ساردو وعلامة افتتحا ليالي مهرجانات جونية

قد يكون الوفاء أو ربما الحنين والشغف الى الفن الراقي بكل لغاته، أو ببساطة هو حب ابن هذه الأرض للحياة وإصراره على تحدي هوية الحرب والموت البطيء. الاحتمالات عدة لكن النتيجة كانت أكثر من مشرفة في افتتاح مهرجانات جونية 2013، ومدرجات ملعب فؤاد شهاب التي امتلأت بالحشود التي توافدت من كل المناطق لم تكن وليدة اللحظة. في اختصار كل شيء كان مميزاً ومتقناً، والبداية مع الفنان الفرنسي العالمي ميشال ساردو الذي افتتح ليلة المهرجان الاولى فيما أحيا السوبر ستار راغب علامة الليلة الثانية…
تحت أقدام سيدة لبنان التي أضافت إلى الجبل المضاء نوراً، انطلقت مهرجانات جونية التي تنظمها «جمعية أصدقاء المدينة» أو «فيليبوليس». وكما كان مقرراً في البرنامج افتتح الليلة الأولى المطرب الفرنسي ميشال ساردو. لكن ما لم يكن مقرراً هو هذا الحشد الجماهيري الذي ملأ المدرجات من كل الفئات والأعمار، كيف لا والفنان الذي نجح المنظمون في استقطابه إلى مهرجانات جونية يحمل تاريخاً وريبيرتواراً من النادر الا تسمع احداً يردده؟!
مرض الحب و«احمر» الثورة
«الأوقات الكبيرة» هو عنوان الأمسية الغنائية التي وقف فيها إبن السادسة والستين عاماً ليغني بفكره النضالي ورومانسيته وفكره السياسي أجمل أغنياته. وبقامته المكللة بالشيب أطل على جمهوره تحوط به فرقة موسيقية من العنصر الأنثوي البحت، ليطلق العنان مع جمهوره، وغالبيته من النساء، على أغنية «مرض الحب» التي تعرف إليها جمهوره منذ ما يقارب الأربعة عقود، ومن جيل إلى آخر انطلقت لتتردد اليوم في ستاديوم فؤاد شهاب في إطار الجولة التي يقوم بها ساردو منذ نهاية العام 2012 وتستمر حتى نهاية السنة الحالية. وشملت الجولة بلجيكا وسويسرا وكندا ولوكسمبورغ وموناكو ولبنان.
التصفيق لم يهدأ ولا حتى صرخات الطامحين إلى ما هو أبعد من رومنسية ساردو. كيف لا وهو المطرب المشهور بأغنياته النضالية وثورته الإجتماعية والتي كلفته أحياناً المنع من الغناء. لكنه لم يتغير ولم يتردد لحظة في الإعلان عن مواقفه وآرائه؟ ومن وحي هذا الإلتزام غنى «أحمر» التي عكست شخصية ساردو الثائر على الحروب والداعم لكل إنسان مظلوم وموجوع. وتحت أضواء بازيليك سيدة لبنان التي أضيئت انوارها احتفاء بإعادة تأهيلها وافتتاح مهرجانات جونية واصل ساردو غناءه فأدى بإحساس لم يشهد عليه جمهور لبنان «لو فرانس» في إشارة إلى الباخرة الشهيرة، و«أنا لا أهرب أنا أطير»، و«الزوجان العجوزان» و«الفتاة ذات العينين الزرقاوين» و«سوف أحبك».
«النصر الاسود» ختاماً
تلك الليلة فجّر فيها ساردو شغفه بالغناء والحياة والحب والنضال والثورة. واللبنانيون الذين احتشدوا تلك الليلة لم يكن ينقصهم إلا هذا الشغف وسط كم من الأحداث والأوجاع والأخبار التي فكر البعض في أنها ستؤخرهم عن الوصول، هذه الليلة كما كل ليالي المهرجانات، إلى ساحات الفرح والغناء. في تلك الليلة جاء من يقف امام الجمهور اللبناني ليعيد إليهم ثقتهم بالفن الأصيل وبالأغنيات التي تحاكي الحب كما الثقافة والثورة والصوت الجميل.
قد يكون خيار ساردو في العودة عن قرار الإعتزال الذي اتخذه في التسعينيات من أفضلها في حياته كما يروى في سيرة حياته، لأنه في ذلك أعاد إلى جمهوره ذاك الحنين والإصرار على عدم الخروج عن مسار الأغنية الملتزمة في كل وجوهها. وهذا ما ترجمه في ريبيرتواره الأخير على ستاديوم فؤاد شهاب عندما أطلق امام جمهوره أغنية «أتهم» التي يدين فيها كل تصرف مشين ومهين للإنسانية والإنسان في العالم. وكان للأغنيات الصاخبة والراقصة حصة بدءا بأغنية «لاجافا دو برودواي» بمرافقة كورال غنائي رائع والفرقة النسائية الموسيقية. تلتها «قبل عشر سنوات» ثم «وأنت تغني» وختامها مسك مع «النصر الأسود»، ليثبت ساردو أنه النسر الذي لا يهوي ولا يهادن على رغم كل شيء.
راغب علامة… و«بوس العلم»
الليلة الثانية من مهرجانات جونية لم تكن اقل حماسة وانعكاساً لوفاء ورغبة الجمهور اللبناني في كسر قواعد الحياة. تلك الليلة كان الموعد مختلفاً، كيف لا واللقاء المنتظر كان مع سوبر ستار الغناء العربي راغب علامة.
منذ اللحظات الأولى تدرك أن عملية التنظيم أخذت حيزاً من الوقت والجهد سواء في عملية توزيع المواقف العامة، والنقليات التي تولتها باصات خاصة رفعت شعار المهرجان وإسم الشركة المنظمة، وكذلك الحال في ستاديوم ملعب فؤاد شهاب. ومع انطلاق موعد بدء المهرجان كان الحشد الجماهيري يملأ الكراسي وكذلك الشرفات المطلة على ساحة المهرجان.
صوت مذيع يعلن عن بدء المهرجان. «راغب، راغب». تهتف إحداهن ويبدأ التصفيق وتكر الهتافات من الجمهور الذي حضر من مختلف المناطق اللبنانية. لحظات وتصدح الموسيقى تحت أضواء الجبل ليطلق الفنان راغب علامة أغنيته الوطنية الجديدة «بوس العلم» بعدما كان أعلن عن ذلك في تغريدة صباحية عبر موقع تويتر. الشاشات العملاقة التي ثبتت على طرفي المسرح سمحت للجالسين في الصفوف الخلفية في متابعة نقل وقائع الحفل ومتابعة خطوات الفنان والفرقة الموسيقية. تفاعل الجمهور كان لافتاً منذ البداية وكرت سبحة الأغنيات التي جمعت بين القديم والجديد. ولكل منها وقعها المميز الذي راوح بين الرومنسية والوطنية والحماسية الراقصة. وفي كل الحالات بقي راغب العلامة الفارقة التي ميزت مهرجان جونية واعطت لانطلاقته اللبنانية وقعاً فنياً مميزاً.
ساعتان ونصف الساعة غنى راغب علامة من دون ان تخمد حماسة الجمهور لحظة واحدة. ولم تخل محطاته الغنائية من بعض الإعادات لا سيما في أغنية «شو مهضومة لما تغاري» نزولاً عند طلب الجمهور الذي لمس احترام الفنان اللبناني وتقديره له. وقبل أن يختم ريبيرتواره أصر راغب على إعادة أغنيته «بوس العلم» كتحية تقدير للجيش اللبناني وللعلم الذي زين هامة المسرح. وكان لافتاً تفاعل علامة مع الجمهور في كل أغنية وإصراره على ارتداء الملابس السبور للدلالة على التصاقه بالجمهور.
«ليلتان ولا كل الليالي» عبارة سمعناها أكثر من مرة ممن حضروا حفلتي افتتاح مهرجانات جونية، وليس في الكلام مبالغة. والثابت ان البرنامج التالي الذي يحمل عناوين لفنانين لبنانيين وعالميين منهم ميكا وفريق «ذا فويس» لا يقل أهمية وحماسة ورقياً في الفن الذي اشتقنا اليه.
ج. ن