، اعتماد حراسة امنية ذاتية خاصة، الأمر الذي لا تفعله في أي بلد آخر، وفرض حدود قصوى على طاقتها على تقدير احتياجات الناس والإستجابة اليها بطريقة مستقلة.
وكان مركز المنظمة العملاني في بروكسيل، خفض حجم المشاركة، منذ بداية 2012 فأغلق مركزي مقديشو وغورييل، لم يُبق إلا على مستشفى واحد، من 140 سريراً في بوارو في «دولة» صوماليلاند، كان يعمل بواسطة 12 ناشطاً دولياً و150 مساعداً محلياً، يقدم الخدمات لأكثر من 300 ألف مواطن صومالي. ويعني قرار الإنسحاب اغلاق هذا المركز اضافة الى تسعة مستشفيات اخرى، في اول تدبير من نوعه في تاريخ المنظمة.

احترام الحياة
وقال رئيس فرع اسبانيا لأطباء بلا حدود، خوسيه انطونيو باستوس، عبر الهاتف الى «الأسبوع العربي»: «اننا لسنا شهداء، بالرغم من اننا منظمة مكونة من متطوعين، ملتزمين، متحمسين، يتحملون المخاطر والمجازفة لمساعدة آخرين يواجهون حالات صعبة. اننا نحترم حياة الانسان الآخر ولكننا نحترم، حياتنا كذلك»!
وليس للقرار الذي اتخذته منظمة اطباء بلا حدود في الصومال، إلا سابقة واحدة: انسحاب المنظمة الانسانية من افغانستان في 2004، للأسباب عينها،: المخاطر الأمنية التي كانت تحوط بالعاملين معها.
واشار باستوس الى ان منظمته ساعدت في الصومال في سنة 2012، بالرغم من كل شيء، أكثر من 624 ألف مريض، واستثمرت 25 مليون يورو في مشاريع طبية مختلفة. وشدد على «ان الوضع هناك، مأساوي فإن شلل الأطفال مثلاً، الذي قضي عليه في العالم، يقترف المجازر في الصومال، وتحول الحالة الأمنية دون ممارستنا اعمالنا الانسانية بصورة طبيعية».
«وخروج اطباء بلا حدود، سيترك آثاراً انسانية مؤلمة على الأهالي، وقد خرجت المنظمة لأن ليس لها على خلاف سواها، اجندات سياسية».
وتخوض الصومال، تجربة اخرى يتساءل المراقبون، عن جدواها في الحالة الراهنة، فمقديشو كانت وقعت اتفاقية مع الشركة البريطانية «صوما اويل آند غاز اكسبلورايشن ليميتد»، (وكأن اسمها يدل على انها     خصيصاً لهذه العملية)، للبدء في عمليات استكشاف البترول في الصومال.
فأعادت المبادرة طرح النقاش، حول جدوى، هذا النوع من «اللقاءات الظرفية»، واذا كانت تعود فعلاً بالخير على ابناء البلاد.
وكان تقرير ديبلوماسي، بتاريخ 20 حزيران (يونيو) 1991، ارسله السفير في دجيبوتي، ريتشارد باريت، اشار قبل شهر واحد من اعلان الاتفاقية الى ان في استطاعة الحقول الصومالية ان تنتج 300 ألف برميل في اليوم. وبعد سنتين وقعت اربع من كبريات شركات النفط الاميركية، على عقود لاستكشاف النفط في 70 في المئة من الأراضي الصومالية. وعرضت احداها، «كونوكو»، تأمين خدمات أمنية، للمسؤولين الاميركيين الذين يتجولون في شوارع العاصمة مقديشو.

البحث عن النفط
وليس عبثاً ان تكون «افريقان اويل» وشركتاها: رانج، وريد ايمبيرور ريسورسز»، وقعت في سنة 2006، عقوداً للبحث عن الموارد الطبيعية، في «دولة» بونتلاند، ذات الحكم الذاتي في الشمال.، ويبدو ان اهتمام الشركات المعنية ينحصر في حقلي دارور ونوغال، اللذين يقدر ان طاقتهما الفعلية تزيد على 5 الاف مليون برميل من النفط الخام. حسب تقرير صدر مؤخراً عن مؤسسة «بيتروتك انجينييرنغ». ولكن تقريراً صدر عن مجموعة الوصاية على الصومال التابع للأمم المتحدة، تخوّف من ان يؤدي استكشاف النفط في هذه الظروف الى تأجيج وتيرة الصراعات في المنطقة.
ويتوقع تقرير للبنك الدولي، ان يشكل النفط الافريقي 12 في المئة من احتياط العالم في سنة 2013 الحالية، مع حجم انتاج يصل الى حوالي 12 مليون برميل في اليوم، لا تستهلك منها، القارة السوداء سوى 5 في المئة.
وضع جنوب السودان قريب من هذا الواقع حيث ان وزير البيئة في ولاية «بوينتي ستايت» اشار الى ان انتاج النفط في هذه الدولة الافريقية انخفض في معدل الربع منذ الاستقلال، قبل سنتين، مع العلم ان 98% من مداخيل جنوب السودان تأتي من تصدير النفط.
وبالرغم من ذلك تستمر ثروة الطبقات الحاكمة ترتفع وتزداد. وتقديرات محكمة الجزاء الدولية ان ثروة عمر البشير، رئيس السودان الشمالي، المودعة في بنوك بريطانيا، وحدها تبلغ حوالي 9 مليارات دولار، بينما وقّع زميله رئيس جنوب السوادن، سالفا كير، في اواخر نيسان (ابريل) 2012، قرضاً مع حكومة الصين، بقيمة حوالي 8 مليارات دولار، لم ير منه الشعب سنتاً واحداً، حتى الآن.

صراع على الطاقة
ولا تتوقف تعاسة الصراع على النفط على «السودانيين» و«الصوماليين» في افريقيا. فبالرغم من انها تنتج 2،5 مليون برميل من النفط الخام، في اليوم، فإن نيجيريا تستورد تقريباً كل الوقود التي تستهلكها وضبطاً من الولايات المتحدة.
ويقدر اوبيا جللي ايزكفسيلي، الخبير الاقتصادي وأحد مؤسسي وكالة «الشفافية الدولية»، (انترناشونال ترانسبارتسي)، ان حوالي 400 مليار دولار من مداخيل النفط، سرقت ام اسيء استعمالها، منذ الاستقلال في سنة 1960، فلا عجب ان تكون مؤسسته صنّفت نيجيريا، في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم.
وفي كانون الثاني (يناير) 2012، تفاءل النيجيريون بحصول تبدل في المسار، عندما واجهت البلاد «ربيعها العربي» الخاص، بعد ان الغى الرئيس غودلاك جوناتان، دعم اسعار الوقود، ولكن النتيجة كانت ان ارتفع سعر ليتر البنزين من 65 نايرا (40 سنتاً)، الى 140 نايرا (82 سنتاً)، مما ادى الى اغراق البلاد، في اضراب عام خانق وادى تصحيح الاوضاع الى استقرار سعر ليتر البنزين في حدود 97 نايرا (حوالي 62 سنتاً). الذي يبقى غير منطقي في بلاد تعيش اكثرية سكانها بدولارين في اليوم الواحد.
والاسوأ، كان عندما كشف البرلمان النيجيري، عن حالة «فساد متأصلة ولا فعالية متجذرة، تميّز بها نظام عانى مما كان يرافق اعمال دعم اسعار الوقود، في السنوات الماضية. واشارت الوثيقة التي عالجها البرلمان الى مسائل اخرى، مثل سوء الادارة وسرقة الوقود من قبل الموظفين الحكوميين، كلفت البلاد خسائر قدرت بحوالي 6000 مليون دولار، خلال ثلاث سنوات، اي حوالي ربع مداخيل الدولة السنوية.
وهذا لا يعني ان الطبقة الحاكمة تعاني من الحرمان الذي يؤلم الشعب. فبالرغم من ان دخل الفرد في جمهورية الكونغو، لا يتعدى 3300 دولار في السنة، فان منظمة الشفافية الدولية، كشفت عن ان رئيس البلاد، دنيس ساسو نغيسو يملك في فرنسا  18 منزلاً و112 حساباً جارياً في المصارف، ساهم في تغذينها ثمن 274 ألف برميل من النفط تنتجها البلاد يومياً.

اثراء الحكام
وهكذا يبدو ان ابناء النفط الاقليميين تعلموا الدروس، من الكبار الذين سبقوهم: اثراء الحكام على حساب الشعب والا كانت الحروب على الشكل الذي عرفته الصومال والسودان، والكونغو وغيرها.
واما غانا التي انضمت مؤخراً الى جيل ايكس» من النفط، بإنتاج 70 ألف برميل في اليوم فإنها تنطلق من دخل الفرد فيها لا يزيد عن 1560 دولاراً سنوياً.
يوغندا، التي تنتمي الى هذه العائلة الجديدة من المنتجين النفطيين، فإن رئيسها يو ويري موسيفيني، يتجذر في السلطة، منذ أكثر من عقدين، سيسعى الى تمديدهما ما دام يستفيد لوحده من 20 ألف برميل من النفط الخام تنتجها بلاده يومياً.
وعلى ضوء هذه الارقام، لا يتوقعن احد ان يستقبل شعب الصومال باهازيج الفرح، اخبار النفط الأخيرة. فهذا النفط لم يبدأ بعد في اطعام الجائعين في دول افريقيا السوداء، العربية وغير العربية، النفطية الجديدة.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق