المصالحة التاريخية بين جعجع وفرنجية تطوي صفحة أليمة من الماضي
رعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بعد ظهر امس، في الصرح البطريركي ببكركي، المصالحة التاريخية بين حزب «القوات اللبنانية» و«تيار المرده».
وكان رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع وصل إلى بكركي وانتقل الى صالون الكبير، حيث كان في استقباله الراعي. ثم وصل رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، الذي كان في استقباله ايضاً الراعي، ثم حصلت المصافحة التاريخية بين جعجع وفرنجية بمباركة الراعي وسط تصفيق الحضور.
وشارك عن «القوات»، النواب: ستريدا جعجع، شوقي الدكاش، أنطوان حبشي، وجوزف اسحق، النائبان السابقان فادي كرم وأنطوان زهرا، ومدير مكتب جعجع طوني الشدياق.
وحضر عن «المردة» وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال يوسف فينيانوس، والنواب: طوني فرنجية، اسطفان الدويهي، فايز غصن، فريد هكيل الخازن، الوزيران السابقان يوسف سعادة وروني عريجي، عضو المكتب السياسي في «المردة» وضاح الشاعر.
كما حضر المطارنة: جوزف نفاع، حنا علوان، حنا رحمة، وشربل طربيه وعدد من الكهنة.
الراعي
بعد المصافحة التاريخية، ألقى الراعي كلمة بدأها بصلاة المزمور 133، والتي تقول: «ما أطيب وما أجمل أن يجلس الاخوة معاً».
أضاف: «من خلاله نرحب برئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وجميع الحاضرين، فلم أجد أجمل من كلمة الترحيب، إلا صلاة هذا المزمور. ومن خلال هذه الصلاة، فإن الفرح يملأ قلوبنا جميعا وقلوب جميع اللبنانيين الذين يشاركوننا عبر وسائل الاعلام. هناك الكثير من الناس يفرحون معنا اليوم في لبنان وخارجه لأنهم يحبون المصالحة والتعاون والتلاقي والمحبة في سبيل وطننا لبنان وشعبه وفي سبيل قيام الدولة ومؤسساتها».
أضاف: «الله هو أب، ولأنه أب نحن أبناؤه. ولذلك، نحن إخوة، والبشرية جمعاء امام الله إخوة. ولذلك، كانت صلاتنا في هذا المزمور ما أجمل وما أطيب أن يجلس الإخوة معاً، ويشرح ذلك إنجيل الرب يسوع من خلال إنجيل متى الرسول، الذي يقول حيثما اجتمع اثنان أو 3 أكون مباشرة معهم، وهذا يعني أن الفرح والسعادة في قلوب الاخوة الذين يلتقون سوياً، لأن الرب حاضر، وهو يريد لنا ان نلتقي، وهو يريد أن نتصالح ونطوي الصفحة. ولذلك، هو مصدر فرحنا، وهكذا تنهي صلاة المزمور بتأكيد كلمة الرب يسوع».
أضاف: «نعم، نلتقي ويريدنا الرب أن نلتقي كي نعيش بفرح وسلام ولكي نبحث عن الحقيقة وتجمعنا المحبة ونبني مجتمعنا. نحن هنا لاستكمال مصالحة بدأت في الحقيقة وحصلت في أيار 2011 وشملت في حينها قطبين آخرين، فخامة الرئيس العماد ميشال عون عندما كان رئيساً للتيار الوطني الحر وفخامة رئيس الجمهورية الاسبق امين الجميل. وهكذا، انطلقنا وطوينا الصفحة. واليوم، نعود مع القطبين الحاضرين لنؤكد هذه المصالحة كي نواصل الطريق سويا ونسير الى الامام. لقد كانت الغاية عندما التقينا في هذا الصالون خلال عام 2011 ان نكون منطلقاً للوحدة الوطنية الشاملة التي يحتاج إليها لبنان، ولم يكن في استطاعتنا التفكير ببناء الوحدة الداخلية الشاملة، الا ان يكون الاقطاب المسيحيون، وتحديداً الموارنة يعيشون هذه الاخوة، ومنهم ننطلق الى الوحدة المسيحية والوحدة الوطنية».
وتابع: «هكذا، نتحدث سوياً في كل مرة نلتقي فيها ونجتمع. لقد كنا نقول نحن لا نجتمع موارنة كموارنة للموارنة، بل كنا نجتمع كي نكون انطلاقة لوحدتنا الداخلية الشاملة. وبهذا المعنى، نحن اليوم مجتمعون لنكمل هذه الطريق، وأنتم تعرفون موقفنا نحن في بكركي، فنحن ضد الثنائيات والثلاثيات والرباعيات، نحن مع الشعب اللبناني بأجمعه ومؤسسات الدولة كلها. وإذا كان لا بد أن نتحدث عن ثنائية، فهناك ثنائية واحدة هي عندما نقول ان لبنان ذو جناحين مسيحي ومسلم متساويين متكاملين. وعندها هذا الطائر اللبناني يستطيع التحليق عالياً. هذا هو سر لبنان بخصوصيته ودوره ورسالته في المنطقة، هذه هي ابعاد هذا اللقاء التاريخي العظيم بين المرجعيتين المحترمتين سليمان بك فرنجية والدكتور سمير جعجع، ومن خلالهما ومعهما كل انصار واعضاء الحزبين».
وأردف: «كل ما نقوله إننا نرفع صلاتنا إلى الله كي يبارك هذا اللقاء، وأن يكون مصدر خير للبنان ومصدر نعم للدولة والمؤسسات والشعب. نحن نرفع صلاة الشكر معا لله، ونسأل كي يبارك هذا المسعى بمجده وخير لبنان وكل اللبنانيين».
خلوة وبيان
بعدها، عقدت خلوة بين الراعي وفرنجية وجعجع في مكتب البطريرك الخاص.
ثم صدر بيان عن اللقاء تلاه المطران جوزف نفاع حمل عنوان: «وثيقة بكركي القوات اللبنانية وتيار المردة»، جاء فيها: «انطلاقاً من لقاء بكركي الرباعي للأقطاب المسيحيين بتاريخ 14/11/2018 حول المصالحة المسيحية، التي توخت خير المصلحة المسيحية والوطنية اللبنانية.
وبعد المصالحة الوطنية التي أنجزت عبر وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، ومصالحة الجبل والمصالحة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر عبر تفاهم معراب، تأتي وثيقة بكركي – القوات اللبنانية وتيار المردة، استكمالاً طبيعياً لهذا المسار التصالحي العام الذي يدعم وحدة لبنان ومصالح شعبه.
وفاء لتضحيات شهدائنا جميعاً، يلتقي اليوم في مقر البطريركية المارونية في بكركي، هذا الصرح الوطني الكبير، وبرعاية غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، رئيس تيار المرده الوزير سليمان فرنجيه ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، ترسيخاً لخيار المصالحة الثابت والجامع.
إن المصالحة تمثل قيمة مسيحية – إنسانية – لبنانية مُجردة، بصرف النظر عن الخيارات السياسية لأطرافها الذين ينشدون السلام والاحترام المتبادل، وخير لبنان دولة وشعباً وأرضا، من دون أي حساباتٍ سياسية قد تتبدل تِبعاً للظروف والتغيرات.
لقد مثل الشمال، الحصن المنيع لنواة الحضور المسيحي التاريخي منذ يوحنا مارون والبطاركة الأوائل مروراً بالمقدمين ويوسف بك كرم والمناضلين والشهداء في المراحل اللاحقة وصولاً إلى اليوم دفاعاً عن الكرامة والوجود والمصير.
لقد مر المسيحيون عموماً ومسيحيو الشمال خصوصاً، خلال الحرب اللبنانية، بمرحلة أليمة من الاقتتال والشرذمة، ما سبب لهم الحزن والألم والإحباط والتفرقة، وانعكس سلباً على وضعيتهم السياسية والديموغرافية والاجتماعية في لبنان كله، ولن يتخطى المسيحيون هذا الواقع السلبي للانطلاق نحو مستقبلٍ واعد لهم وللبنان، إلا إذا نجحوا في طي صفحة الماضي الأليم، والالتزام بالقواعد الديموقراطية في علاقاتهم السياسية.
لقد مرت العلاقة بين الطرفين في السنوات الأخيرة بمحطاتٍ سياسية وانتخابية عدة، ولم تعكر استقرارها أي شائبة، بالرغم من بقاء الاختلافات السياسية بينهما على حالها، ما يؤكد أن الالتقاء والحوار ليس مستحيلا، بمعزلٍ عن السياسة وتشعباتها.
بالاستناد إلى ما تقدم، يُعلن تيار المرده وحزب القوات اللبنانية عن إرادتهما المشتركة في طي صفحة الماضي الأليم، والتوجه إلى أفق جديد في العلاقات على المستوى الإنساني والاجتماعي والسياسي والوطني، مع التأكيد على ضرورة حل الخلافاتٍ عبر الحوار العقلاني الهادف إلى تحقيق مصلحة لبنان العليا ودور مسيحييه، والعمل معاً على تكريس هذه العناوين عبر بنود هذه الوثيقة.
إن هذا الحدث مناسبة لإكبار من استشهد وضحى وعانى من النزاعات الدموية بين الفريقين. عزاؤنا الوحيد أن تضحياتهم أثمرت هذا اللقاء التاريخي الوجداني بعيداً عن أي مكاسب سياسية ظرفية ليكون بحجم معاناتهم ومآسي أحبائهم.
إن ما ينشده الطرفان من هذه الوثيقة ينبع من اضطلاع بالمسؤولية التاريخية ومن قلق على المصير، وهي بعيدة عن «البازارات» السياسية، ولا تسعى إلى إحداث أي تبديل في مشهد التحالفات السياسية القائمة في لبنان والشمال، مع التشديد على أنها لم تأتِ من فراغ، وليست وليدة اللحظة، وإنما تتويجاً لسلسلة اجتماعاتٍ وحوارات، نجح خلالها الطرفان في كسب ثقة متبادلة عبر احترام قواعد العمل السياسي الديموقراطي، ووقف كل أشكال الصدامات والالتزام بتطبيع العلاقات، ما شجع الطرفين على مواصلة الحوار وتطويره وصولاً إلى هذه الوثيقة.
بناء على ما تقدم، يؤكد الطرفان على الأُسس الاتية:
-إن التلاقي بين المسيحيين والابتعاد عن منطق الإلغاء يشكلان عامل قوة للبنان والتنوع والعيش المشترك فيه.
-إن زمن العداوات والخصومات بين القوات اللبنانية والمرده قد ولى وجاء زمن التفاهم والحوار وطي صفحة أليمة والاتعاظ من دروس الماضي وأخطائه وخطاياه منعاً لتكرارها، أملاً بغدِ الرجاء والتفاهم.
– ينطلق اللقاء من قاعدة تمسك كل طرف بقناعاته وبثوابته السياسية ولا تقيد حرية الخيارات والتوجهات السياسية ولا تحمل الزامات محددة، بل هي قرار لتخطي مرحلة أليمة، ووضع أسس حوار مستمر تطلعاً إلى أفق مستقبلي مفتوح.
إن الاختلاف السياسي في بلد سيَد ودولة مؤسسات لا يمنع التلاقي حول القضايا الوطنية والإنسانية والاجتماعية والإنمائية مع السعي الدائم لتضييق مساحة الاختلاف السياسي قدر الإمكان.
-احترام التعددية السياسية والمجتمعية وحرية الرأي والحريات العامة والخاصة، والالتزام بالدستور والقوانين والقواعد الديموقراطية بما يختص بالعمل السياسي والحزبي في لبنان.
– تعميم المناخات الإيجابية بين الطرفين عموماً، واستبعاد المصطلحات التي تُجرح بالطرف الآخر وبرموزه وشهدائه.
-احترام حرية العمل السياسي والحزبي في القرى والبلدات والمناطق ذات العُمق الأكثري لكلا الطرفين، والتنسيق في ما يتعلق بالنشاطات والخطوات التي قد تُثير أي سوء تفاهم مُعين بينهما لمصلحة الجميع، ومنعاً لأي احتكاكاتٍ تضر بأهداف المصالحة.
في الخاتمة، هذه الوثيقة شِئناها تتويجاً للقاءاتِ مصارحاتٍ وحواراتٍ عقلانية، لتجاوز مراحل مدمِرة من الخلاف والاقتتال، كما نريدها استشرافا لغد أفضل، يحمل تصميماً لدينا، كلٌ من موقعه السياسي، ببدء مرحلة تعاون صادق، وثيق، بناء، نابع من مسؤوليتنا الوطنية المشتركة لتحقيق أماني وتطلعات اللبنانيين في بناء دولة حقوق المواطن وكرامة الوطن. عاش لبنان».
جعجع
وفي نهاية اللقاء ولدى مغادرته، قال جعجع رداً على سؤال: «هذا يوم مصالحة ويوم أبيض وجميل وتاريخي».
وقال رداً على سؤال آخر: «السياسة لاحقاً».
سئل: هل سنراك يوما ما في إهدن وزغرتا؟
أجاب: «الآن أصبح كله معقول، ستراني في إهدن وزغرتا، وسترى غيري في معراب، كله وارد».
فرنجية
من جهته، قال سليمان فرنجية أثناء مغادرته، رداً على سؤال: ًما رأيته كان مسيحياً بامتياز، وأهم أمر أننا لم نتطرق إلى الأمور اليومية، بل على العكس تحدثنا عن المسائل الوجدانية، وكان اللقاء وجدانياً. وكما قلنا، صفحة جديدة نفتحها».
سئل: هل ستكون على حساب أحد هذه الصفحة؟
أجاب: «لماذا ستكون على حساب أحد؟ بالعكس لم نطرحها يوماً على حساب أحد، بل بدأت قبل هذه الحسابات واستمرت وأتت بطريقة طبيعية ووجدانية، لا بطريقة طارئة وظرفية طبيعية، وأتصور هي التي ستستمر».
سئل: هل ستتطور إلى عمل سياسي بينكما؟
أجاب: «نحن اليوم نعتبرها علاقة طبيعية. وفي السياسة يمكن أن نتفاهم، فالوقت هو الذي سيقرر ما الذي سيحصل بعد ذلك».
سئل: هل سألت جعجع أي سؤال شخصي، أو في ما يختص بمرحلة الحرب؟
أجاب: «لم ندخل في هذه الأمور، فالجلسة كانت وجدانية وودية برعاية ووجود سيدنا البطريرك».
سئل: هل تحدثتم عن الماضي أو الحاضر؟
أجاب: «تحدثنا عن الماضي والحاضر».
سئل: هل أصبح الوصول الى الرئاسة أسهل بدعم القوات؟
أجاب: «بعد 4 سنوات، الله وحده يعلم ماذا سيحصل».
سئل: هل ستكون هناك مصالحة مع التيار الوطني الحر؟
أجاب: «عندما يستدعينا فخامته نحن جاهزون».
ستريدا جعجع
ولدى مغادرتها بكركي، سئلت النائبة جعجع عن قرع الأجراس في المناطق، فسألت: «هل هناك أجمل من هذه الصورة، فأجراسنا ستبقى تقرع».