رئيسيسياسة عربية

حزب الله… ان بقي الاسد او سقط

يشدد «حزب الله» تحوطاته في معاقله، في الضاحية الجنوبية كما في الجنوب والبقاع، بفعل المعلومات عن استمرار استهدافه ومناطق نفوذه وقواعده على خلفية مشاركته في الحرب السورية. كما لا يغيب عنه التنسيق مع الاجهزة الامنية، والذي بحسب مقربين من الحزب «اسفر عن ايجابيات كثيرة، ابرزها تفكيك الشبكات والخلايا التي نفذت عمليات تفجير العبوات المفخخة على طريق شتورا – المصنع، وتفجير العبوات على أوتوستراد زحلة – بعلبك، والعبوات التي استهدفت حواجز الجيش ومواقعه عند مدخل الهرمل، وضبط عدد لا يستهان به من المجموعات والخلايا الصغيرة التي اعتادت التسلل من سوريا وإليها». اما تفجيرا الضاحية وخلفياتهما فـ «الكلام عليهما في الزمان المناسب».

لا تزال مراكز الابحاث الغربية تقتفي اثر مشاركة «حزب الله» في الاحداث السورية، مركزة على ما تعتبره تداعيات هذه المشاركة في القتال على الحزب وقواعده، وامكان تأثير ما يسقط له من عناصر على الهدف من المشاركة، كما على الحد من أهدافه في سوريا.
يعود تقرير بحثي غربي الى الانفجار الاول في الضاحية الجنوبية لبيروت، ليشير على سبيل المثال الى ان «تفجير السيارة المفخخة في التاسع من تموز (يوليو) – وهو التفجير الاول في سياق انفجارين هزّا معقل الحزب – استهدف «مركز التعاون الإسلامي»، وهو كناية عن سوبرماركت يُعتقَد أنها مملوكة من مسؤول كبير في «حزب الله»، في منطقة بئر العبد المكتظة بالسكّان، والتي تشكّل جزءاً من المربع الأمني المحيط بقيادات «حزب الله»، وتخضع تالياً للمراقبة المستمرّة من الأجهزة الأمنية التابعة للحزب. وهكذا فإن وضع العبوة على مسافة قريبة جداً من معقل الحزب يسلّط الضوء على أن تدخّل «حزب الله» في الحرب الأهلية السورية يؤدّي إلى اتّساع دائرة التداعيات العنفية في الداخل اللبناني، والتي قد لا يتمكّن الحزب من احتواء مفاعيلها في المستقبل».
يضيف: «فيما حاول المسؤولون في «حزب الله» توجيه أصابع الاتّهام إلى إسرائيل وعملائها، نفت تل أبيب أي تورّط لها في العملية. قد يقلّل البعض من شأن التصريحات الرسمية الإسرائيلية معتبراً أنها مجرد بروباغندا، إلا أن بيان تبنّي المسؤولية الذي نشرته مجموعة ثورية سورية غامضة وغير معروفة عبر موقع «فايسبوك» يجعل من الصعب الاستمرار في اتهام إسرائيل. فقد ورد في البيان الذي أعدّه قائد «اللواء 313 – مهام خاصة» أن التفجير جاء رداً على مشاركة «حزب الله» في الحصار على حمص، كما تبنّت المجموعة المسؤولية عن هجمات سابقة ضد الحزب، وتوعّدت بأنها لن تكون المرة الأخيرة التي تزرع فيها عبوة في الأراضي اللبنانية (…).

رد فعل
ويشير التقرير الى ان «رد فعل «حزب الله» على التفجيرين يقع ضمن نطاق الرواية التي يبرّر بها الحزب تدخّله الذي يزداد وضوحاً وحسماً في سوريا. فقد أعلن الأمين العام للحزب (السيد) حسن نصرالله أن «حزب الله» يساهم، إلى جانب إيران وروسيا، في القتال المشروع الذي يخوضه النظام السوري في مواجهة الجهاديين المدعومين من الولايات المتحدة وإسرائيل. وبحسب هذه الرواية، يتألف الثوار السوريون في الجزء الأكبر منهم، من جهاديين سنّة متشدّدين لا يهدّدون الطائفة الشيعية في لبنان وحسب، إنما أيضاً كل الطوائف الأخرى، وتالياً النسيج الطائفي الجامِع. وهكذا فإن تصوير المعارضة السورية بأنها تعمل بتحريض من أطراف خارجية تقدّم الدعم للمجموعات التكفيرية من أجل زرع الفوضى في لبنان، يتيح للحزب فرصة تثبيت الدعم الداخلي له، ويدفع بالأقليات إلى الرضوخ خوفاً على مصيرها، كما أنه يحوّل الأنظار عن تداعيات المغامرة التي يخوضها الحزب في سوريا (…)».

 دائرة التأثير
ويرى ان «التوعّد بشنّ المزيد من العمليات الانتقامية داخل الضاحية الجنوبية لبيروت يوسّع دائرة التأثير الذي يمارسه تدخّل «حزب الله» في سوريا، لتمتدّ من منطقة الهرمل الحدودية وصولاً إلى معقل الحزب في الضاحية الجنوبية. ويسلّط استهداف موقف السيارات في مركز التعاون الإسلامي (على سبيل المثال)، الضوء على أ
ن منفّذي العملية الذين عجزوا عن خرق الطوق الأمني المحكم الذي يفرضه «حزب الله» ووَضْع السيارة المفخّخة في مكان أقرب إلى مكاتب الحزب، لم يتردّدوا في استهداف المواطنين الشيعة الذين كانوا يتسوّقون لمناسبة حلول شهر رمضان. وهكذا فإن همجية التفجير تثير شكوكاً حول قدرة القواعد الشعبية لـ «حزب الله» على تحمّل عبء هذه الهجمات، لا سيما عندما يتّضح أكثر فأكثر أنها ليست من عوارض الأزمة السورية، بل هي ردّ انتقامي على تورّط الحزب في الصراع هناك».
ويزعم التقرير «بدء ظهور تصدّعات صغيرة في القاعدة الداعِمة للحزب. فقد اجتمع وفد من منطقة بعلبك يضمّ ممثّلين لعائلات مقاتلي «حزب الله» الذين سقطوا في المعارك، بعضو مجلس شورى الحزب (الشيخ) محمد يزبك، في حزيران (يونيو) الفائت. وقد أبلغوا الحزب أنهم يعتبرون أن دفاعه عن النظام السوري «معيب وغير مقبول»، وأنه لا يندرج ضمن إطار الغاية التي وُجِد الحزب من أجلها، أي مقاومة إسرائيل، وأنه يؤدّي إلى توسيع الشرخ بين السنّة والشيعة في لبنان».

تداعيات
يعتبر التقرير البحثي ان «حزب الله» يستطيع أن يتحمّل في المدى المنظور، تداعيات سقوط الضحايا بوتيرة مستمرة في صفوف مقاتليه، وشكاوى شريحة صغيرة من الأنصار الذين «يستشهد» أبناؤهم دفاعاً عن نظام الأسد. وفيما يشارك عناصره الآن في قتال مطوَّل في حمص، وتتردّد شائعات عن مشاركته في معركة حلب، اغلب الظن أن الحزب سيقنع الشيعة بأنه لا بأس بأن يستمرّوا في استقبال النعوش المغلّفة بالعلم الأصفر، فالأمر يستحق عناء الدفاع عن دولة يتشارك معها العضوية في «محور المقاومة». إلا أن «حزب الله» سيتعرّض لضغوط شديدة لإثبات قدرته على إقناع أنصاره بأن الهجمات العشوائية في أحيائهم ومناطقهم التجارية المكتظّة هي الثمن الذي يجب أن يدفعه المدنيون مقابل الأعمال العسكرية التي يقوم بها الحزب. إذا واصل «حزب الله» تدخّله في سوريا، فقد يتعرّض في نهاية المطاف الى ضغوط من أنصاره الخائفين والمحبطين بهدف الحدّ من مشاركته في القتال، خشية استمرار الهجمات في الداخل اللبناني وتفاقم عدم الاستقرار».

 المتشددون
ويلفت التقرير الى ان على «حزب الله» أن يواجه أيضاً الفتنة المذهبية المتعاظمة التي ترتبط مباشرة بتورّطه في سوريا. فقد أدان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري انفجار بئر العبد والتقى مع «حزب الله» في توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل في محاولة منه لاحتواء التداعيات المذهبية، إلا أنه لا يتكلّم باسم شريحة سنّية متشدّدة تستقطب مزيداً من الأتباع. فعلى النقي
ض من تصريح الحريري، استُقبِل التفجير بإطلاق النار ابتهاجاً وتوزيع الحلوى في مدينة طرابلس في الشمال، بمشاركة الأنصار المسلّحين لمجموعة نافذة جديدة من رجال الدين السلفيين. وأظهر هؤلاء المقاتلون المتشدّدون استعداداً متزايداً لرفع حدّة اللهجة في خطابهم، واستهداف إحدى المؤسسات التي تؤدّي دوراً محورياً في استقرار لبنان، من خلال المعركة التي دارت في أواخر حزيران (يونيو) الفائت بين الجيش اللبناني وأنصار الشيخ أحمد الأسير في صيدا. وعلى رغم أن الأسير فار راهناً من العدالة، لا يزال أتباعه وأنصار شيوخ آخرين ينتشرون في بؤر التشدّد في طرابلس وصيدا. ووضع هؤلاء السنّة المهمَّشون اقتصادياً، رهاناتهم في السلّة نفسها مع الثوّار السوريين، ويعتبرون أن معركتهم هي امتداد للصراع المذهبي في سوريا. وأظهر انفجار الضاحية أن «حزب الله» ليس «غوليات» الذي لا يُقهَر، كما كان يُعتقَد سابقاً، وقد يشكّل السنّة اللبنانيون المتشدّدون لاحقاً مصدراً كبيراً للعناصر البشرية التي يمكن أن تُستخدَم في تنفيذ الهجمات في المستقبل. وربما بدأ تجنيدهم منذ الآن، إذ أكّد مسؤلوون لبنانيون أنّ وكالة الاستخبارات الأميركية حذّرتهم، عبر اعتراض الاتّصالات الهاتفية، من أنه يجري التحضير لمخططات عدّة لتفجير عبوات ناسفة، وبعض هذه المخططات مصدرها بيروت. إذاً يبدو أن مجموعات على صلة بالثوار السوريين ستستهدف أكثر فأكثر الضاحية الجنوبية لبيروت. وهكذا سيكون على «حزب الله» أن يواجه مشكلة داخلية مضاعَفة: الحصار المتزايد الذي تتعرّض له قاعدته الشعبية على يد المجموعات السورية التي تحصل على دعم ملموس من المتشدّدين السنّة اللبنانيين الذين يزدادون جرأة وتحدّياً».

عواقب
في السياق نفسه، يعتبر تقرير ديبلوماسي ان حزب الله «صوّر نفسه دائماً في طليعة المدافعين عن المحرومين، وقلّل باستمرار هويته الطائفية وموالاته لإيران، لكنه بدعمه نظام (الرئيس السوري بشار (الاسد) ضد الثوار وهم في الأغلب مجموعات سنية معارضة، يخاطر بتحطيم صورة عمل طويلاً على ترسيخها وزرعها».
ويشير الى ان الحزب ينطلق من «ضرورة استراتيجية لديه تقضي بمنع انهيار نظام الأسد، اذ في حال سقوطه ستحل محله سلطة تمثل الغالبية السنية في البلاد، ومن شأن ذلك أن ينتج حُكماً سيكون – في الحد الادنى – أقل بكثير ودية لحزب الله، وربما يعارضه معارضة صريحة».
ويرى انه «سواء احتفظ الأسد بالسلطة او فقدها، ستكون لكلا الاحتمالين مجموعة مختلفة من العواقب على حزب الله:
أ- إذا نجح الأسد، لن يلقى «حزب الله» تعاطفاً لدى الغالبية السنية في العالم العربي، وسيصير الحزب اكثر عزلة من ذي قبل واكثر اعتماداً على إيران ونظام الأسد. وسيواجه القضايا الطائفية الحساسة والعواقب في لبنان، ومن غير المرجح ان يتقبله السنة بعد الآن.
ب- اما إذا سقط النظام السوري، فلن يفقد الحزب تعاطفاً عربياً فحسب، بل سيفتقد الحليف الاستراتيجي وطرق التموين للحصول على أسلحة من إيران. ومن الممكن أيضاً، في حال حصل مثل هذا السيناريو، وفي حال استشعر الحزب انه يفقد تدريجاً الهيبة والقوة، ان يتحول نحو طباع اكثر شراسة في تعامله مع الداخل اللبناني، خصوصاً ان الحرب في سوريا كشفت مصالحه الاستراتيجية على حقيقتها».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق