رئيسيسياسة عربية

وجهة «حزب الله» بعد القصير

تسعى مراكز الابحاث الغربية، وخصوصاً الاميركية منها، الى استكشاف وجهة «حزب الله» بعد الانتهاء من المعركة في القصير السورية، في ضوء ارتفاع منسوب الصراع المذهبي الشيعي – السني في المنطقة، وسعي مجلس دول التعاون الخليجي الى ادراج الحزب في قائمة ارهاب، عربية هذه المرة. ولا يخفي ديبلوماسيون غربيون خشيتهم من ان يُدفع لبنان دفعاً الى قارعة الحرب الاهلية بفعل التوترات المذهبية المتصاعدة، وغياب قدرة اي فريق لبناني على الحسم، مما يترك لبنان وحيداً في مواجهة مرحلة استنزاف طويلة.

يسعى تقرير وضعه مركز «ستراتفور» البحثي، وهو مركز دراسات إستراتيجي وأمني أميركي، يعد أحد أهمّ المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، ولا يخفي في الاصل طبيعة عمله التجسسي، الى تقصي الحال التي سيكون عليها «حزب الله» بعد الانتهاء من معركة القصير السورية، ووجهته المقبلة.
يقول المركز في تقرير بعنوان «حزب الله المعركة الآتية بعد القصير»: «كما كثفت مجموعات «حزب الله» والقوات العسكرية التابعة للنظام في سوريا، هجومها على مدينة القصير السورية لتعزيز القبضة على مفترق طرق حيوي في حمص، فإنه ليس من قبيل المصادفة أن منطقة متقلبة من طرابلس في شمال لبنان شهدت أيضاً اشتعالاً بين العلويين والسنة. فبدعم من السلفيين في طرابلس، حاول الثوار السوريون توجيه المعركة من القصير الى طرابلس في محاولة للفت انتباه «حزب الله» بعيداً عن القصير، مما اثار اشتباكات طائفية في لبنان. وفي الوقت نفسه، اختار الحزب معاركه في القصير بعناية للحفاظ على قوته واستباق محاولات السنة تعطيل طرق الإمداد اللبنانية الشمالية إلى سوريا. ويشير كلا جدولي الأعمال للحزب وللثوار السوريين، إلى زيادة العنف في شمال لبنان».

طرابلس
يضيف التقرير: «خاضت طرابلس مرحلة اخرى من الاشتباكات الطائفية. وقتل عشرات الاشخاص، من بينهم جنود لبنانيون ومدنيون، وأكثر من 100 أصيبوا بجروح. أوقفت نيران القناصة على جانبي الصراع إلى حد كبير حركة المرور على الطريق السريع الرئيسي من طرابلس شرقاً إلى منطقة عكار. (…) وتركزت اعمال العنف في اثنين من الاحياء المتحاربة: حي باب التبانة الذي تقطنه غالبية سنية، وجيب العلويين في جبل محسن. وعلى مدى عقود، تبادل سكان هذين الحيين النار بشكل دوري. في خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990، وقف العلويون في جبل محسن مع القوات السورية التي دخلت لبنان، وحاربت في طرابلس حركة التوحيد، وهي جماعة اسلامية سنية متشددة تتمركز في باب التبانة. ظلت الأحياء مدججة بالسلاح منذ ذلك الحين، وكانت المعارك الدورية في العديد من الاحياء، عوالم مصغرة للصراعات الطائفية الأوسع نطاقاً في المنطقة. حتى الآن، لم يتجاوز الاشتعال الاخير في طرابلس مستويات العنف النموذجي في احياء المدينة. لكن أصداء الهجوم الناجح لـ «حزب الله» ضد المتمردين السنة في مدينة القصير، يمكن أن يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في الحافة الشمالية للبنان».

اهمية القصير
ويضع التقرير شرحاً للاهمية الاستراتيجية للقصير، فيقول: «تقع هذه المدينة السورية في وادي نهر العاصي، وتشكل طريق الإمدادات للمتمردين السوريين وللموالين على حد سواء. وباتت السيطرة على المدينة أمراً بالغ الأهمية في سياق السعي الى السيطرة على مدينة حمص السورية، ومفترق طرق حيوي يربط دمشق بالساحل الذي يهيمن عليه العلويون، اي مدينة حلب السورية. وتالياً إن نجاح «حزب الله» والقوات السورية الموالية للنظام، حتى الآن، في الحد من المقاومة السنية في القصير، هو ضربة كبيرة للمتمردين. وتعمل القوات العسكرية الموالية للنظام السوري و«حزب الله» على توطيد السيطرة على المنطقة الرئيسية الى الشمال من دمشق (كما يحاول الموالون أيضاً وباطراد استعادة السيطرة على طول الطرق المؤدية الى جنوب الرئيسي لدمشق)، في حين ينحسر زخم المتمردين بسرعة».
ويلفت الى ان «المتمردين السوريين يدركون أن التراكم المطرد لـ «حزب الله» في مدينة القصير خلال الفترة الفائتة، لعب دوراً رئيسياً في تعزيز قدرة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على استرجاع حمص. وعلى رغم فزع المتمردين من خسائرهم في القصير، قد يكون بعض هؤلاء وضع استراتيجية جديدة في محاولة لإضعاف قوة «حزب الله» والحد من قدرته على تعزيز القوات السورية. وتنتشر الشائعات في المنطقة التي تشير الى أن العديد من المقاتلين هم من «جبهة النصرة»، وهي مجموعة اسلامية متمردة في مدينة القصير، قد تراجعوا إلى شمال لبنان ويخططون لهجوم على الجيب العلوي في جبل محسن. كما تسري شائعات بأن المقاتلين السنة اللبنانيين الذين انضموا إلى المعركة من أجل القصير، عادوا بدورهم الى الشمال اللبناني للقتال هناك».

حزب الله
ويشير التقرير الى ان «حزب الله» يخشى، بدوره، من ان يحاول بعض المتمردين السوريين الاعتماد على دعم السلفية اللبنانية لفتح جبهة أخرى مع الحزب في لبنان، وتالياً صرف الانتباه عن الجبهة السورية. وتم تضخيم هذه المخاوف في المعارك الأخيرة في طرابلس وتجدد محاولات رجل الدين السلفي الشيخ أحمد الاسير لتسعير المقاومة ضد حزب الله في مدينة صيدا، جنوب لبنان. اما طرابلس، وهي معقل للسلفيين وبرميل بارود طائفي كما يتضح من اشتباكات باب التبانة وجبل محسن، فهي المكان المنطقي لمحاولة تحريك المواجهة الطائفية. لكن «حزب الله» قد يكون حريصاً على تجنب الانجرار كثيراً في معركة لنصرة العلويين في طرابلس، والبحث بدلاً من ذلك عن مقاتلين من احزاب سياسية لبنانية موالية لسوريا، لمساعدة العلويين في طرابلس في حال استعر القتال وتصاعد».

السيطرة على الامداد
يتابع: «يدرك «حزب الله» جيداً المخاطر المتأتية من عملياته في سوريا، والتي تسببت له بعشرات القتلى والجرحى وادت الى صعود النقاش بين مؤيديه حول ما إذا كان ينبغي له أن يستمر وبكثافة في معركة الأسد، بالنظر الى الخسائر الكبيرة بين المقاتلين الشبان. وتالياً، بادر الحزب، بعناية وقدر الامكان، الى تجنب الاستفزازات التي قامت بها بعض القوى السلفية اللبنانية، وهو ربما فضل الحفاظ على قواه لاشتباكات محتملة في المستقبل مع خصومه. لكن الحفاظ على السيطرة على طرق الإمداد اللبنانية الرئيسية الى سوريا، سيظل اولوية في قائمة «حزب الله»، الذي كما يحتفظ بمنطقة القصير، سيكرس اهتمامه لاستمرار تأمين السيطرة على المدينة. مع الاشارة الى ان هناك نوعين من طرق الإمداد الرئيسية التي تُستعمل من شمال لبنان إلى سوريا: طريق يمتد شمالاً، من معقل حزب الله في سهل البقاع، منطقة بعلبك، وصولاً إلى القصير، وثان، وهو الأكثر ضعفاً، يمتد شرقاً من ميناء طرابلس على طول الطريق الرئيسي في عكار ومنها إلى القصير».
ويخلص التقرير الاستخباري الى ان «المهمة التالية لـ «حزب الله» هي منع الجماعات المناهضة له من عرقلة مسارات التموين هذه في شمال لبنان. ففي حين تركز القوات السورية الموالية للنظام على استعادة السيطرة على المدينة السورية تلكلخ الواقعة مباشرة الى الشمال من الحدود اللبنانية، سيحاول «حزب الله»، بدعم من المقاتلين الشيعة من عشيرة آل جعفر في الهرمل، تركيز قواه على اكروم، وهي قرية سنية تقع في منطقة عكار. وستؤدي المعركة حول خطوط الإمداد هذه الى امتداد العنف الى لبنان، لا سيما في أعقاب خسائر المتمردين في القصير».

اهتمام
في موازاة ذلك، يبدي ديبلوماسيون غربيون عاملون في بيروت اهتماماً واسعاً لتقصي ما ستكون عليه وجهة «حزب الله» بعد القصير. ويشيرون الى ان امام الحزب «تحديات متشعبة، تبدأ بالعلاقة المفترضة مع شرائح من السوريين باتوا يعتبرونه عدواً لهم، ولا تنتهي بما سيكون عليه موقفه في الداخل اللبناني، في ظل استعار الخطاب المذهبي، والتوجه الذي صارت عليه، خصوصاً قوى الرابع عشر من آذار (مارس) التي يبدو انها اتخذت قراراً بقطع العلاقة نهائياً مع الحزب. وتجلى ذلك في الكثير من خطابات مسؤولي هذا الفريق، وابرزها النداء الذي وجهه رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة، والذي حمل فيه بشدة على تدخل «حزب الله» في المعارك السورية لـ «مساندة نظام يقتل شعبه»، قائلاً: ان ما قام به في القصير «يكشف هول هذا التدخل من تنظيم لبناني مسلح اصبح جزءاً من المنظومة العسكرية الايرانية واداة في يد نظام يقتل شعبه ويدمر بلده»، ودعا الى سحب «حزب الله» من سوريا ومنع نقل السلاح والمسلحين عبر الحدود لاي جهة كانت وضبط المعابر والحدود والمبادرة الى طلب مساعدة قوات الطوارىء الدولية حسب ما يتيحه القرار 1701.
ويرى الديبلوماسيون ان هذا الموقف المتصاعد ضد الحزب من شأنه ان «يزيد الشرخ اللبناني، وان يعزز الفرقة وان يعقّد الكثير من نواحي الحياة اللبنانية – السياسية والاجتماعية – من مثل مسألة تشكيل الحكومة المعلقة راهناً بين وجهة «حزب الله» في ضوء المعركة في القصير ومصير الانتخابات النيابية المتوقف بدوره على القرار الذي سيصدره المجلس الدستوري في الطعنين ضد التمديد 17 شهراً لمجلس النواب، واللذين تقدم بهما كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان وكتلة نواب «التيار الوطني الحر». ويشيرون الى ان «ثمة انطباعاً بأن لبنان سيظل الى فترة طويلة في فترة انتقالية قلقة ومتشعبة المخاطر، ملأى بالتحديات، وسط غياب اي مؤشر لإمكان بروز مجموعة او جهة قادرة على الحسم، مما يهدد بمرحلة استنزاف مديدة وشديدة البأس، ستزيد في تشظي المؤسسات الرسمية اللبنانية السياسية والعسكرية والامنية».
ويخلص الديبلوماسيون الى ان «لبنان بات على قارعة الطريق، عالقاً ضمن مجموعة من التحديات السياسية والامنية، تتهدده النزاعات المذهبية التاريخية، وتفلّت مجموعات كثيرة من عقال العقل والمنطق والحكمة».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق