رئيسي

بروكسيل وكر الجواسيس كما برلين ايام الحرب الباردة

في العالم، عاصفة اسمها الجاسوسية والتجسس، ينشرون قصصها على المكشوف، ويلفت فيها العنصر الاقتصادي والتجاري. ومن يزر بروكسيل في هذه الايام، يلمس الضغوط التي تمارسها هذه الحالة.

في دوائر الامن في الاتحاد الاوروبي، من يشير الى ان اجهزة مخابرات اجنبية، بدأت تستعد منذ كان المبنى الذي اصبح مقراً للاتحاد لا يزال في طور البناء. فراحت تزرع شرائح الالتقاط. ولم يكتشف التقنيون ما حصل الا في سنة 2003، وبعد شكوى من احد المترجمين بانه يشعر بمداخلات غير طبيعية، على خطه فاكتشفوا ان في احدى غرف الترجمة، جهاز تسجيل مربوطاً مباشرة بالجدار بواسطة شريط. وكان الجهاز موجوداً حيث هو منذ سنة 1995. ثم كشفت التحقيقات وجود انظمة مماثلة في مكاتب البعثات الالمانية والفرنسية والنمساوية والاسبانية. وقيل ان المخابرات الاسرائيلية هي التي وضعتها، وكذلك الصينية والروسية والاميركية. ولم تؤد التحقيقات الى اية نتيجة، في طبيعة الحال. واياً كان المسؤول، فانه بقي يستمع الى مناقشات الاتحاد الاوروبي الداخلية، من دون ان يزعجه احد، على مدى ثماني سنوات.
وهكذا تجسس يحصل منذ دائماً، في بروكسيل وفي بلجيكا، حيث تحب دول العالم، ان تلتقي لتبادل الاسرار وتدريب جو اسيسها، بمن فيهم الهولندية غريتا زلله، التي اشتهرت باسم ماتا هاري، التي تدربت على التجسس في مدينة انفرس البلجيكية عاصمة الماس في العالم.
واستمرت بلجيكا مرتعاً للجواسيس، منذ ان استعمرت الكونغو، الى الحرب العالمية الثانية، ولم يخفت بعض  وهج بروكسيل، الا مع الحرب الباردة، الى ان حولها الحلف  الاطلسي والاتحاد الاوروبي الى برلين القرن الواحد والعشرين.
ففي بروكسيل 288 بعثة ديبلوماسية و75 منظمة دولية وحوالي 200 منظمة غير حكومية، اضافة الى مراكز الضغط (لوبي) والشركات المتعددة الجنسيات. ولا تقاس اهمية الجميع من النشاطات التي يقومون بها فمدير امن الدولة في بلجيكا، الان وينانتس، يقدر ان ثلث المئة والخمسين ديبلوماسياً روسياً الذين في العاصمة البلجيكية، يتولون اعداد ملفات خاصة. وهذا يكفي للقول، ان الاتحاد الاوروبي، تحرك متأخراً، لقد انتظر سنة 2001، لينشىء مركز المخابرات، الذي  ولد باسم «مركز الاوضاع». المركز لا يتمتع بشهرة كبيرة، ويقوم باعداد دراسات خاصة.

المهمة مخيفة
المشكلة التي واجهتها الحكومة البلجيكية، مع انتقال قيادة الحلف الاطلسي الى ايفييره، هي «ان تتحول عاصمتها الى وكر جواسيس». واكتشفت، بعد سقوط جدار برلين، ان اجهزة ك. ج. ب، وستازي الالمانية الشرقية، وسيكوريتاته الرومانية – ونكتفي بذكر الاكثر شهرة اضافة الى الاجهزة الهنغارية والبلغارية والبولونية، كانت مشغولة جداً في بروكسيل. ويشير موظف كبير في جهاز الاتحاد الامني، «ولا نزال كثيري الاهتمام باجهزة امن اوروبا الشرقية»، مما افترض المام الكثيرين من اعضاء هذه الاجهزة باللغة الروسية وبالثقافة الروسية.
ويلاحق جواسيس بروكسيل الاسرار العسكرية لدى الحلف الاطلسي، والاقتصادية بالنسبة الى الاتحاد الاوروبي، ويوافق الوزير الفرنسي السابق والمفوض الحالي الاوروبي لشؤون الاسواق الداخلية، ميشال بارتيه، على ذلك، مردفاً: «انها وسائل للضغط، عن طريق الاستماع الى السياسيين سراً». ويردف زميله مفوض القطاع الصناعي الايطالي انطونيو تاجاني: «المهم  هو الا يكون احدنا موضوعاً للاستغلال».
وكانت مديرية مصلحة الامن لدى رئاسة الاتحاد الاوروبي، نشرت قبل سنتين مذكرة تحذر من «ان الاحداث الاخيرة، تثبت كيف ان خطر التجسس يتزايد من يوم الى آخر. فبعض الدول ومراكز الضغط والصحافيين، يسعون دائماً وراء الاسرار».
وتشكل المتمرنات خطراً آخر، شابات دائمات الابتسام وبريئات في الظاهر فقط. ويلاحظ احد المحللين «ان السيناريو مليء بالاشباح».
وفي هذا الاطار، يتذكر اهل بروكسيل انتحار ديبلوماسي صربي في مرآب المطار. في كانون الاول (ديسمبر) 2012، وكان احد مديري شركة اكسون البترولية، مات قتلاً بثلاث رصاصات مسدس، وهو خارج من احد المطاعم، بعد ذلك بشهرين اثنتان من القصص الغريبة، التي جرى حفظها في سرعة، وفي نظر البعض، «في سرعة كبيرة»، تشكل اسراراً في صندوقة الجاسوسية المحشوة.

 تسلل اميركي
وفي سنة 2006، كتبت الصحف الاميركية ان واشنطن تمكنت من التسلل الى نظام المعلوماتية «سويفت» للمدفوعات المصرفية. وفي حزيران (يونيو) الماضي، خرج من اوراق المحلل الانترنيتي ادوارد سنودن، ان مكاتب لجنة الاتحاد الاوروبي، في واشنطن، مراقبة منذ امد، وقبل سنتين تعرضت رسائل رئيس الاتحاد الاوروبي، هرمان فان رومبوي، الى اعتداء، وقيل من هاكرز صينيين.
واعلن ديبلوماسي عربي، في بروكسيل لـ «الاسبوع العربي»: «انني انطلق من افتراض انهم يستمعون الى ما يريدون، حتى الى هذا الجهاز التلفوني» (الذي على مكتبه).
ويلاحظ محدثي «ان النشاط التجسسي، اضحى اكثر ضجيجاً من ذي قبل». فهناك توتر مع الروس، ولا يستبعد أحد، ان تكون قصة مفاتيح يو. اس. بي، الالكترونية تشابكت مع حرب الاتفاقات التجارية (يعني اوكرانيا هنا)، ولا استبعد حصول اية ضربات في الظهر، وهناك مشاكل مع الصينيين، الساعين وراء صيغ صناعية يسرقونها ام يشترونها.
ويردف الديبلوماسي العربي، في حديثه الى «الاسبوع العربي»: «من دون ان ننسى ايران، التي تتجسس، خصوصاً، على سفرائها»؟
انه نشاط يساوي المليارات، يتضخم في بروكسيل نتيجة السياسة المنفتحة، والعولمة، التي تميز بروكسيل.
صحيح ام لا؟ فان ديبلوماسي سويسري كان يستمع الينا يؤكد: «انني اخاف اكثر عندما اعود الى جنيف» عاصمة الامم المتحدة الثانية.
بينما رئيس الحكومة البلجيكية يعتقد العكس. ودعا وزراءه الى اطفاء هواتفهم الخلوية خلال لقاءاتهم المهمة. كما لو ان ذلك يكفي.

سباق على الزعامة
وفي بروكسيل، قالوا لي، ان مكافحة الارهاب، تبدو في نظر العديد من الاوساط المالية، آخر الاسباب التي دفعت وكالة الامن القومي، الاميركية الى التجسس على هواتف العديد من القادة الاوروبيين الخلوية، ومن بينهم المستشارة الالمانية، انجيلا ميركل، طوال سنوات، فهذه الاوساط تعتبر ان هذا الكم من التجسس التلفوني، يخفي في الحقيقة سباقاً على الزعامة الاوروبية والمالية، خلال السنوات المقبلة، انه سباق تخوضه الولايات المتحدة، شبه معزولة، بحيث تصبح المعلومات عن استراتيجيات القوى الاقتصادية الاخرى، مثل المانيا، ذات اهمية حيوية. وتعتقد اوساط مالية، ان الولايات المتحدة، على وشك ان تدخل في عصر ذهبي جديد، خصوصاً بفضل الثورة التي يحدثها استغلال غاز الصلصال، وتالياً، نفط الصلصال. فمن شأن هذه الطريقة غير التقليدية، في انتاج الطاقة، ان تجعل اميركا تتمتع بالاكتفاء الذاتي فلا تحتاج الى نفط الشرق الاوسط، مثلاً، بعد عقود، كما ان الغاز لن يعود يكلف الولايات المتحدة، اكثر من ثلث ما ستدفعه اوروبا.
واذا اضفنا الى ذلك، انه جرى تحقيق الاصلاحات اللازمة في البنوك الاميركية، التي عادت تحقق الارباح من جديد، ندرك مدى القوة التي ستدفع خلال السنوات المقبلة، اقتصاد الولايات المتحدة ونظاميها المالي والسياسي في وجه دول اوروبية تتخبط، في صعوبات، باستثناء المانيا، وجبهة الدول الصاعدة (التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل…).
هكذا حالة، تجعل مراقبين يفهمون ابعاد التصريحات المسمومة، التي تبادلها القادة في اميركا والمانيا في المدة الاخيرة، اضافة الى التجسس على المخابرات على انها اطار حرب اقتصادية – تجارية ومالية، تصل الى اتفاقية التبادل التجاري الحر، المنوي عقدها بين البلدين. فالمانيا قد تطرح ذاتها، مندفعة على عجلة «اليورو»، وشركاتها المتعددة الجنسيات، التي تتمتع بصحة جيدة، منافساً اوروبياً وحيداً لواشنطن، اذا استثنينا حليف  اميركا الاوروبي التاريخي الذي هو بريطانيا.
انه تحليل يفرض اعادة قراءة فضيحة التجسس الجماعي، على مخابرات دول كثيرة.
واذا كان صدق  من قال انه لا يمكن الوثوق باحد، حتى بالحلفاء والشركاء التجاريين، فان الجمهورية الشعبية الصينية، لا تعتقد كذلك وتهدد، بتجميد محادثات اتفاقية التبادل التجاري الحر. مع اوستراليا.

 غضب بكين
والسبب الذي اثار غضب بكين، هو ان حكومة اوستراليا استبعدت الشركة الصينية، هواواي، من عقد قيمته 38 مليار دولار، لتوسيع الشبكة الاوسترالية للموجة العريضة، في حجة «الامن القومي». فاوستراليا تخشى ان تستغل هواواي المقربة من الحكومة، وضعها للتجسس على الجارة الاوسترالية.
وتشاء سخرية القدر، ان تكشف احدى الصحف الاوسترالية، في هذه الايام بالذات، ان شبكة السفارات الاوسترالية في المحيط الهادي، متهمة بتسجيل مخابرات لحساب سي. اي. ايه، من دون علم ديبلوماسيين كثر في السفارات.
ولاحظ ديبلوماسي صيني: «ان ردة فعل صينية، كان لا مفر منها».
واعتبر، ان حكومة اوستراليا، تعطي التحالف  السياسي مع الولايات المتحدة، اهمية اكبر من تحسين العلاقات التجارية مع الصين، التي ارتفعت اصوات شعبية فيها، تدعو الى مقاطعة المنتوجات الزراعية الاوسترالية.
فاوستراليا، الشريك التجاري الاول للصين وبلغت المبادلات بينهما 121،1 مليار دولار، في 2011 – 2012. وتعتمد الصين على اوستراليا، لمدها بالمواد الاولية، التي يحتاج اليها نمو الاقتصاد الصيني، مما ساعد الاقتصاد الاوسترالي على تفادي الخمول الذي عرفه اقتصاد دول غربية كثيرة. وعمدت شركات صينية الى الاستثمار في بوزنيس الموارد الاولية الاوسترالية، بينما بدأت الدولتان مباحثات لعقد اتفاقية تبادل تجاري حر، منذ سنة 2005، ولكن زيلندا الجديدة، سبقت اوستراليا، بتوقيع اتفاقية من هذا النوع في سنة 2008، فكانت اول دولة غربية، تتوصل الى مثل هذا الاتفاق مع الصين.

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق