هل اصبحت 8 اذار بحاجة الى انتخاب رئيس للجمهورية؟

يعترف وزير سابق بان الفكرة التي راودت بعض الاطراف السياسيين في قوى 8 اذار لا سيما حزب الله، والرامية الى عقد مؤتمر تأسيسي لاعادة تركيب السلطة، انهارت ولم تعد قائمة، وبالتالي فان الاطراف السياسيين وبالتحديد حزب الله بات بحاجة ماسة الى انتخاب رئيس للجمهورية لتفعيل المؤسسات التي تؤمن له الغطاء والمظلة المحلية.
يقول وزير سابق انه سبق للحزب ان طالب بعقد مؤتمر تأسيسي لاقامة نظام ديموقراطي جديد على قاعدة معادلة جديدة تعتمد المثالثة بدل المناصفة التي ارساها اتفاق الطائف، والتوافق الذي تم بين الافرقاء اللبنانيين على وثيقة الوفاق الوطني التي ترجمت لاحقاً في الدستور، واعتبرت الصيغة الجديدة للنظام بعد ادخال اصلاحات وتعديلات على الدستور عززت مشاركة المكونات السياسية في السلطة. وترفض قوى سياسية من مكونات 14 اذار تعديل الدستور تحت اي عنوان او مسوغ سياسي او قانوني، معتبرة ان اية خطوة في هذا الاتجاه ترمي الى اعتماد المثالثة وبالتالي تهدف الى نسف الطائف والاتفاق الذي توصل اليه اللبنانيون لوقف الحرب التي عصفت بلبنان. ويقول الوزير السابق المطلع، والذي هو على تواصل مع القيادات، ان الاطراف بمن فيها قيادات 8 اذار اقتنعت باستحالة تعديل الطائف ومعادلته، وبالتالي يجب العمل على تعزيز الشراكة وفق توزيع السلطة على المكونات السياسية، بعدما تبين ان الصيغة التي ارساها الطائف قد تكون الفضلى والمثلى لادارة شؤون البلاد.
قرار دولي
وتعتبر اوساط نيابية شاركت في اجتماعات الطائف ان الاتفاق الذي وقع هو ترجمة لقرار دولي يقضي باخراج لبنان من «المشروع» الذي كان يضرب المنطقة، والذي تحدث عنه اكثر من وزير للخارجية الاميركية منذ عهد الرئيس رونالد ريغان. ودل تعبير «شرق اوسط جديد» الذي استخدمه بعض وزراء الخارجية الاميركية الى المشروع التغييري، والحديث عن تغييرات جذرية مرتقبة بعد الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من ثورة «الياسمين» في تونس، واحراق بوعزيزي نفسه احتجاجاً مما شكل بداية للانتفاضات والثورات في العالم العربي. ان وضع لبنان خارج اطار المواجهات قام على معادلة قضت باعتماد وحدة الارض ضمن الحدود الجغرافية وتقاسم النفوذ ضمن السلطة، بمعنى تقسيم السلطة وتوحيد الارض. وتبين منذ ذلك التاريخ ان العواصف التي ضربت لبنان لم تنل من وحدته واستقراره بعدما اقتنع الافرقاء بضرورة العيش معا واستحالة ان يتمكن اي طرف من الغاء الاخر، وضرورة المشاركة في ادارة شؤون البلاد وفق صيغة يشعر كل من المكونات انه شريك حقيقي في السلطة.
وتحولت الصيغة التي اعتمدت في لبنان تحت عنوان اتفاق الطائف الى صيغة نموذجية قد يصار الى اعتمادها في العالم العربي وفي الدول التي تشهد انتفاضات وثورات، تحت عنوان طائف جديد، سواء كان سورياً او عراقياً او غير ذلك، وبالتالي ستنضم هذه الدول الى مسيرة الطائف التي كان لبنان السباق في اعتمادها. ويقوم اتفاق الطائف وفق نائب شارك في الاجتماعات في السعودية على التمسك بوحدة الارض ضمن الحدود الدولية المعترف بها، اي ضمن حدود معاهدة سايكس بيكو، على ان يتم تقاسم النفوذ في السلطة المركزية، بمعنى ان هناك التزاماً بالتمسك بسايكس بيكو لان لا مصلحة لاي طرف في تغيير هذه المعاهدة وبالتالي تغيير معالم الحدود، وهذا يحتم توزيع النفوذ داخل السلطة الواحدة على المكونات السياسية. فتكون هناك سلطة مركزية واحدة، اي قيام صيغة حكم مشترك (جماعي) يكون لكل من المكونات السياسية حق النقض (الفيتو) داخل السلطة . ويتبين ان الاتفاق الذي تم التوصل اليه في حكومة تمام سلام لتولي صلاحيات رئيس الجمهورية خلال فترة الشغور الرئاسي هو الصورة لما قد تكون عليه صيغة الحل في المنطقة للازمات التي تعصف ببعض الدول.
ويتبين ان منطقة الشرق الاوسط تتجه الى صيغة نظام ديموقراطي توافقي كما هو قائم في لبنان، بمعنى ان الدولة تدار وفق سلطة توافقية ومن خلال الشراكة الفعلية في تحمل المسؤولية، وبالتالي ستوزع المؤسسات الدستورية والنفوذ داخل السلطة على المكونات وفق حجم ووزن كل منها، على اعتبار ان صيغة الشراكة تقوم وفق منطق التوافق وتجنب الفرض، ولا يمكن لاي مكون مهما علا شأنه، ولاية فئة انتمى، ان يحاول فرض الموقف او الرأي على المكونات الاخرى مهما كان حجمه او وزنه او فائض القوة لديه. ان الدول العربية تقوم على مجموعة اقليات ولا يمكن لاية اقلية مهما علا شأنها وامتلكت من عناصر القوة ان تفرض رأيها، او ان تتخطى المكونات الاخرى، او ان تتجاوزها او تحاول ان تهمشها، وان ما حصل في العراق مؤخرا يعكس صورة واضحة لتداعيات التهميش.
صيغة توافقية
ان الديموقراطيات في الشرق الاوسط لا سيما في الدول التي تعرضت الى انتفاضات واضطرابات تتجه الى صيغة توافقية بامتياز، وان الغرب يساعد على قيام مثل هذه الديموقراطية خصوصاً في الدول التي تتم اعادة تركيب نظامها. ان الصيغة التوافقية المشار اليها تحافظ على الجغرافيا من خلال المحافظة على الحدود المعترف بها دولياً وفق معاهدة سايكس بيكو، ولكن من ضمن صيغة نظام يقوم على اعتماد الاقاليم للمكونات السياسية، او نظام الكونفدراليات او الفدرالية ضمن حدود الدولة، وان الخارج لا يحبذ تغيير معالم الحدود، وان ما جرى بين العراق وسوريا يعتبره الغرب امرا خطيرا لا بد وان تتم مواجهته والتصدي له، وهذا ما ظهر في الاونة الاخيرة من خلال المواجهات التي بدأت بين النظام في سوريا والمعارضة وعناصر داعش في محاولة للقضاء على هذا التنظيم، بعد ان امتلك حقولاً من النفط وراح يصدر النفط في خطوة لتأمين الاكتفاء الذاتي. وقد اعتبر نداء الملك السعودي باعلان الحرب على التطرف بمثابة دق ناقوس الخطر والانذار. ان دعوة الدول العربية والاسلامية الى مواجهة هذا الخطر الذي راحت تداعياته تتناول جوهر الدين الاسلامي وهو دين التسامح والمحبة تشكل اعلان حرب على التطرف داخل البيئة السنية للتأكيد على انها ليست البيئة الحاضنة للتطرف.
ومع تصاعد المخاوف من خطورة التطرف والتنظيمات المنضوية تحت لوائه ولواء الارهاب وقيام الانتحاريين، كثف الافرقاء السياسيون في لبنان الاتصالات لمواجهة تحديات المرحلة وخطورة التطرف الذي بدأت نيرانه تقترب من لبنان. ويقول وزير مطلع ان الاطراف اللبنانيين باتوا مقتنعين بضرورة ملء الفراغ في الرئاسة وتفعيل المؤسسات وتأمين الغطاء السياسي للاجهزة العسكرية والامنية لمواجهة خطورة المرحلة و«الداعشيين» والانتحاريين من خلال وقفة وطنية لبنانية، وقيام وفاق سياسي ومصالحة ضرورية لانقاذ الوطن من تداعيات التطورات في المنطقة.
فيليب ابي عقل