افتتاحية

من يتمسك بالنفايات ويمنع ترحيلها؟

واخيراً وبعد طول انتظار تخلله اخذ ورد ونقاش، اتخذ طابع الحدة في بعض الاحيان، دعا الرئيس تمام سلام مجلس الوزراء الى عقد جلسة يوم الخميس 14 كانون الثاني (يناير)، وعلى جدول اعمالها 140 بنداً. فضحك اللبنانيون كثيراً وتساءلوا عن جدوى عقد مثل هذه الجلسات بين وزراء لا يحافظون على الحد الادنى من الوفاق والتوافق، لا بل ان هناك فريقاً منهم واقف دائماً وابداً على سلاحه ليقول لا لكل ما يطرح، فكأنه التزم التعطيل في جميع مؤسسات الدولة.
على كل حال شرح احد الوزراء كيفية ادارة جلسات مجلس الوزراء فقال ان المواضيع الحساسة تطرح عندما يتم الاتفاق عليها، واذا غاب هذا التوافق توضع جانباً، وهذا يعني ان الوزير نعى سلفاً اي قرار ذي اهمية، لان الوفاق داخل هذه الحكومة امر غير وارد، وبالتالي فان المواضيع المهمة ستبقى مغيبة وبعيدة المنال. فماذا يستفيد اللبناني اذاً من عقد مجلس الوزراء طالما الحال هكذا؟
بعدما علا صوت الشعب والحراك الشعبي الذي خنقوه في المهد، لان الفساد السياسي اقوى واعلى من كل صوت، اتفقوا على عقد جلسة لمجلس الوزراء خصصت للنفايات. ورغم اهمية هذا الموضوع الذي يهدد اللبنانيين في صحتهم وحياتهم، وبعد تحذيرات من ذوي العلم والاختصاص بان حياة اللبنانيين اصبحت مهددة جدياً، بعد كل هذا عقدت الجلسة وبرزت معها المعارضات والاحتجاجات، ولكن القرار الصعب صدر في النهاية بترحيل النفايات الى الخارج دون معرفة وجهتها او كلفتها التي لا يعرف المواطنون حتى الساعة قيمتها. فقد طرحت ارقام كثيرة تفاوتت في نسبها، ولكن الحقيقة بقيت ضائعة، او على الاقل محصورة في اوساط اصحاب الشأن. المهم ان القرار صدر بولادة قيصرية صعبة، وأمل اللبنانيون خيراً، اذ انهم بعد هذه المعاناة الطويلة سيتخلصون من هذه الاوبئة المنتشرة في كل مكان. غير ان فألهم خاب وبقيت النفايات رابضة في اماكنها. فكأن السياسيين غير راغبين في التخلي عن هذه «الثروة» التي لا تزال تخبىء في حناياها الكثير من الاسرار والمكاسب.
لماذا لا يبدأون بترحيل النفايات رغم عدم اعتراض الشعب على الكلفة الباهظة؟ فمرة يقولون ان الشركات التي ستتولى الترحيل لا تتمتع بالكفاءة اللازمة، وان الدراسات جارية للتثبت من اهلية هذه الشركات. ومرة يقولون ان الكلفة باهظة، ثم من هي الجهات التي ستتولى تغطيتها؟ حجج واعذار تسد طريق البحر، والمواطن يدفع من صحته ونظافة عيشه، يتابع باحتقار التخبط السياسي الذي يرافق هذه القضية. فهل يأتي يوم ويثبت المسؤولون على موقف، بعدما تنقلوا من مشروع الى مشروع ومن مسؤول الى مسؤول دون ان يتغير شيء، وهل نحلم يوماً بان نرى شوارعنا وارضنا نظيفة؟ لماذا لا يكشفون الاسرار التي تلف هذه القضية فيرتاح الناس ويرتاحون هم؟
 لماذا لا يكشفون عن اسماء الدول التي ستستقبل نفاياتهم ومما يخافون؟ اسئلة كثيرة وبسيطة جداً الاجوبة عليها، لو لم تكن تترافق مع ضغوط يمارسها اصحاب النفوذ حفاظاً على مكاسب مادية يخشى المنتفعون ان تنكشف سمسراتهم والاعيبهم فيتمسكون بالسرية.
حتى الزبالة طاولها التمديد في هذا البلد، والا لماذا لا تزال جاثمة على صدورنا؟
انهم لا يعرفون سوى ان يرفعوا الاصوات في وجوه بعضهم البعض، وممارسة النكايات والاحقاد. وفي ما عدا ذلك لا يقومون باي عمل. فهم اعتادوا على التعطيل وشل كل المؤسسات، ومن اعتاد على امر لا يستطيع ان يتخلى عنه بسهولة. فالرئيس نبيه بري ارجأ جلسة انتخاب رئيس للجمهورية شهراً كاملاً، وهذه اطول مدة بين الجلسة والاخرى التي بلغ عددها الخمس والثلاثين، والبعض يقول الست والثلاثين. لقد تعبوا من العد ولم يعد يهمهم الرقم طالما ان النتيجة واحدة. فالخلافات مستمرة وهي تسد كل الابواب وتشل كل المؤسسات.
ولكن لنطرح عليهم السؤال على ماذا يتقاتلون؟ وما هي اسباب خلافاتهم؟ ولماذا هذه الحملة القاسية على التسوية الرئاسية التي حاول مطلقوها بعد طول انتظار ان يخرجوا الازمة من عنق الزجاجة، املين ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الحياة السياسية الى طبيعتها. وللتدليل على جدية هذه المبادرة او التسوية كما سموها. لم تطرح للرئاسة شخصية من فريق مطلقها السياسي ولو فعل، لكان يناور، بل انه تعالى فوق الخلافات كلها واختار شخصية من فريق خصومه اي من 8 اذار. وليس اي شخصية بل شخص عرف بتأييده المطلق لخط الممانعة. واقر الاقطاب بانه سيكون رئيساً قوياً فبدا انه حقاً يريد حلاً كان سيدفع من رصيده السياسي ثمناً له، لان معظم قوى 14 اذار عارضت طرحه وبقوة. فماذا كانت النتيجة؟ فهل من مجيب على هذه الاسئلة؟
لقد انتفض فريق 8 اذار بكل قوة ينتقد المبادرة ويصفها باقذع النعوت، واصبح الحليف القوي الممانع، والذي طالما دفعوه الى المقدمة وتغنوا بمزاياه، اصبح هذا الحليف غير مؤهل لتولي الرئاسة. فاظهروا بما لا يقبل الشك ان القضية ليست قضية اشخاص بل قضية فراغ خططوا له، ويريدون ان يبقى لبنان بلا رئيس خدمة لمصالح خارجية، يهمها ان تبقى ورقة الرئاسة في يدها تساوم عليها عندما تحتاج ذلك.
تتواصل الاتصالات ليستمر الحوار بين الاطراف رغم الحملات السياسية التي تشن بحق البعض. ولكن ما جدوى هذا الحوار طالما ان الاطراف متمسكة بمواقف رهنت نفسها وقوتها لها؟ فهل يستطيع الحوار ان يبدل شيئاً في هذه الاجواء؟ ام انه للتغطية وكسب الوقت؟
ارحموا هذا البلد وارحموا المواطنين المغلوبين على امرهم وتخلوا عن ارتباطاتكم، فانتم قبل كل شيء لبنانيون، ومصلحة لبنان يجب ان تعلو فوق كل مصلحة، فهل انتم واعون لذلك؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق