ثلاث شخصيات سياسية تشغل العالم

ثلاث شخصيات سياسية تشغل العالم، في هذه الايام، باخبار من نوع خاص، تختلف عن اهتمامات سائر العالم. انهم سيلفيو برلوسكوني رئيس وزراء ايطاليا السابق وفلاديمير بوتين رئيس جمهورية روسيا وطوني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق.
سيلفيو برلوسكوني، لم يغمض له جفن، منذ ان ادانته المحكمة العليا الايطالية، في الاول من شهر آب (اغسطس)، بالتهرب من الضرائب، واعترف، متحدثاً بالهاتف، منذ ايام الى اجتماع لانصاره في مدينة نابولي، بعد ان كاد يسقط الحكومة، باجبار وزرائه الخمسة في حكومة انريكو ليتا، على الاستقالة: «اشعر وكأنني ابن 37 سنة، بالرغم من انني لم انم عشر ساعات هادئة، منذ 55 يوماً». سيلفيو برلوسكوني، رئيس حكومة ايطاليا، على مدى عقود، يبلغ اليوم 77 عاماً.
ولكن وزراءه، عادوا، بعد الاستقالة، فدعوا نواب الحزب الى التصويت على الثقة، بالحكومة التي انسحبوا منها، ومشى هو مع القافلة، «لانقاذ الشرف». فحصلت حكومة ليتا على ثقة كبيرة، ضمنت لها البقاء في الحكم قوية ووفرت على ايطاليا، ازمة مدمرة.
اخطاء وتناقضات
وكان رئيس الحكومة الايطالية السابق، تخبط في الشهرين الاخيرين، في سلسلة لا تحصى من الاخطاء والتناقضات، فكان يتخذ في كل يوم، قراراً مختلفاً، فكّر به وصاغه، في ليلة ارق، ولم يعد بذي فائدة في اليوم الثاني، مما يساعدنا على ان نفهم، لماذا سعت، جاهدة، ابنته البكر، مارينا لاقناع والدها بتجنيب البلاد ازمة، كان يضغط صقور حزبه، لدفعه اليها. ولم تتردد صحف ايطالية في الاشارة الى «هشاشة توازن برلوسكوني النفساني». وكان يوم الاحد الماضي، 30 ايلول (سبتمبر)، آخر يوم هدوء قبل ان يبدأ معركته السياسية الاخيرة، وشعر بالغبطة امام كعكة عيد شفيع اسمه التي جاء بها اولاده، مزينة بحرف: «س». اشارة الى سيلفيو وسوبرمان، مع بطاقة: «كنت والداً رائعاً، لن نتركك ابداً».
وكان في نية برلوسكوني، ان يتصرف قبل صدور قرار المحكمة العليا، كرجل دولة، كزعيم، فيدعم حزبه قيام حكومة تحالف وطني، من اجل انقاذ ايطاليا، من ازمتها الاقتصادية. وكانت نية برلوسكوني الظهور بثياب المنقذ، مقابل عدم طرده من مجلس الشيوخ، الذي يعطيه حصانة يحتاج اليها. ولكنه عندما رأى، بعيد صدور الحكم النهائي بادانته من اعلى سلطة قضائية في الدولة، شعر بأن طرده لا مفر منه، فتحول الى القرار غير المسؤول، باثارة ازمة حكومية.
وفي الواقع، ان سيلفيو برلوسكوني، اقترف اخطاء كبيرة وكثيرة. وصولاً الى التسبب بازمة عدمية، توجها في الايام الاخيرة، باجبار نواب حزبه، على التهديد بالاستقالة من البرلمان، اذا طرد هو من مجلس الشيوخ، فاثار هذا القرار فضيحة، لم يسبق لها مثيل في اية ديموقراطية غربية.
وكانت كل القرارات التي اتخذها في الاشهر الاخيرة، من وحي خوفه من القبض عليه ودخول السجن، واكد ذلك، احد نواب حزبه، الى «الاسبوع العربي» بالهاتف من روما: «ان الخوف من دخول السجن يلاحقه، في كل لحظة وفي كل مكان، فكان يبدو غائباً وفي عالم آخر، في اجتماعات اللجان البرلمانية لحزبه، وكان يتساءل، كل ربع ساعة: «ماذا سيفعل الحزب اذا اعتقلوني؟ انه هاجس ولعله مبرر، «لان القضاة الذين حكموه، قد يكونون يريدون ان يدخلوا التاريخ، بادخالهم الى السجن، رئيس حكومة اسمه سيلفيو برلوسكوني».
محاميه، النائب في البرلمان، نيقولا غيديني، هو احد الصقور الذين توقع هذه النهاية الدراماتيكية واشعل الحماس في برلوسكوني. كي يدفع البلد الى ازمة سياسية، تنقذه مؤقتاً من سجن قد يدخله خلال 20 يوماً.
شخصية غامضة
وتعكس الاشهر الاخيرة غموض شخصية رئيس الحكومة الايطالية السابق، الذي انتقل من بائع متجول لادوات منزلية الى صاحب اكبر ثروة في ايطاليا، ورئيساً لحكومتها، وسيطر طوال 20 سنة على مقدراتها السياسية. منذ ان اسس حزب «ايطاليا الى الامام» في سنة 1994، ودخل معه البرلمان. ويصف شخصية برلوسكوني، الاستاذ الجامعي، جيوفاني اورسينا، واضع كتاب «البرلوسكونية في تاريخ ايطاليا»: «ان برلوسكوني شخصية خلقت التباساً كبيراً في حياة ايطاليا. فهو من جهة، سياسي شعوبي، ديماغوجي، عدو للسياسة، قليل الاحترام لبعض القواعد الاخلاقية، ولبعض السلطات والمؤسسات، ولكنه اطلق في المقابل برنامجاً يمينياً وسطياً، معتدلاً ومسؤولاً، فربح الانتخابات بملايين عديدة من اصوات الناخبين، ولكنه خسر في النهاية، معركته مع القضاء، بل انه اندحر، وبعد اشهر من العراك، قطع علاقاته مع القوى التي كانت تدعوه الى الاعتدال، ومع الناحية المعتدلة من سيرته الذاتية، فوقع اسير السلبية، في طباعه، الحقودة والمدمرة».
ان برلوسكوني، يعطي اليوم انطباعاً، بانه يعيش في ضياع، وقد يكون هذا السبب الذي جعل رئيس الحكومة، انريكو ليتا، يتمنى له في عيد شفيعه، «سنوات عديدة من الصفاء».
ربما من يدري، في معية صديقته الجديدة فرنشينسكا باسكاله، ابنة الثامنة والعشرين، التي اعترفت في الاسبوع الماضي، الى احدى المجلات الاسبوعية الايطالية، بانها كانت عرضت على برلوسكوني الزواج، «فلم يبق امامه الآن، الا الموافقة».
ويفتح هذا الفصل الاخير، نافذة على حياة المجون التي كان سيلفيو برلوسكوني يمارسها، داخل الحكم وخارجه، مع نساء من كل المستويات، اكثريتهن لقاء مال لا ينقصه. ومن القضايا المرفوعة ضده، علاقة مع فتاة قاصر.
ويقال ان العقيد القذافي وفلاديمير بوتين، كانا من رواد بعض سهرات المجون، التي كان يقيمها في فيلته في جزيرة سردينيا، وان من الهدايا التي قدمها اليه الرئيس الروسي سريراً روسياً.
ويعتبر ما حصل اليوم في ايطاليا نهاية رجل اسمه سيلفيو برلوسكوني، اراد ان يعيد شبح حكم الرجل الاوحد الى روما، وعهود الاباطرة الرومان، في انتظار ان يقرر رئيس الدولة، نابوليتانو والحكومة، اين سيقضي رئيس الحكومة السابق الحكم بالسجن الصادر في حقه، في السجن، ام في الاقامة الجبرية. ام في الاعمال الاجتماعية؟
فلاديمير بوتين
وفي روسيا كلام، وان كان من مستوى آخر، حول علاقات الرئيس فلاديمير بوتين وهو الشخصية السياسية العالمية الوحيدة الذي دافع عن برلوسكوني في محنته الاخيرة.
وكما ادخل برلوسكوني عدداً من عشيقاته الى الحياة السياسية، اوصل بوتين امرأة تربطه بها علاقة عاطفية الى برلمان روسيا.
ليس هناك اي دليل، ولكن الروس، الذين اعتادوا منذ عقود على التشكيك بالاخبار الرسمية، واقتناعاً منهم بأن للشائعات دائماً، اساساً من الصحة، يستمرون في مناقشة الخبر الذي يقول: ان فلاديمير بوتين توج حبه مع بطلة الرياضة البدنية آلينا كاباييفا، وعقد قرانه عليها، حسب الطقوس الدينية في احد الاديرة القائم بين بحيرات منطقة فالداي وغاباتها في شمال روسيا، حيث يملك الرئيس منزلاً. ونشر المحامي كالا آهيلفوف على موقعه في تويتر: «ان بوتين تزوج اليوم، من كاباييفا، في دير ايفرسكي ان فالداي كلها مقفلة».
ولكن ناطقاً باسم الكرملين، ديمتري بشكوف، كذب الخبر: «انها مجرد تسليات على الانترنت في عطلة نهاية الاسبوع». ودعا الصحافيين الى عدم التدخل في حياة رئيسه الخاصة: «انه رجل ويستطيع تقرير الاعلان، عما اذا كان له زوجة ام لا».
حياة الشخصيات السياسية في الاتحاد السوفياتي، كانت من الممنوعات منذ دائماً، وكان فلاديمير بوتين اول من حطم تقليداً كان يريد ان تكون الزوجة، التي تعرّف اليها الرئيس، على وفاق اكثر من كامل معها، رفيقة حياة، وفية ومتواضعة. ففي حزيران (يونيو) الماضي، اعلن الرئيس بوتين، امام كاميرات التلفزيون، انه طلق زوجته لودميلا، التي كانت جالسة الى جانبه، وكأنها غير معنية بالامر، وكان جرى الاعلان عن اول طلاق في تاريخ الكرملين. بعد سلسلة من الشائعات، ارادت ان تكون لودميلا مسجونة في احد الاديرة، مثل زوجات اباطرة روسيا السابقين، بينما راحت احدى صديقاتها الالمانيات، تقسم بان فلاديمير زوج غير وفيّ وغير مخلص.
علاقة غرامية
وكانت الشائعات، نسبت الى رئيس روسيا الرياضي، علاقة غرامية ببطلة الجمباز كاباييفا، التي كانت في هذه الاثناء، تخلت عن الرياضة لتمارس السياسة، وتدخل البرلمان، على لوائح حزب الكرملين، «روسيا الموحدة». وكذبت آلينا الجميلة، اكثر من مرة، ان الثمرة الاخرى لعلاقتها بفلاديمير بوتين، كانت ولداً ام ولدين. ولكن الشائعات في موسكو، لا تتردد في نسبة ابوة الولد الذي يظهر، في استمرار، مع آلينا الى الرئيس، ويبقى كذلك، ان الجريدة الاولى التي تجرأت على نشر الخبر، توقفت عن الصدور مباشرة تقريباً.
وربما كل ما سبق لم يشكل وطلاق فلاديمير بوتين، «خبراً». وكذلك، لان كل زواج من اثنين، ينتهي بالطلاق في روسيا، ولما عاد عازباً تحول فلاديميروفيتش الى اعزب المذهب في روسيا. وهكذا انفجرت قبل اسبوع، قنبلة الخبر الذي نشره المحامي كالا آهيلفوف، بعد خبر سابق: «ان موعد القران حدد في 21 ايلول (سبتمبر): «كل منطقة، فالداي مقفلة»، على اساس ان تحركات الرئيس الروسي تفرض قطع حركة السير على مدى كيلومترات. وكانت هذه التدابير هي التي جعلت الموسكوبيين، يصدقون شائعات الخيانة الرئاسية الزوجية. ووصل بعضهم الى حد الحديث عن صور. ثم تراجع آهيلفوف، وقال: «انني لم أر، ولكن ابناء المنطقة قالوا لي». بينما راح محللون سياسيون مشهورون مثل ستانيسلاف بلكوفسكي ينصرفون الى تحليل شخصية الرئيس سياسياً ونفسانياً، في 140 صورة. فقال، انه لا يصدق ما يقال، لان بوتين «مصاب بمرض العزوبية».
وقد يكون وراء الحملة الاخلاقية التي يقودها الكرملين، باسم العودة الى القيم التقليدية، عودة فلاديمير بوتين، الى الرئاسة (فرض ضريبة مرتفعة على عمليات الطلاق، والحرب على مثيليي الجنس). يتزوج في الواحدة والستين من العمر، دينياً، بطلة رياضية في الثلاثين من العمر، تعطي لاستقبالات الكرملين، نفحة جمالية خاصة، بعد ان كانت السيدة بوتين تقاطعها.
طوني بلير
اما في بريطانيا فعبثاً طمح طوني بلير، عهد كان رئيساً للحكومة البريطانية في ان تكون، تحت تصرفه، طائرة رئاسية، على غرار الطائرة الرئاسية، التي كان يعتمدها صديقه جورج دابليو بوش، في تنقلاته، فكان يستعيض، احياناً، عنها بطائرة القذافي الخاصة، عندما كان العقيد صديق لندن، ام بطائرة بول كاغامه الرئيس الثري لرواندا الفقيرة.
اما اليوم، وقد اصبح موفداً لـ «رباعي الشرق الاوسط» (الذي ليس فرقة موسيقية وانما احدى المؤسسات الدولية – الاقل فائدة)، اضافة الى فلسفة تفكير، تقاسم بطولتها مع بيل كلينتون، سميت وهماً «الطريق الثالثة» بين الاشتراكية والرأسمالية.
وعلى اثر كل ذلك، اصبح اليوم لرئيس الحكومة البريطانية السابق صاحب الابتسامة الشهيرة، طائرة نفاثة خاصة، مجهزة بصالون، ومطبخ وحجرة نوم، تعرف باسم «بلير فورس وان»، على غرار طائرة البيت الابيض، التي تعرف باسم «اير فورس وان».
طائرة خاصة
ولا فرق، اذا كان اشترى الطائرة من طراز «بومباردير غلوبال اكسبرس»، التي تستوعب 19 شخصاً، بثلاثين مليون استرلينية، ام يستأجرها بسبعة آلاف استرلينية لكل ساعة طيران «ما دام المستهلك لا يدفع شيئاً»، ولماذا عليه ان يدفع؟!
وكتبت جريدة «تلغراف»، في هذا الاطار، ان طوني بلير، في تنقلاته كرجل اعمال او لالقاء المحاضرات في مختلف انحاء العالم يعتمد اليوم، طائرته الخاصة، المطلية بالاسود، تقطعها خطوط ذهبية اللون، على جانبيها، مثل سيارة الفورمولا وان لوتوس – 72 جون بلاير سبيشال، وشوهدت هذه الطائرة في مطارات بانكوك وسردينيا وسويسرا واوكرانيا واسرائيل.
وتنسب الدايلي مايل، حسابين مصرفيين لرئيس الحكومة السابق، الذي يعتبره البعض الخليفة الحقيقي لمارغريت تاتشر، الرجل الذي جرّ بريطانيا مترددة الى حرب العراق. وفي 25 آب (اغسطس) صوروه في جزيرة سردينيا في زيارة برلوسكوني وبعد قليل في اديرونداك، في ولاية نيويورك، على مسافة 8000 كلم، رحلة دامت 8 ساعات وكلفته 60 الف استرلينية، وفي 2 ايلول (سبتمبر) طار على متن بومباردير الى بانكوك بكلفة 90 الف استرلينية.
ويقدر ان طوني بلير، جمع اكثر من 50 مليون استرلينية، منذ خروجه من داونينغ ستريت، في سنة 2007، من القاء المحاضرات وممارسة نشاطات اخرى. وتملك الطائرة الفخمة شركة آرافكو البريطانية، التي مقرها في مطار فارنبورو، مقاطعة هامبشاير.
وهكذا يواصل طوني بلير حياته على المستوى الرفيع، غير آبه بانتقادات الصحف الحسودة وبالاقاويل.
يبدو، ان رائد الطريق الثالثة الخيالية، بين الرأسمالية والاشتراكية لا يشعر بالانزعاج، وسط فخامة الطريق الاولى وكان هو مثل شرويدر وكلينتون وبوتين ينادي بالاشتراكية، على نقيض برلوسكوني.
جوزف صفير