أبرز الأخبارسياسة عربية

الاستحقاق الرئاسي يستعجل كسر مأزق تأجيل الحكومة… فهل تنفرج؟

لم يحمل العيد المبارك أيّ بشائر توحي بـ «فرح» او «فرج» قريب، فالأزمات القابضة على لبنان، من رأسه حتى أخمص قدميه، مستمرة على حالها وآخذة في التوسع، رغم المحاولات المحدودة لرمي حجر في المياه السياسية الراكدة حيناً، وتكبير حجم الرهان على متغيرات اقليمية احياناً، لـ «اختراع» آمال تقارب الاوهام، بأن في الأفق ما ينبىء بامكان احداث ثغرة في الحائط المسدود.

إنسداد الأفق السياسي وتعاظم الاخطار الامنية يدفعان في اتجاه ما يمكن ان يؤدي الى الإنهيار العام اذا استمرت الاوضاع على هذا المنوال الى حين حلول الاستحقاق الرئاسي بعد اقل من 10 اشهر، لأنه سيكون حتمياً سقوط الرئاسة الاولى في فم فراغ يتزامن مع غيبوبة السلطة التنفيذية وشلل السلطة التشريعية والمصاعب الهائلة التي تعانيها السلطات العسكرية والأمنية.
هذه «اللحظة القاتلة» بدأت ترخي بظلالها القاسية على البلاد التي تستشعر خطر المضي قدماً نحو «العراء الكلي»، وهو الامر الذي من شأنه تحريك المساعي في الداخل وفي اتجاه الخارج، من اجل كسر الحلقة المقفلة عبر إحداث كوة ولو محدودة تتيح، أقله تشكيل حكومة جديدة لتفادي السقوط في القعر المفتوح، خصوصاً في ظل العواصف الجيو – بوليتيكية التي تهب على المنطقة، لا سيما على الجوار اللبناني، اي على سوريا، التي تشهد حرباً طاحنة منذ اكثر من عامين.
ربما إقتراب لحظة «الحقيقة المرة» دفع بعض الاطراف، من مسؤولين وقوى سياسية، الى رفع الصوت عالياً، في تطور يوحي بأنه لم يعد في الامكان التسليم بعملية التعطيل الشاملة التي تشل البلاد وتشرعها على اخطار امنية وكيانية جسيمة. فرئيس الجمهورية ميشال سليمان قال كلمته في هذا الشأن في الاول من الشهر الجاري ومشى الى ايران، وزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لوح بموقف جديد يصب في الاتجاه عينه، اما الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام، الذي لا يهوى المجازفات، فحرص على الايحاء بأنه لن ينتظر طويلاً.
هذا المناخ المستجد جاء بعد موجة من مواقف «السقوف العالية» عبر مواقف وضعت على الطاولة من خلال إطلالتين متزامنتين لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري والامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عكستا الافتراق الكبير من جهة والحاجة الى كسر التوازن السلبي من جهة اخرى، وهو ما يفسر ربما تلويح الرئيس سليمان والنائب جنبلاط في مغادرة حال التردد التي حالت حتى الآن دون تشكيل حكومة جديدة تفادياً لإستفزاز «حزب الله» الذي رمى بشروط يصعب القبول بها.
ورغم ان الرئيس سليمان تعرض لقصف سياسي و«صاروخي» ايضاً طاول محيط القصر الجمهوري، فإنه بدا ثابتاً في رسمه «خريطة طريق» للخروج من حال المراوحة المخيفة، وهو لم يخف امله في امكان افادة لبنان من تطور ايجابي محتمل قد يطرأ على العلاقة بين ايران والمملكة العربية السعودية، ولو في حدوده الدنيا، مع تسلم الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني، الذي شارك سليمان في حفل تسلمه مقاليد الحكم في طهران، خصوصاً بعدما كان روحاني اطلق اشارات «حسن نية» تجاه الرياض.
من هنا فإن التقديرات متضاربة في قراءة مرحلة ما بعد العيد، وسط حديث متفائل عن امكان تحريك عملية ملف تشكيل الحكومة، يلجمه الكلام عن تشدد «حزب الله»، الذي كان اعلن صراحة عن ان لا حكومة من دون مشاركته، خصوصأً في ظل اكتمال قوس العزلة التي يتعرض لها بعد وضع الاتحاد الاوروبي جناحه العسكري على لائحة المنظمات الارهابية.

 


سقوف عالية
ماذا بعدما أفرغ كل من «حزب الله» وتيار «المستقبل» ما في جعبتيهما وحددا «اولوياتهما» المتقابِلة ومشاريعهما «المتواجِهة»؟ وأيّ مفاعيل عمليّة «ممكنة» لمواقف رئيس الجمهورية من سلاح «المقاومة الذي تخطى الحدود اللبنانية» ومن «ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي» وتلويحه بحكومة حيادية اذا تعذّر تشكيل حكومة تضم الجميع؟ وأيّ تداعيات للتباعد الشاسع الذي ظهر بين السيد نصرالله والرئيس الحريري كما لـ «الرسائل الصاروخية» التي وُجهت الى القصر اللبناني (بعد ساعات من خطاب سليمان الذي تجاوز كل السقوف) على ملف الحكومة الذي يشكّل إحدى حلقات الأزمة اللبنانية التي يتعمّق «ربط النزاع» بينها وبين «الحريق السوري»؟
هذه الأسئلة دهمت بيروت مع انتهاء «مواجهة المنابر» ومبارزة السقوف العالية التي جرت بين الرئيس الحريري والسيد نصرالله خلال الجمعة الاخيرة من رمضان والتي عكست في جانب منها عدم واقعية الرهان على تقارُب ايراني – سعودي يتيح «عزل» الواقع اللبناني عن الأزمة السورية في ظل استمرار انغماس «حزب الله» في الحرب السورية وعدم استعداد «المستقبل» لتقديم تغطية سياسية لهذا التورّط في الحكومة ولا العودة الى حوار حول سل
اح «حزب الله» يقرّ له بحق مواجهة اسرائيل او الدفاع عن لبنان في وجهها بمعزل عن الدولة.
الواقع ان «جمعة الخطَب» حملت أوضح اشارات الى ان لبنان واقع في قلب الاشتباك الاقليمي والدولي حول سوريا، وان الفصل بين مساريهما شبه مستحيل، ما يضع المرحلة المقبلة بين حدّين إما استمرار «ستاتيكو» التوترات «الموْضعية» من ضمن حال المراوحة الحالية القائمة على «تدعيم» الاهتراء السياسي في انتظار اللحظة المناسبة لاستثمار هذا الانسداد من اللاعبين الاقليميين، سواء في الملف السوري او في الواقع اللبناني وتوازناته، وإما انفلات الأمور وانزلاقها الى ما هو أدهى في ضوء ارتفاع منسوب الاحتقانات والانكشاف الامني والضغوط المالية والاقتصادية المتعاظمة نتيجة تعطيل عمل البرلمان و«اليد المشلولة» لحكومة تصريف الاعمال.
والواقع ان «يوم المنابر» بين الضاحية الجنوبية لبيروت وجدّة حمل مفارقات ودلالات استثنائية في الشكل والمضمون أبرزها:
– ان تعمُّد نصرالله كسر التحوّط الامني ليخاطب جمهوره المحتشد في مجمع سيد الشهداء لإحياء مناسبة «يوم القدس» على مدى أكثر من اربعين دقيقة مباشرة من على منبر خشبي، عكس الاهمية التي يعلّقها «حزب الله» على تعبئة جماهيره، علماً بأن ظهور الامين العام لـ «حزب الله» بين مناصريه هو السادس منذ «يوم النصر الالهي» على اسرائيل في ايلول (سبتمبر) 2006،  لكنه كان هذ المرة الأطول.
وبدا واضحاً ان نصرالله، الذي يواجه حزبه المزيد من العزلة العربية والدولية نتيجة مشاركته في الحرب السورية، أراد «شد عصَب» جمهوره من خلال خطاب غير مسبوق، غلب عليه «فائض التعبئة» الشيعية، والتي بلغت حد اعلانه صراحة «اننا نحن شيعة علي بن أبي طالب، لن نتخلى عن فلسطين، ولا عن شعب فلسطين… قولوا رافضين، قولوا إرهابيين قولوا مجرمين، قولوا ما شئتم واقتلونا تحت كل حجر وفي كل جبهة وعلى باب كل حسينية ومسجد… نحن شيعة علي، لن نترك فلسطين. وأقول لكل العالم: نحن حزب الله، الحزب الإسلامي الشيعي الإمامي الإثني عشري لن نتخلى عن فلسطين والقدس ومقدسات هذه الأمة».
– ان الرئيس الحريري، الذي برر غيابه الشخصي عن لبنان منذ اكثر من عامين بضرورات «التزام الحيطة والحذر»، قدّم «جردة» حساب للعلاقة الاشكالية مع «حزب الله» منذ العام 2005 مطلقاً مواقف بالغة التشدد حيال سلاح الحزب بإعتباره «اساس المشكلة»، ومبدياً الانفتاح على الحوار وعلى تشكيل حكومة قاعدتها ان «نضحي نحن و«حزب الله» فنعزل انفسنا عن المشاركة فيها كي لا تتفجّر من الداخل وليتم تسيير شؤون الناس» وراسماً «مستحيلات» ابرزها «استحالة القبول بصيغة: «جيش وشعب ومقاومة»، و«استحالة تغطية «حزب الله» الذي غرق في سوريا بالدم السوري،
مجدداً الثقة بالرئيس تمام سلام.

حكومة… لا حكومة
الا انه وبعد هذه «المواجهة»، برزت مؤشرات اوحت بإمكان حصول اختراق محتمل للأزمة الحكومية بعد عطلة عيد الفطر، من دون ان تبدو بمثابة ارضية صلبة يمكن البناء عليها لتوقّع اختراق مؤكد.
وشكّل العنصر الاساسي الذي حرّك الجمود الذي يحكم الازمة الحكومية اعلان النائب وليد جنبلاط عن اتجاهه نحو خيارات جديدة بعد عطلة الفطر في الملف الحكومي، ما أوحى بانه قد يكون أصبح موافقاً على تشكيل حكومة حيادية وتوسيع جبهة المنادين بها وعلى رأسهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اسوة بالرئيس الحريري وسائر قوى 14 آذار، علماً بأن الزعيم الدرزي  سبق ان شكل المانع الاساسي في اكثر من مرة لإقدام سلام على تشكيل حكومة «امر واقع» او حيادية. ولكن بعد مرور اربعة اشهر على تكليف سلام واستمرار تمسك «حزب الله» وحلفائه
بشروطهم، بدا من الصعب على جنبلاط ان يبقى على تحفظه ومراعاته لفريق 8 آذار، وخصوصاً بعد تلويح الرئيس سليمان في عيد الجيش بأنه لن يبقى مكتوفاً إزاء فراغ حكومي على مشارف العد العكسي لنهاية ولايته الرئاسية بعد اقل من عشرة اشهر.
ووسط ابداء مصادر سياسية حذرها الشديد حيال إسباغ توقعات مسبقة على الاجواء التي كانت تشير الى ان الرئيس سلام سيُقبل بعد عيد الفطر على تشكيل الحكومة معتبرة ان كفة الشكوك لا تزال غالبة على كفة احتمالات الانفراج، لم تستبعد اوساط بارزة في قوى 14 آذار تجرع «حزب الله» لكأس قيام حكومة من دون تمثيل مباشر فيها، انسجاماً مع رغبته في عدم فتح معركة داخلية في اللحظة التي يرمي بثقله في الحرب على سوريا، ولادراك حجم عزلته الخارجية والداخلية، واضطراره اخيراً الى الاستعانة بخطاب تعبوي غير مسبوق من خلال كلام نصرالله عن «شيعية» حزبه والنزول شخصياً الى «الساحة» في احتفال يوم القدس.
وفي موازاة ذلك، كانت «روزنامة» حركة المشاورات لمرحلة ما بعد العيد تشير الى ان المعنيين بتشكيل الحكومة قرروا القيام بعملية «جس نبض» اقليمي لامكان تأمين تفاهم في الحد الادنى حول ضرورة تشكيل حكومة جديدة في لبنان، ومن المؤشرات البارزة على هذا التوجه:
– حضّ الرئيس سليمان نظيره الايراني حسن روحاني خلال لقائه اياه في طهران على اهمية تطبيع العلاقة الايرانية – العربية، لا سيما بين طهران والرياض، لإعتقاده بان لبنان سيكون اول المستفيدين من اي انفراج في العلاقة بين الجانبين، وهو لمس، بحسب القريبين منه، رغبة الرئيس روحاني في انتهاج سياسة انفتاح.
– امكان قيام الرئيس سليمان بزيارة المملكة العربية السعودية بعد عيد الفطر، لإجراء محادثات مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، تتناول الشأنين اللبناني والاقليمي، والدور الذي يمكن ان تضطلع به الرياض لإخراج لبنان من مأزقه المتعاظم.
والمفارقة ان زيارة الرئيس سليمان لطهران جاءت على وقع العلاقة الملتبسة بينه وبين «حزب الله»، والتي اصيبت بـ «انتكاسة» فعلية مع بدء العد التنازلي للإستحقاق الرئاسي، وسط تنافس بين احتمالين: إما التمديد للرئيس الحالي وإما الفراغ في سدة الحكم، نظراً لإستحالة تحقيق توافق محلي، اقليمي ودولي على رئيس جديد للبلاد.
وشكّل خطاب سليمان في عيد الجيش اشارة الى دخول العلاقة بين الطرفين مرحلة اكثر تعقيداً لن ينجو من تبعاتها الاستحقاق الرئاسي. فالرئيس اللبناني، الذي رأى انه لا بد من اعادة النظر بالاستراتيجية الدفاعية بعدما انتقلت المقاومة للقتال خارج الحدود، وصار من المستحيل على الجيش القيام بدوره في ظل ازدواجية السلاح، والحاجة الى ان تكون الامرة في «يد الدولة»، لم يتردد في الربط بين الصاروخين اللذين استهدفا محيط القصر الرئاسي وهذا الخطاب، حين قال: «ان تكرار الرسائل الصاروخية لا يمكن ان يغيّر الاقتناعات التي يتم التعبير عنها لتجنيب البلاد انعكاسات ما يجري حولنا…».
وهذه المواقف والايحاءات لم ترُق لـ «حزب الله»، الذي نقلت تقارير صحافية عن اوساطه ان الرئيس سليمان يقدّم أوراق اعتمادٍ لتمديد ولايته لمجموعة الدول التي دعمت مجيئه الى سدة الرئاسة في ايار (مايو) 2008 كمصر والسعودية وقطر ومعها دول غربية اخرى، من دون ان يدرك ان تلك الدول لم تعد قادرة على الإتيان برئيس جديد او على فرض التمديد للرئيس الحالي ما دامت فئات لبنانية وازنة رافضة لهذا الخيار.

بين عون وفرنجية
ومن خلف خطوط الاصطفاف بين طرفيْ الصراع في لبنان، شكّل الهجوم اللاذع الذي شنّته عمّة النائب سليمان فرنجية السيدة صونيا الراسي على العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل مؤشراً اضافياً الى المنحى الذي سلكته العلاقة المأزومة بين تيار «المردة» و«التيار الوطني الحر» على خلفية ملفات داخلية كان الطرفان فيها على طرفيْ نقيض وكان آخرها التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
ورغم ان فرنجية اضطر تحت وطأة الهجوم «الصاعق» لعمّته عبر شاشة تلفزيون «ان.بي.ان» على عون وباسيل الى اصدار بيان اوضح فيه «ان السيدة صونيا الراسي حين تتحدث او تصرح فانها تتحدث بصفة شخصية ولا تمثّل رأينا»، فإن أصداء هذا التطوّر كانت قويّة في الرابية التي لم تعد كتلة فرنجية منذ فترة غير قصيرة تحضر اجتماعات «تكتل التغيير والاصلاح» الاسبوعية التي تُعقد فيها وسط تقديرات بأن العلاقة على خط الرابية – بنشعي بلغت مرحلة اللاعودة.
وبدا من «الكلام الناري» للسيدة الراسي ان باسيل هو العقدة الفعلية في العلاقة بين عون وفرنجية التي تشهد مداً وجزراً منذ فترة، على خلفية خلافات «تراكُمية» وسط تقدير أوساط مراقبة بأن «القطبة المخفية» في العلاقة «المنتكسة» بين عون وفرنجية تتصل بإستحقاق رئاسة الجمهورية الذي يعتبره زعيم «التيار الحر» فرصته الاخيرة لتولي هذا المنصب في حين اشارت تقارير الى «نقزة» عون من أنّ زعيم «المردة» قد يكون منافساً أساسياً له ولا سيما بعدما اعلن عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة وترشيح نجله.

فؤاد اليوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق