افتتاحية

الترف السياسي يغضب دول مؤتمر «سيدر»

الدول التي اجتمعت في مؤتمر «سيدر» وتعهدت بدفع احد عشر مليار دولار لتنفيذ مشاريع انمائية وحيوية في لبنان، يبدو انها ليست راضية عن الاداء السياسي اللبناني. فالحكومة التي التزمت امام هذه الدول باجراء اصلاحات، تخفف الانفاق وتعيد الدولة الى السكة الصحيحة، لم تنفذ حتى الساعة ما سبق ووعدت بتحقيقه. فالسياسيون عندنا لا يزالون يعيشون في ترف، وكأنهم في بلد اقتصاده مزدهر، وشعبه ينعم بكل وسائل العيش الكريم. فالكهرباء مؤمنة 24/24، وكذلك المياه، والنفايات لا اثر لها في الشوارع وعلى الطرقات، والبحبوبة تظلل الجميع. لقد تناسوا ان الشعب يكاد ينفجر من البؤس والفقر والعوز. لذلك، وبدل ان ينصرفوا الى معالجة هذه الملفات الملحة التي ضج بها الخارج قبل الداخل، حتى ان الامم المتحدة اوصت بمعالجة موضوع الكهرباء، كانت اولوياتهم انتخاب اعضاء المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. هذا المجلس الذي لم يجتمع مرة واحدة ولم يحاكم احداً من السياسيين. فلعلهم هذه المرة يريدون اختيار كبش محرقة توجه اليه الاتهامات، ويمثل امام هذا المجلس حتى يقال انه يعمل، فينقذ سمعتهم.
اذاً المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ليس الا لالهاء الشعب وتخديره باحلام خيالية. بلى لقد اقروا ايضاً الدرجات الست للمعلمين المتدربين ففتحوا شهية الاساتذة الجامعيين والمتعاقدين، فراحوا يطالبون باضافة خمس سنوات على سنوات خدمة الاستاذ الذي لا تصل مدة خدمته الى 40 سنة واعطاء الاساتذة 3 درجات فضلاً عن مطالب اخرى.
ما الهم، طالما ان السياسيين غير مبالين، وطالما ان الخزينة طافحة بالخيرات. ففي الوقت الذي تعاني منه المالية العامة من عجز كبير، بحيث انها تجد صعوب في تأمين اجور الموظفين، جاء مجلس الوزراء ومن بعده مجلس النواب، يحملانها اعباء اضافية. ومعلوم انه منذ عشرات السنين لا يمر عام دراسي واحد، الا ويكون للمعلمين تحركات تسيء الى القطاع التربوي وترهق الخزينة واهالي الطلاب، مع العلم ان الايام التي يعملون خلالها قليلة نسبة الى باقي الموظفين.
لماذا هذه القرارات العشوائية، ولماذا هذه القوانين؟ وما هم المواطن سواء تشكل المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ام لم يشكل. فمن شعر بوجوده طوال المدة الماضية؟ فلماذا كل هذا الاستعجال؟ لماذا لا يعمدون الى فتح الملفات الضاغطة قبل ان تضيع اموال «سيدر» وتقع الكارثة؟ واذا خسرنا هذه الاموال فمن اين نأتي بالبديل؟
تحدثوا عن محاربة الفساد فاستبشر اللبنانيون خيراً، واملوا ان تعود مليارات ضائعة الى الخزينة، فينتعش الاقتصاد. وصدقوا ان هناك جدية في معالجة هذا الملف، فاذا الخطوات الاولى في هذه الطريق تنبىء عن احقاد وكيدية، وتتحول الى استهداف اشخاص دون اخرين، فضاعت الثقة. فلماذا كل هذا الضجيج؟ ان هذا الملف الدقيق يعالج بالروية وبالقانون ليشمل الجميع. فالناس لا يصدقون ان هناك جهة واحدة فاسدة وان الاخرين ابرياء انقياء. لقد شاركوا جميعهم في ادارة الدولة والمؤسسات على مدى عقود هي عمر هذا الفساد، فاكشفوا الغطاء عن الجميع، ومن تثبت ادانته يحاكم ومن تثبت براءته يبق مرفوع الرأس. لقد اصبح الجميع ينادون بمحاربة الفساد، وينصبون انفسهم حكاماً، فهل هم متأكدون من نصاعة كفهم؟ واذا كان الجميع يريدون محاربة الفساد فمن هو الفاسد اذاً؟ وهل بدأوا يبحثون عن كبش محرقة لانقاذ ماء الوجه، وطي الملف دون معالجة حقيقية له؟ كفى استهزاء بالناس واستخفافاً بعقولهم، لانهم واعون على كل ما تقومون به، ولم يعودوا يصدقون شيئاً مما تقدمون عليه.
هل يعلم السياسيون مثلاً ان اقرار قوانين عشوائية تصيب اكثرية الشعب اللبناني هي ضرب من ضروب الفساد؟ وهل يعلمون ان مخصصاتهم وامتيازاتهم التي تثقل كاهل الخزينة هي مخالفة للقوانين وفيها رائحة فساد؟ لقد ساوى الدستور بين افراد الشعب اللبناني فلماذا ميزوا انفسهم عن البقية، فحجبوا حقوقاً للمواطنين وامنوا انفسهم وعيالهم وذريتهم، بحيث انهم اذا دخلوا نعيم السياسة، تلاحقهم النعمة مدى الحياة، هم واولادهم من بعدهم. الا يعتبر ذلك باباً من ابواب الهدر والفساد، في بلد يعاني من ضائقة مالية واقتصادية قاتلة؟ فكفوا عن التغني بمحاربة الفساد. وحاربوه فعلاً لا قولاً حتى يصدقكم الناس الذين لولا السيف المصلت فوق رؤوسهم اذا تفوهوا بالحقيقة لقالوا كل شيء. وسودوا صفحات كثيرة يعتقدها البعض ناصعة البياض. الغوا امتيازاتكم ومخصصاتكم فتنتعش الخزينة ويصطلح الوضع المالي، وبذلك تكونون جديين في محاربة الهدر الفساد. فهل انتم فاعلون؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق