استمرار استسلام المئات في اخر جيب للدولة الاسلامية في سوريا
الخارجون من جحيم الباغوز في شرق سوريا نساء متعبات وأطفال مذعورون وجرحى
يشق مئات الرجال، بعضهم على عكازات وآخرون مضمدو الأطراف، برفقة نساء منقبات وأطفال مذعورين طريقهم صعوداً في مسارات وعرة وضيقة تقودهم من الباغوز إلى قمة جرف صخري، هرباً من قصف عنيف يدكّ الجيب الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا.
يسير هؤلاء منهكين، الواحد تلو الآخر تحت سماء رمادية وأمطار خفيفة تبلل وجوههم المرهقة، بعد خروجهم من بقعة التنظيم المحاصرة والتي تتعرض منذ أيام لقصف مدفعي كثيف من قوات سوريا الديموقراطية بدعم من التحالف الدولي الذي تستهدف طائراته مواقع التنظيم.
وبعد تراجع وتيرة القصف والمعارك بعد ظهر الخميس، لم يعكر الهدوء إلا صراخ أطفال، بدت وجوههم هزيلة وثيابهم متسخة ونظراتهم حائرة وبضع طلقات نارية يتردد صداها بين الحين والآخر.
وأحصت قوات سوريا الديموقراطية الخميس «استسلام ما يقارب 1300 إرهابي وعوائلهم».
وتتخذ قوات سوريا الديموقراطية من أعلى التلة الصخرية المشرفة على قرية الباغوز، الغارقة في دمارها، مقراً لها، يمكّنها من رصد المحاصرين داخل جيب التنظيم وحركة الخارجين منه.
وتجهد نساء منقبات بالأسود لبلوغ أعلى التلة وهن يحملن ما تمكنّ من توضيبه داخل حقائب وأكياس. وتحذر أخريات في خطواتهن، بينما تحمل كل واحدة منهن طفلاً رضيعاً ملفوفاً بغطاء شتوي ملون وتجر آخر باليد الثانية.
وتكاد إحداهن أن تفقد توازنها، قبل أن تسندها نساء قربها ويدفعنها لمتابعة سيرها.
بعد دقائق، تتعثر فتاة صغيرة وتسقط مرتين متتاليتين على الأرض بينما يحاول شقيقها التقدم وهو يزحف على يديه ورجليه. وتحاول والدتهما المتعبة مساعدتهما بلا جدوى.
وتحمل امرأة على كتفيها امرأة أخرى مصابة بجروح في رجلها، من دون أن يتضح عمراهما أو صلة القربى بينهما. والإثنتان منقبتان.
على بعد أمتار، تسير امرأة أخرى ترتدي عباءة بنية فضفاضة وهي تعرج، قبل أن تتعثر وتشكو من الألم والتعب.
جرحى وبقع دماء
يمكن رؤية الكثير من الجرحى في صفوف الرجال، الذين بدت بقع الدماء على سراويل عدد منهم. ويسير بعضهم مستخدماً عكازات بينما علّق آخرون أذرعتهم برباطات، وعيون عدد منهم مضمدة.
وقال أحدهم «الوضع مأسوي تعرفون ذلك جيداً».
ويلبس العديدون منهم العباءات التقليدية المصنوعة من الصوف. ويرخي معظمهم من شباب ومسنين لحاهم.
ويستخدم رجل لم يُظهر من وجهه إلا عينيه، غصني شجرة كعكازين.
ويقول رجل مسنّ كان يلفّ قدمه بضمادة رداً على سؤال لفرانس برس «أنا من بلد الإمام البخاري»، قبل أن يوضح أنه يقصد أوزبكستان. وبينما يساعده مقاتل من قوات سوريا الديموقراطية على السير، يضيف بلهجة عربية ركيكة «مخيم، «جرحى كثير»».
وفي عداد الخارجين، رجال يقولون إنهم عراقيون وأولاد آسيويو الملامح ورجل ذو بشرة سوداء حاول إخفاء وجهه بيديه أمام عدسات وسائل الاعلام.
وبحسب مسؤول في قوات سوريا الديموقراطية، فإن الطريق الذي يسلكه هؤلاء هو الطريق الوحيد الآمن الذي لا يطاوله رصاص مقاتلي التنظيم.
ويصل الخارجون إلى أعلى التلة، حيث يتمّ اخضاع الرجال للتفتيش والاستجواب، ثم يُنقل من يُشتبه بانتمائه الى التنظيم إلى مراكز اعتقال. ويُرسل النساء والاطفال إلى مخيمات للنازحين باتت مكتظة.
وتناثرت على أطراف الطريق الوعرة أغراض تركها الخارجون خلفهم من عربات أطفال وثياب وبطانيات ملوّنة وحقائب مفتوحة.
ويوضح المتحدث باسم حملة قوات سوريا الديموقراطية في دير الزور عدنان عفرين لوكالة فرانس برس «عندما تكون هناك اشتباكات عنيفة، يتوجه المدنيون إلى الممرّ» مشيراً إلى وجود «المئات» محاصرين في الداخل. ويضيف «غالبيتهم من المقاتلين ومن أفراد عائلاتهم».
ويحمل رجل طويل القامة يلف وشاحاً أسود على وجهه، طفلاً لا يتحرّك، وبرزت ضلوع صدره النحيل من تحت قميصه.
ويقول أمام الصحافيين عن الطفل إنه «جريح»، قبل أن يكمل سيره مثبتاً نظره إلى الأمام.
ا ف ب