الاقتصادمفكرة الأسبوع

تحويلات المهاجرين المالية… ادخار ام استثمار؟

تشكل تحويلات المهاجرين رافعة لاقتصادات الدول الفقيرة او دول العالم الثالث، ومن شأنها في بعض الحالات ان تحول هذه الدول الى دول ناشطة تسير على طريق النمو المتواصل والمتصاعد.

يقول لانت بريتشيت، الاقتصادي الشهير في مركز التنمية الدولية، «ان افضل شيء يمكن ان تفعله البلدان الغنية بالنسبة الى دول العالم الثالث يكمن في السماح لمهاجريه بتسهيل مهمة تحويل ما يرغبون من المال الى اوطانهم الام».
تدل الاحصاءات شبه الرسمية على ان المبالغ التي يرسلها المهاجرون الى ذويهم في بلدانهم الاصلية تبلغ ثلاثة اضعاف موازنات المعونات الانمائية للبلدان المانحة الغنية مجتمعة، وهي ما زالت في طور النمو والتزايد بوتيرة عالية، بدليل تحولها من اقل من 100 مليار دولار في العام 2002 الى 372 مليار دولار في العام 2011. وليس مستغرباً ان تتصدر الهند والصين قائمة الدول المستفيدة في هذا المجال مع تلقي 64 مليار دولار و62 مليار دولار على التوالي من التحويلات، تليهما المكسيك (24 ملياراً) والفيليبين (23 ملياراً) ومصر (14 ملياراً)، وباكستان (12 ملياراً)، وبنغلادش (12 ملياراً) ونيجيريا (11 ملياراً).

الخصوصية العربية
من الواضح تماماً ان تحويلات المهاجرين المالية تحولت اساساً لاستراتيجيات مالية في دول العالم الثالث، وتبرز هنا المنطقة العربية ذات خصوصية مميزة لكونها اولى المناطق المستقبلة للتحويلات واولى المناطق المصدرة لها. وقد بلغ حجم تلك التحولات النظامية الى البلاد العربية نحو 35 مليار دولار في العام 2011 بعد تزايدها المتسارع منذ مطلع الالفية الثالثة في حين بقيت ثابتة تقريباً على مستوى 13 مليار دولار سنوياً خلال التسعينيات من القرن الماضي. وتأتي في طليعة الدول العالمية المستقبلة للتحويلات من حيث الحجم الاجمالي كل من مصر (14 ملياراً). ولبنان (7 مليارات)، والمغرب )6،12 مليارات). اما بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي فتبرز في المراتب الاولى عالمياً التحويلات المالية الى لبنان (22٪)، فلسطين والاردن (18٪ لكل منهما)، واليمن (5،2 مليارات).
والحقيقة ان تحويلات المهاجرين تلعب دوراً اكبر بكثير مما تشير اليه الارقام الرسمية، اذ قدرت دراسة لمصرف الاستثمار الاوروبي ان نسبة التحويلات غير النظامية (او غير القانونية) الى البلدان العربية ما زالت كبيرة جداً وهي تصل الى 7٪ في لبنان، و20٪ في تونس، و34٪ في المغرب، و53٪ في الاردن، و56٪ في مصر، و57٪ في الجزائر، وحتى الى 79٪ في سوريا، بحيث يمكن تقدير الحجم الحقيقي لمجمل التحويلات السنوية الى اكثر من 60 مليار دولار.
وهكذا تبين ان حجم تحويلات المهاجرين يتخطى بكثير مجمل تدفقات المساعدات العربية والدولية للتنمية، ومجمل تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة الوافدة في حين تسارعت هذه الاخيرة بشكل مطرد في السنوات الاخيرة، ولكن معظمها ذهب الى دول الخليج.

من العرب الى العرب
تدل خريطة التحويلات المالية للمهاجرين الى ان تحويلات المهاجرين العرب تأتي من دول مجلس التعاون الخليجي واوروبا والولايات المتحدة واوستراليا. غير ان حصة التحويلات البينية العربية انخفضت بشكل كبير منذ التسعينيات، ويعود السبب في ذلك، وبصورة خاصة الى طرد العمال المصريين من العراق،والفلسطينيين والاردنيين من الكويت بعد حرب الخليج الاولى في العام 1991، وكذلك الى توجه دول الخليج العربي لاستبدال اليد العاملة العربية باليد العاملة الآسيوية الارخص اجراً والاكثر ليونة وطواعية. وهكذا لم تعد التحويلات البينية العربية تشكل سوى نصف التحويلات الوافدة، وثلث التحويلات الصادرة.
ومما لا شك فيه ان كثيراً من البلدان العربية الكثيفة السكان والمفتقرة الى الموارد تأثرت بالازمة المالية العالمية وخصوصاً الاوروبية، وكانت مصر اول من تأثر بهذه الازمات بعد ازمة 2008 العالمية المالية، باعتبار ان حصةالولايات المتحدة من التحويلات الوافدة اليها تشكل حصة ملحوظة. ولم يكن المغرب العربي اقل تأثراً من مصر، اذ شهد تراجعاً واضحاً في تحويلاته، وذلك مرده الى ارتهانه الكبير وشبه الاحادي الجانب مع اوروبا، غير ان الاثر الاكبر سيأتي من تطور الاوضاع في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة اللتين تشكلان الجزء الاكبر من التحويلات الصادرة، ويعود ذلك الى ثلاثة عوامل اساسية اولها تذبذب اسعار النفط، وثانيها الهبوط الكبير في نشاط القطاع العقاري، وثالثها احلال المواطنين السعوديين والاماراتيين في الوظائف التي تشغلها اليد العاملة الاجنبية.

التحويلات الخارجية
من الواضح تميز التحويلات المالية بالتقلب، فيما التغييرات في اسعار النفط اثرت وما زالت تؤثر في التحويلات الوافدة من روسيا ومنطقة الخليج العربي. كما ان الركود العالمي، وخصوصاً انهيار قطاع البناء والتشييد، التهم نسبة كبيرة من التحويلات المالية من اوروبا والولايات المتحدة.
واذا كانت الاسر هي المستفيدة المباشرة من تحويلات المهاجرين، فان الاستفادة البعيدة المدى هي للاقتصاد. وكانت الصين خير مثال على ذلك، اذ اعطت تحويلات المهاجرين دفعاً قوياً لاقلاع الصين وانطلاقتها في ثمانينيات القرن الفائت.
وفي الهند ايضاً صبت التحويلات في الاسهم والسندات في الوطن الام، وليس في اعمال جديدة. لكن ليس ثمة شك في ان الهنود «المتأمركين» الذين هم على صلة بعالم المعرفة التقنية العالمية، مهتمون كثيراً باسواق موطنهم الاصلي، سواء من حيث الاستثمارات المباشرة او من خلال سهولة نقل التكنولوجيا.
وفي آسيا اجمالاً تتجه التحويلات المالية الى الادخار اكثر من الاستثمار، معتمدة على فوائض تجارية كبيرة للحفاظ على النمو في الناتج المحلي والعمالة.
اما في اميركا اللاتينية فتبدو معدلات الادخار ضحلة، اذ تتجه معظم تحويلات المهاجرين هناك الى الاستهلاك، حيث الاولوية للغذاء في منطقة تعاني من الفقر.

 

كلفة التحويلات
يعاني المهاجرون من ارتفاع كلفة ارسال المبالغ النقدية الى ذويهم في بلدانهم الاصلية، اذ تصل هذه الكلفة في بعض «ممرات» التحويلات الى 30٪، ويعود الامر في جزء منه الى ان التكلفة الحقيقية لتحويل 20 الف دولار عبر الحدود يكاد لا يختلف عن تحويل 200 دولار.
وفي هذا الصدد، اطلق البنك؛ الدولي موقعاً على شبكة الانترنت في ثماني لغات نشر عليها الرسوم التي تفرضها كل مؤسسة مالية رئيسية في كل ممر نقدي دولي. ومع ذلك، فان الناس الذين يحتاجون اكثر الى المعلومات هم مع الاسف، الاقل احتمالاً لاستخدام مواقع الانترنت، وايضاً الذين لا وقت لديهم لعبور مدينة للعثور على ارخص الخدمات.
وللتخفيف من هذه المعاناة بدأت بعض المنظمات غير الحكومية تنشر الانتهاكات، وتشيد بفاعلي الخير في المدن والاحياء التي للمهاجرين فيها قوة اقتصادية، علماً بأن تخفيض متوسط الرسوم نقطة مئوية واحدة من ثمانية في المئة يعني اضافة 3 مليارات دولار للبلدان المتلقية للتحويلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق