دولياتعالم

غورباتشوف في مواجهة ثاتشر.. كيف فتن الاتحاد السوفياتي المرأة الحديدية في بريطانيا

سلطت بريطانيا اليوم الجمعة الضوء على مساعي ميخائيل غورباتشوف لإنقاذ الاتحاد السوفياتي المتداعي بنشر وثائق كانت تعد سرية من قبل تظهر محاولاته اقامة علاقات أوثق مع الغرب في وقت كانت الحرب الباردة على اشدها.
وكان غورباتشوف الذي اطلقت إصلاحاته شرارة انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 المرشح الأقوى للفوز برئاسة الكرملين في عام 1984 وهزيمة منافسه قنسطنطين تشيرنينكو لكنه لم يكن معروفا خارج الاتحاد السوفياتي عندما زار لندن في أول جولة مهمة يقوم بها في أوروبا.
وساعدت زيارة غورباتشوف بناء على دعوة من رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر في عام 1984 على تغيير مسار الحرب الباردة بإقناع “المرأة الحديدية” وحليفها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان إن الاتحاد السوفياتي ربما يقوده قريبا رجل يمكن للغرب التعامل معه.
وقالت ثاتشر لريغان في مذكرة اعتبرت سرية بعد ساعات من محادثاتها مع غورباتشوف عن سباق التسلح في الحرب الباردة “وجدته بالتأكيد رجلا يمكن التعامل معه. بل انني أعجبت به بعض الشيء.”
وأضافت ثاتشر لريغان “لا شك في أن ولاءه كامل للنظام السوفياتي لكنه مستعد للانصات ولإجراء حوار حقيقي واتخاذ قراره بنفسه.”
اقناع ريغان
وبعد ايام من هذا الاجتماع توجهت ثاتشر إلى كامب ديفيد لاقناع ريغان بأن غورباتشوف سيكون مختلفا عن زعماء الكرملين السابقين مثل ليونيد برجينيف ويوري اندروبوف وتشيرنينكو الذي كان مريضا جدا حتى أنه كان في أغلب الاحيان لا يحضر اجتماعات المكتب السياسي.
وتظهر ملفات عام 1984 أن ثاتشر كانت موزعة بين مفاوضات مع الصين بشأن إعادة تسليم هونغ كونغ وإضراب عمال المناجم في الداخل والجهد السياسي الكبير لمحاولة فهم الزعيم المتوقع لأقوى عدو للغرب.
وبموجب لائحة تعرف في بريطانيا باسم “لائحة الثلاثين عاما”، اعتبرت الملفات- وعددها نحو 500 ملف- الخاصة بالحكومة ومكتب رئيسة الوزراء في عام 1984 حساسة بما يكفي لجعلها سرية بموجب لائحة الثلاثين عاما.
وعلى عكس الركود في عهد بريجينيف، تمكن غورباتشوف الذي كان يبلغ من العمر 53 عاما في ذلك الوقت وزوجته الأنيقة رايسا، من اقناع ثاتشر بأنه إذا أصبح زعيم الاتحاد السوفياتي فسيتعامل مع الغرب بانفتاح بعد الجمود الذي استمر سنوات.
واتضح بعد ذلك أن تحليل ثاتشر كان مؤثرا ومستبصرا، فقد اقتنع ريغان على مهل وسقط حائط برلين في عام 1989 وانهار الاتحاد السوفياتي ذاته بعد سبع سنوات من زيارة غورباتشوف للندن.
وقال ريغان للصحفيين في عام 1990 “ابلغتني أن غورباتشوف مختلف عن أي من زعماء الكرملين الآخرين…كانت مقتنعة ان هناك فرصة لانفراج كبير..  بالطبع ثبت انها كانت على حق تماما.”
وفي منتجع بريطاني يرجع تاريخه للقرن السادس عشر تنازعت ثاتشر مع غورباتشوف على مدى ساعات بشأن القيود على هجرة اليهود ومصير المنشقين مثل الفيزيائي اندري ساخاروف ومزايا الرأسمالية والشيوعية.
وقالت ثاتشر إن زعماء اتحادات العمال مثل أرثر سكارجيل أساؤوا للشيوعية لأنهم لم يجروا انتخابات وروعوا عمال المناجم ليشاركوا في إضراب. ولمحت كذلك إلى مساعدة مالية سوفياتية محتملة للاتحادات العمالية وفقا لما ورد في وقائع اجتماع لمستشاريها.
وقال غورباتشوف إن ثاتشر يجب ألا تلوم أحدا سوى بريطانيا على هذه المشكلات وان الاتحاد السوفياتي لم يحول اموالا للاتحاد الوطني لعمال المناجم. وأضاف لرده عبارة “على حد علمي” بعد ما وصفه مسؤولون بريطانيون بأنه نظر الى مستشاره شزرا.
ولم يتضح ما إذا كانت ثاتشر فهمت مزحة نقلها إليها أحد مستشاريها من خطاب ارسله كارل ماركس لفريدريك انغلز متذكرا فيه ما قالته والدته ذات يوم “لو كان كارل صنع رأسمالا… بدلا من ان يكتب عنه.”

سباق التسلح
وبعد الغداء دخلت ثاتشر وغورباتشوف في معركة أكثر خصوصية وهما يحتسيان القهوة في غرفة جلوس، كان محورها سباق التسلح بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
وعلى مدى ثلاث ساعات استعرض غورباتشوف أهوال ما يعرف بالشتاء النووي – وهو الأثر البيئي المتخيل عن حالة الطقس التي يمكن ان تعقب أي حرب نووية – مستشهدا برسم على صفحة كاملة نشرته صحيفة نيويورك تايمز يظهر القدرات النووية للقوتين العظميين.
وقال غورباتشوف لثاتشر مستشهدا بقول روسي مأثور “مرة كل عام… حتى البندقية غير المحشوة بالذخيرة يمكن أن تطلق الرصاص.”
وقالت ثاتشر انها تعتقد أن السلاح النووي سلاح ردع وان مبادرة الدفاع الاستراتيجية التي طرحها ريغان أو ما عرف باسم “حرب النجوم” كانت تعبيرا عن “حلم” بالسلام.
ورغم عدم عقد اي قمة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة منذ اجتماع جيمي كارتر وليونيد برجينيف عام 1979 ، أصر غورباتشوف على ان يعطي الكرملين الأولوية “للنموذج الأمثل” للسلام في محادثات عقدت في عام 1985.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق