الاقتصادمفكرة الأسبوع

مصر تلهث وراء القمح

تدل الدراسات على ان الشعب المصري البالغ تعداده 85 مليون نسمة يزداد مليون نسمة كل تسعة اشهر، وان الفرد المصري يستهلك نحو 145 كيلوغراماً من الخبز سنوياً. فكيف ستؤمن مصر حاجتها المتزايدة الى القمح في ظل تدني الاحتياطات الاجنبية واستمرار الاضطرابات وعدم الاستقرار؟

على الرغم من الجهود التي تبذلها مصر دفاعاً عن انتاجها المحلي من القمح، فان المساحات المزروعة قمحاً في مصر لا تتجاوز 5٪ من الاراضي، وهي بعيدة عن تغطية حاجات الاستهلاك المحلية، الضرورية للاستقرار الاجتماعي. ومع استهلاك مصر 18 مليون طن في العام 2012. بقيت اول دولة مستوردة للقمح في العالم.
ويقول رئيس قسم الحبوب في شركة فرانس – اغريمير التابعة لوزارة الزراعة الفرنسية ريمي هاكين، ان الحكومة المصرية توحي بانها تريد الاعتماد على المحصول المحلي، وتعلن ان هذا المحصول يبلغ 10 ملايين طن. لكن احداً لا يعرف اي رقم يعتمد، هل هو 8 او 9 او 10 ملايين طن؟
اما وزير الزراعة الاميركية فيشير الى 8،7 ملايين طن من المستوردات و9 ملايين طن المحصول المحلي.
وفي نهاية 2012 لجأت المؤسسة العامة المصرية التي تشرف على الحبوب الى خفض مشترياتها في آخر السنة بسبب نقص السيولة، بحيث استقرت المستوردات حول 8 ملايين طن.

اقتصاد متعثر
يمر الاقتصاد المصري منذ انطلاق «حركة 25 يناير» في العام 2011 في حالة من الارباك والتعثر، تلك الحركة التي قضت على نظام حسني مبارك، وحرمت البلاد من العملات الصعبة الناتجة عن السياحة، وادت الى تدني احتياط العملات الصعبة الى ادنى مستوى (15 مليار دولار) الامر الذي دفع النظام الجديد للتوجه نحو المساعدات الخارجية، ولا سيما منها قرض صندوق النقد الدولي البالغ 4،8 مليارات دولار والتي لم تسفر المفاوضات الطويلة حتى الآن عن الاتفاق عليه، فضلاً عن مساعدات الاتحاد الاوروبي البالغة 5،7 مليارات يورو، يتوقع ان تحصل القاهرة على 700 مليون يورو فقط منها بشكل مباشر لدعم الموازنة، فيما باقي الـ 5 مليارات يورو، التي اعلنت عنها مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاترين آشتون، هي عبارة عن تسهيلات من بنك الاستثمار الاوروبي، وبنك التنمية واعادة الاعمار الاوروبي، واستثمارات مباشرة من قبل الاوروبيين في مصر. واعتبر ستيفان فولي مفوض الاتحاد الاوروبي ان الاتحاد يشترط لتقديم هذه المساعدات اجراء نظام الرئيس محمد مرسي اصلاحات سياسية. ولم تنفع المساعدات المحدودة التي تلقتها مصر من هنا وهناك في توفير السيولة والطمأنينة الكافيتين للحؤول دون تكرار انتفاضة الخبز.

خفض التصنيف
امام هذا الوضع الاقتصادي الصعب توالت وكالات التصنيف الائتماني العالمية على خفض تصنيفها لمصر. فاذا اخذنا وكالة «موديز انغستورز سيرفيس» لوجدنا انها خفضت تصنيفها للدين السيادي بالعملة الاجنبية لمصر من “B3” الى “CAA1” معللة ذلك بعدم استقرار الاوضاع السياسية، وتزايد مخاطر التخلف عن السداد. وزاد عدم قدرة الحكومة على الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي من الافتقار للقدرة على التنبؤ بالسياسات الاقتصادية والمالية في مصر. واعتبرت «موديز» نظرتها المستقبلية للسندات سلبية. وفيما صنفت وكالة «فيتش» مصر بأعلى درجتين عند “B” مع نظرة مستقبلية سلبية ايضاً، ذهبت وكالة «ستاندرد اند بورز» الى ابعد من الوكالتين الآنفتي الذكر، فخفضت التصنيف الائتماني القصير والطويل الامد لمصر الى “CCE” و“C” على التوالي، لكنها اشارت الى ان نظرتها المستقبلية للبلاد «مستقرة». ويأتي ذلك في الوقت الذي تعاني البلاد من اضطرابات سياسية واقتصادية اثرت على مستويات التضخم، وادت الى تزايد عجز الموازنة وسط سعي حكومي لامتصاص الازمات وتطبيق برنامج لاصلاح اقتصاد البلاد.
ويعني التصنيف “C” ان مصر قد تكون عرضة لعدم الوفاء بالتزاماتها الخارجية. وهذا التصنيف ادنى من مستوى الاستثمار بنحو 7 درجات. ويعد هذا الخفض من قبل الوكالة، السادس منذ اندلاع حركة 25 يناير والذي ادى الى ارتفاع تكلفة اقتراض الدولة، وضعف العملة المحلية، وارتفاع عجز الموازنة. واعتبرت وكالة «بلومبرغ» ان تصنيف مصر الجديد الطويل الاجل اعلى من تصنيف قبرص بدرجة واحدة. انما ادنى من تصنيف اليونان وباكستان بدرجة واحدة ايضاً.
واشارت الوكالة الى ان هذا التخفيض يعكس رؤيتها الى ان السلطات المصرية ما زالت بحاجة لاستراتيجية متوسطة الاجل لادارة الاحتياجات التمويلية الداخلية والخارجية، ولهذا ستظل ضغوط التمويل المقدمة من المانحين مرتفعة وواسعة النطاق، بما في ذلك صندوق النقد الدولي.

القمح من اين؟
يقول هاكين ان من يقدم الدعم المالي سيفوز بالسوق المصرية. وطالما ان صندوق النقد الدولي لم يقدم القرض المطلوب، فاذا قدم الروس الاموال، فان المصريين سيشترون القمح من روسيا. ولا شك في ان مكتب الحبوب الذي يديره هاكين لفت انتباه السلطات العامة الفرنسية الى الموضوع، لا لاقراض المال وانما لايجاد صيغة اخرى من الدعم.
ويؤكد هاكين ان الروس والاميركيين يملكون وسائل لا نملكها نحن، مشيراً الى ان روسيا اعلنت عن استعدادها للمشاركة في بناء ثمانية اهراءات في مصر من اجل تخزين القمح الروسي.
وتعتبر مصر، البلد العربي الاكثر كثافة سكانية، سوقاً ذات بعد متغير جداً بالنسبة الى فرنسا (اول بلد مصرد للقمح في اوروبا). ففي العام الفائت زودت باريس مصر بمليوني طن من القمح، وينافسها على هذه السوق كل من الولايات المتحدة ومنطقة البحر  الاسود، وهما المنطقتان اللتان تعرضتا العام الماضي لجفاف قاس.
ويقول احد الخبراء الغربيين ان مصر تفاوض الهند وروسيا في الوقت الراهن مع عروض دفع على مدى 360 يوماً. ويمكنها ايضاً ان تطرح استدراج عروض بالعملة المحلية. وفي العام 2012 حاولت الحكومة ان تعيد النظر في سياسة الدعم التي كلفت غالياً، لكن القمح هو عنصر استقرار في البلاد. لا يمكن التغاضي عنه، باعتبار ان كل مواطن مصري من السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة يستهلك نحو 145 كيلوغراماً من الخبر سنوياً (الفرنسي بالكاد يستهلك 60 كلغ) ولذلك لا يمكن للسلطات المصرية ان تعرض البلاد لخطر النقص الذي ادى الى اضطرابات اجتماعية خطيرة في العام 2008.


الدعم يعقّد العجز
اعتبرت مصر ان التعديل الوزاري الاخير، الذي شمل عدداً من وزراء المجموعة الاقتصادية، يستهدف تنشيط الاقتصاد، وسد ثغرات كانت قائمة. ورأى وزير المالية الجديد فياض عبد المنعم ان همه الاساسي هو السيطرة على عجز الموازنة الذي وصل خلال الاشهر التسعة من العام الحالي الى 175،9 مليار جنيه تمثل 10،1٪ من اجمالي الناتج المحلي. وتتضمن موازنة العام المالي الجديد تخفيض العجز الى 9،5٪ بحلول العام المالي المقبل، الا ان خبراء شككوا في امكانية تحقيق ذلك، خصوصاً ان اجراءات ترشيد النفقات التي اتخذتها لم تكن كبيرة. واعتبر خبراء ان اعتماد المصريين الكبير على الدعم، والضغوط التضخمية والاضطرابات المحتملة حالت دون فرض تخفيضات اكثر حدة على الدعم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق